الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو بشاب فذكر من حسن وجهه وحسن ثيابه وطيب رائحته فقال: يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن عند الموت إلا صورتك لكان حسبه، ثم قبض روحه صلى الله عليه وسلم.
فصل: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: لا يتعحب من كون ملك الموت يرى على صورتين لشخصين، فما ذلك إلا مثل ما يصيب الإنسان بتغير الخلقة في الصحة والمرض والصغر والكبر والشباب والهرم، وكصفاء اللون بملازمة الحمام وشحوبة الوجه بتغير اللون بلفح الهواجر في السفر، غير أن قضية الملائكة عليهم السلام يجري ذلك منهم في اليوم الواحدة، وإن لم يجر هذا على الإنسان إلا في الأوقات المتباعدة والسنين المتطاولة، وهذا بين فتأمله.
باب ما جاء أن ملك الموت عليه السلام هو القابض لأرواح الخلق وأنه يقف على كل بيت في كل يوم خميس مرات وعلى كل ذي روح كل ساعة وأنه ينظر في وجوه العباد كل يوم سبعين نظرة
قال الله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} .
وروي عن ابن عمر قال: إذا قبض ملك الموت روح المؤمن قام على
عتبة الباب ولأهل البيت ضجة، فمنهم الصاكة وجهها، ومنهم الناشرة شعرها، ومنهم الداعية بويلها، فيقول ملك الموت عليه السلام: فيم هذا الجزع فو الله ما أنقصت لأحد منكم عمراً، ولا ذهبت لأحد منكم برزق، ولا ظلمت لأحد منكم شيئاً، فإن كانت شكايتكم وسخطكم علي فإني والله مأمور، وإن كان ذلك على ميتكم فإنه في ذلك مقهور، وإن كان ذلك على ربكم فأنتم به كفرة، وإن لي فيكم عودة ثم عودة، فلو أنهم يرون مكانه أو يسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم: خرجه أبو مطيع مكحول بن الفضل النسفي في كتاب اللؤلؤيات له.
وروى معناه مرفوعاً في الخبر المشهور المروي في الأربعين «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه في كل يوم خمس مرات، فإذا وجد الإنسان قد نفذ أكله وانقطع أجله ألقى عليه غمرات الموت، فغشيته كرباته وغمرته غمراته، فمن أهل بيته الناشرة شعرها والضاربة وجهها والباكية لشجوها والصارخة بويلها، فيقول ملك الموت عليه السلام: ويلكم مم الفزع ومم الجزع؟ ما أذهبت لأحد منكم رزقاً ولا قربت له أجلاً ولا أتيته
حتى أمرت، ولا قبضت روحه حتى استأمرت وإن لي فيكم عودة ثم عودة حتى لا أبقي منكم أحداً» .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم حتى إذا حمل الميت على النعش رفرفت روحه فوق النعش وهو ينادي: يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال من حله ومن غير حله، ثم خلفته لغيري فالمهناة له والتبعة علي فاحذروا ما حل بي» .
قال جعفر بن محمد: بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلاة
ذكره الماوردي.
قال الشيخ المؤلف رحمه الله: وفي هذا الخبر ما يدل على أن ملك الموت هو الموكل بقبض كل ذي روح، وأن تصرفه كله بأمر الله عز وجل وبخلقه واختراعه.
قال ابن عطية: وروي في الحديث أن البهائم كلها يتوفى الله أرواحها دون ملك الموت كأنه يعدم حياتها قال: وكذلك الأمر في بني آدم إلا أنه نوع شرف يتصرف ملك الموت وملائكة معه في قبض أرواحهم، فخلق الله ملك الموت وخلق على يديه قبض الأرواح وانسلالها من الأجسام وإخراجها منه وخلق جنداً يكونون معه يعملون عمله بأمره.
فقال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} .
وقال تعالى: {توفته رسلنا} والباري سبحانه خالق الكل الفاعل حقيقة لكل فعل.
قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} وقال: {الذي خلق الموت والحياة} وقال: {يحيي ويميت}
فملك الموت يقبض الأرواح والأعوان يعالجون، والله يزهق الروح.
وهذا هو الجمع بين الآي والحديث، لكنه لما كان ملك الموت متولى ذلك بالوساطة والمباشرة أضيف التوفي إليه كما أضيف الخلق للملك.
قال الشيخ المؤلف رحمه الله: كما في حديث ابن مسعود قال: حدثنا عليه السلام صلى الله عليه وسلم وهو الصدق المصدوق «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح» الحديث خرجه مالك وغيره.
قوله: يجمع خلقه في بطن أمه.
قد جاء مفسراً عن ابن مسعود رضي الله عنه رواه الأعمش عن خيثمة.
قال: قال عبد الله: إن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله سبحانه أن يخلق منها بشراً طارت في بشر المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة، ثم تنزل دماً في الرحم فذلك جمعها.
وفي صحيح مسلم أيضاً: «عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مر بالنطفة إثنتان وأربعون بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وشعرها وجلدها ولحمها وعظامها.
ثم يقول: أي رب أذكر أم أنثى؟» وذكر الحديث وما قبله يفسره ويبينه، لأن النطفة لا يبعث الملك إليها إلا بتمام اثنتين وأربعين ليلة فتأمله.
ونسبه الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية لا حقيقة، وإنما صدر عنه فعل ما في
المضغة كان عنه التصوير والتشكيل بقدرة الله تعالى وخلقه واختراعه.
ألا تراه سبحانه وتعالى قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية وقطع عنها نسب جميع الخليقة.
فقال تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} إلى غير ذلك من الآيات مع ما دلت عليه قاطعات البراهين إذ لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين.
وهكذا القول في قوله: «ثم يرسل الملك فينفخ ففيه الروح» أي أن النفخ فيه سبب يخلق الله فيه الروح والحياة.
وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره فتأمل ذلك.
هذا هو الأصل وتمسك به ففيه النجاة من مذاهب أهل الضلال والقائلين بالطبائع وغيرهم، وأن الله هو القابض لأرواح جميع الخلق على الصحيح، وأن ملك الموت وأعوانه وسائط.
وقد سئل مالك بن أنس عن البراغيث أملك الموت يقبض أرواحها؟ فأطرق ملياً ثم قال: ألها نفس؟ قال: نعم.
قال: ملك الموت يقبض أرواحها {الله يتوفى الأنفس حين موتها} .
وفي الخبر: أن ملك الموت وملك الحياة تناظرا فقال ملك الموت: