الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر أبو بكر النيسابوري قال: «حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا الفزاري، عن زياد بن أبي زيادة الشامي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعان في قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم يلقاه القيامة مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله» .
قال الهروي وفي الحديث «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة» قال: شقيق هو أن يقول في أقتل أو كما قال عليه الصلاة والسلام: «كفى بالسيف مثا» معناه: شافياً.
باب إقبال الفتن ونزولها كمواقع القطر والظلل ومن أين تجيء والتحذير منها وفضل العبادة عندها
قال الله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وقال تبارك وتعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} ففي هذا تنبيه بالغ على التحذير من الفتن.
مسلم «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم.
يصبح الرجل مؤمناً يمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً.
يبيع دينه بعرض من الدنيا» .
«وعن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً
فزعاً محمراً وجهه يقول: لا إله إلا الله.
ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعين الإبهام والتي تليها قالت فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث» .
أخرجهما البخاري.
البيهقي، «عن كرز بن علقمة الخزاعي قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: هل للإسلام من منتهى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام فقال: ثم ماذا؟ قال: ثم تقع الفتن كالظلل فقال الرجل كلا والله إن شاء الله.
قال بلى والذي نفسي بيده لتعودن فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض» .
قال الزهري: أساود صبا: الحية السوداء إذا أراد أن ينهش ارتفع هكذا ثم انصب.
خرجه أبو داود الطيالسي أيضاً.
قال ابن دحية أبو الخطاب الحافظ: هذا الحديث لا مطعن في صحة إسناده.
رواه سفيان بن عيينة، عن الزهري عن عروة بن الزبير عن كرز.
قرأته بجامع قرطبة وبمسجد الغدير وبمسجد أبي علاقة على المحدث المؤرخ أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الأنصاري.
قال سمعت جميع هذا الكتاب، وهو جامع الخير للإمام سفيان بن عيينة عن الشيخين الجليلين الثقة المفتي أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، والوزير الكتاب الثقة أبي الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف فإلا قرأناه على العدل أبي القاسم حاتم بن محمد التميمي بحق سماعه على الثقة الفاضل أبي الحسن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس رحمه الله بمكة حرسها الله تعالى بالمسجد الحرام بحق سماعه على الثقة أبي جعفر أحمد بن إبراهيم الديلي، بحق سماعه على الثقة الصالح أبي عبيد سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، بحق سماعه من الإمام الفقيه أبي محمد سفيان بن عيينة.
قال المؤلف رحمه الله: وقد حدثني بهذا السند المذكور الفقيه القاضي أبو عامر يحيى ابن عبد الرحمن إجازة عن أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال وكرز هو كرز بن علقمة بن هلال الخزاعي أسلم يوم الفتح وعمر طويلاً، وهو الذي نصب أعلام الحرم في خلافة معاوية وإمارة مروان بن الحكم وفيه، ثم مه قال، ثم تعود الفتن بدل قال: ثم ماذا قال: ثم تقع الفتن ولم يذكر قول الزهري إلى آخره.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: قول الرجل: ثم مه هنا على الاستفهام.
أي ثم ما يكون.
ومه: في غير هذا الموضع زجر وإسكات
كقوله عليه الصلاة والسلام: «مه إنكن صواحب يوسف» وقوله «كأنها الضلل» ، الظلل السحاب والظلة السحابة ومنه قوله تعالى:{فأخذهم عذاب يوم الظلة} وقول الرجل بجهله: كلا والله معناه الجحد بمعنى لا والله.
وقيل: هي بمعنى الزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلى والذي نفسي بيده» وبلى للنفي استفهاماً كان أو خبراً أو نهياً، فالاستفهام {ألست بربكم} و {أليس ذلك بقادر} جوابه: بلى هو قادر ومثال الخبر {لن تمسنا النار} جوابه قالوا: بل تمسكم.
ومثال النهي لا تلق زيداً، جوابه: بلى لألقينه.
قال أبو الخطاب بن دحية: وقوله صبا هكذا قيدناه بضم الصاد وتشديد الباء على مثال غر.
والأساود: نوع من الحيات عظام فيها سوداء وهو أخبثها والصب منها التي روى تنهش ثم ترتفع ثم تنصب.
شبههم فيما يتولونه من الفتن والقتل والأذى بالصب من الحيات.
قال المؤلف رحمه الله: الأساود جمع أسود وهو الحية وصباً جمع كغار وغز، وهو الذي يميل ويلتوي وقت الهش ليكون أنكي في اللدغ وأشد صباً للسم، ويجوز أن يكون جمع أصب وهو الذي كأنه عند الهش انصباباً والأول من صبا إذا مال والثاني من صب إذا سكب.
