الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في ولاة آخر الزمان وصفتهم وفيمن ينطق في أمر العامة
البخاري «عن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال.
وقال بعضهم: بل لم يسمع ما قال حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» .
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله: الرواية الصحيحة عند جميع رواة البخاري [إذا وسد] ورواه الفقيه الإمام المحدث أبو الحسن القابسي: [أسد] قال: والذي أحفظ [وسد] وفي نسخة من البخاري إشكال بين وسد أو أسد على ما قيد له لأنه كان أعمى وهما بمعنى.
قال أهل اللغة: يقال إساد ووساد واشتقاقهما واحد يقال: إساد ووسادة ووساد فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله» أي أسند وجعل إليهم وقلدوه بمعنى الإمارة، كما في زماننا اليوم، لأن الله تعالى ائتمن الأئمة والولاة على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم لقوله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» فينبغي لهم تولية أهل الدين والأمانة للنظر في أمور الأمة، فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي فرض الله عليهم.
وفي رواية: «إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها، وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها» .
الترمذي «عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع» قال حديث حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو.
وخرج الغيلاني أبو طالب محمد: «حدثنا أبو بكر والشافعي: حدثنا موسى بن سهل بن كثير، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن عبد الملك بن قدامة عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة قيل يا رسول الله وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة» وقال أبو عبيد: التافه الرجل الخسيس الخامل من الناس، وكذلك كل شيء خسيس فهو تافه قال: ومما يثبت حديث الرويبضة الحديث الآخر أنه قال: «من أشراط الساعة أن ترى رعاء الشاء رؤوس الناس، وأن ترى العراة الحفاة يتبارون في البنيان، وأن تلد الأمة ربتها» .
وذكر أبو عبيد في الغريب له في حديث النبي صلى الله عليه وسلم «لا تقوم
الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين ويؤتمن الخائن، ويهلك الوعول ويظهر التحوت.
قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الوعول وما التحوت؟ قال: الوعول وجوه الناس والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم» وأسند أبو نعيم عن حذيفة مرفوعاً: من أشراط الساعة، علو أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف فقال أعرابي فما تأمرني يا رسول الله؟ قال:«دع وكن حلساً من أحلاس بيتك» وفي معناه أنشدوا:
أيا دهر أعملت فينا أذاكا
…
ووليتنا بعد وجه قفاكا
قلبت الشرار علينا رؤوساً
…
وأجلست سفلتنا مستواكا
فيا دهر إن كنا عاديتنا
…
فها قد صنعت بنا ما كفاكا
وقال آخر:
ذهب الرجال الأكرمون ذوو الحجا
…
والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزين بعضهم
…
بعضاً ليدفع مغرور عن معور
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وغيره مما تقدم ويأتي قد ظهر أكثره وشاع في الناس معظمه، فوسد الأمر إلى غير
أهله وصار رؤوس الناس أسافلهم عبيدهم وجهالهم فيملكون البلاد والحكم في العباد فيجمعون الأموال ويطيلون البنيان كما هو مشاهد في هذه الأزمان، فلا يسمعون موعظة ولا ينزحرون عن معصية فهم صم بكم عمي.
قال قتادة: صم عن استماع الحق بكم عن التكلم به.
عمي عن الإبصار له، وهذه صفة أهل البادية والجهالة.
والبهم: جمع بهيمة وأصلها صغار الضأن والمعز، وقد فسره في الرواية الأخرى في قوله: رعاء الشاه.
وقوله وأن تلد الأمة ربها، وفي رواية ربتها تأنيث رب أي سيدها، وقال وكيع، وهو أن تلد العجم العرب، ذكره ابن ماجه في السنن.
قال علماؤنا: وذلك بأن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه ومنزلته بأبيه، وعلى هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين واتساع خطتهم وكثرة الفتوح وهذا قد كان.
وقيل: هو أن يبيع السادات أمهات الأولاد ويكثر ذلك.
فيتداول الملاك المستولدت، فربما يشتريها ولدها ولا يشعر فيكون ربها، وعلى هذا الذي يكون من أشراط الساعة غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد وهم الجمهور.