قال أبو الحسن القابسي هذا وإن كان مرسلاً، فإنه من جيد المراسيل وعبيد ابن عمير من أئمة المسلمين.
مسلم «عن سالم بن عبد الله أنه قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة.
سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الفتنة تجيء من ها هنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ.
فقال الله تعالى له: {وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتوناً} » .
«وعن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العبادة في الهرج كهجرة إلي» .
فصل
قوله: «ويل للعرب من شر قد اقترب» قد تقدم معنى الويل، والمراد هنا الحزن.
قاله ابن عرفة.
فأخبر عليه الصلاة والسلام بما يكون بعده من أمر العرب وما يستقبلهم من الويل والحرب، وقد وجد ذلك بما استؤثر عليهم به من الملك والدولة والأموال والإمارة، فصار ذلك في غيرهم من الترك والعجم وتشتتوا في البراري بعد أن كان العز والملك والدنيا لهم ببركته عليه الصلاة والسلام، وما جاءهم به من الدين والإسلام، فلمالم يشكروا النعمة وكفروها بقتل بعضهم بعضاً، وسلب بعضهم أموال بعض سلبها الله منهم ونقلها إلى غيرهم كما قال تعالى {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم} ولهذا لما قالت زينب في سياق الحديث:«أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث» .
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: قولها أنهلك وفينا الصالحون؟ قول: «نعم إذا كثر الخبث» .
دليل على أن البلاء قد يرفع عن غير الصالحين إذا كثر الصالحون.
فأما إذا كثر المفسدون وقل الصالحون هلك المفسدون والصالحون معهم إذا لم يأمروا بالمعروف ويكرهوا ما صنع المفسدون، وهو معنى قوله {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} بل يعم شؤمها من تعاطاها ومن رضيها هذا بفساده وهذا برضاه وإقراره على ما نبينه.
فإنم قيل فقد قال الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ـ {كل نفس بما كسبت رهينة} ـ {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} وهذا يوجب أن لا يؤاخذ أحد بذنب أحد وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب.
وقريء {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وعلى هذه القراءة يكون المعنى أنها تصيب الظالم خاصة وهي قراءة زيد بن ثابت وعلي وأبي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
والجواب: أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر، فمن الفرض على من رآه أن يغيره إما بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكر بقلبه فقد أدى ما عليه إذا لم يستطيع سوى ذلك.
روي عن بعض الصحابة أنه قال: إن الرجل إذا رأى منكراً لا يستطيع النكير عليه فليقل ثلاث مرات: اللهم إن هذا منكر لا أرضاه فإذا قال ذلك فقد أدى ما عليه، فأما إذا سكت عليه فكلهم عاص، هذا بفعله وهذا برضاه كما ذكرنا.
وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة الفاعل فانتظم في العقوبة.
دليله قوله تعالى {إنكم إذا مثلهم} فأما إذا كره الصالحون ما صنع المفسدون وأخلصوا كراهيتهم لله تعالى
وتبرأوا من ذلك حسب ما يلزمهم ويجب لله عليهم غير معتدين سلموا.
قال الله تعالى {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم} وقال: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} .
وقال ابن عباس: قد أخبرنا الله عز وجل عن هذين ولم يخبرنا عن الذين قالوا: {لم تعظون قوماً الله مهلكهم} .
وروى سفيان بن عيينة قال: حدثنا سفيان بن سعيد عن مسعد قال: بلغني أن ملكاً أمر أن يخسف بقرية، فقال يا رب إن فيها فلاناً العابد فأوحى الله تعالى إليه أن به فإبدأ فإنه لم يتغير وجهه في ساعة قط.
وقال وهب بن منبه: لما أصاب داود الخطيئة قال: يا رب اغفر لي، قال: قد غفرتها لك وألزمت عارها بني إسرائيل قال: كيف يا رب وأنت الحكم العدل الذي لا تظلم أحداً أعمل أنا الخطيئة ويلزم عارها غيري، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود إنك لما اجترأت علي بتلك المعصية لم يعجلوا عليك بالنكرة.
وروى أبو داود «عن العرس بن عميرة الكندي، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها وقال مرة: فأنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيتها كان كمن شهدها» .
وهذا نص في الفرض.
وحسن رجل عند الشعبي قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال الشعبي: قد شركت في دمه.
وفي صحيح الترمذي: أن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده، فالفتنة إذ عمت هلك الكل، وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر وعدم التغيير، وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها، وهكذا كان الحكم فيمن كان قبلنا من الأمم كما في قصة السبت حين هجروا العاصين، وقالوا: لا نساكنكم، وبهذا قال السلف رضي الله عنهم.
روى ابن وهب، عن مالك قال: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً ولا يستقر فيها، واحتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه عن أرض معاوية حين أعلى بالرباء فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها.
خرجه أهل الصحيح.
وقال مالك في موضع آخر: إذا ظهر الباطل على الحق كان الفساد في آخر الأرض وقال: إن لزوم الجماعة نجاة وأن قليل الباطل وكثيرة هلكه وقال:
ينبغي للناس أن يغضبو لأمر لله تعالى في أن تنتهك فرائضه وحرمه، والذي أتت به كتبه وأنبياؤه، أو قال: يخالف كتابه.
قال أبو الحسن القابسي: الذي يلزم الحق ويغضب لأمر الله تعالى على بينة من النجاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله» .
قال أبو عمرو وروى أشهب بن عبد العزيز قال: قال مالك لا ينبغي الإقامة في أرض يكون العمل فيها بغير حق والسب للسلف.
قال أبو عمر: أما قول مالك هذا، فمعناه إذا وجد بلداً يعمل فيه الحق في الأغلب، وقد قال عمر بن عبد العزيز: فلان بالمدينة وفلان بمكة وفلان باليمن وفلان بالعراق وفلان بالشام امتلأت الأرض والله جوراً وظلماً.
قال أبو عمر: فأين الهرب إلى السكوت ولزوم البيوت والرضي بأقل قوت.
وقال منصور بن الفقيه فأحسن:
الخير أجمع في السكوت
…
وفي ملازمة البيوت
فإذا استوى لك ذا وذا
…
فاقنع له بأقل قوت
وكان سفيان الثوري يقول: هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخاملين، فكيف بالمشهورين.
هذا زمان ينتقل فيه الرجل من قرية إلى قرية يفر بدينه من الفتن.
ويحكى عنه أنه قال: والله ما أدري أي البلاد أسكن، فقيل له خراسان؟ فقال: مذاهب مختلفة وآراء فاسدة، فقيل الشام؟ فقال: يشار إليكم بالأصابع أراد الشهرة، فقيل له: العراق؟ قال بلد الجبابرة، فقيل له: فمكة؟ قال: مكة تذيب الكيس والبدن.
وقال القاضي أبو بكر العربي قال شيخي في العبادة: لا يذهب بك الزمان في مصافاة الأقران ومواصلة الأحزان، ولم أر للخلاص طريقاً أقرب من طريقين: إما أن يغلق المرء على نفسه بابه، وإما أن يخرج إلى مواضع لا يعرف فيه، فإن اضطر إلى مخالطة فليمن معه ببدنه وليفارقهم بقلبه ولسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ولا يفارق السكوت.
أنشدني محمد بن عبد الملك الصوفي قال: أنشدني أبو الفضل الجوهري: [الخير أجمع في السكوت] البيتان:
قال القاضي: ولي في هذا المعنى شعر:
حاز السلام مسلم
…
يأوي إلى سكن وقوت
ماذا يؤمل بعد ما
…
يأوي إلى بيت وقيت
قال المؤلف رحمه الله: ولأبي سليمان الخطابي في هذا المعنى شعر:
أنست بوحدتي ولزمت بيتي
…
فدام الأنس لي ونما السرور
وأدبني الزمان فلا أبالي
…
هجرت فلا أزار ولا أزور
ولست بسائل ما دمت حياً
…
أسار الخيل أم ركب الأمير
والشعر في هذا المعنى كثير، وسيأتي للعزلة له زيادات بيان من السنة إن شاء الله تعالى، وكثرة الخبث ظهور الزنا وأولاد الزنا.
وذكر ابن وهب عن يحيى مولى الزبير أن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم خسف قبل المشرق، فقال بعض الناس يا رسول الله: يخسف الأرض وفيها المسلمون؟ فقال: «إذا كان أكثر أهلها الخبث» .
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فيكون إهلاك جميع الناس عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي، فيكون طهرة للمؤمنين ونقمة للفاسدين لقوله عليه الصلاة والسلام:«ثم بعثوا على نياتهم» وفي رواية «على أعمالهم» وقد تقدم هذا في المعنى:
فمن كانت نيته صالحة أثيب عليها، ومن كانت نيته سيئة جوزي عليها، وفي التنزيل {يوم تبلى السرائر} فاعلمه.