الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخدري مرفوعاً.
وذكر أبو نعيم عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال: إن
من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم فلا يتمنون شيئاً إلا مطروا قال خالد: يقول كثير لئن أشهدني الله ذلك لأقولن لها أمطرينا جواري مزينات وقد تقدم من حديث ابن عمرو أكرمهم على الله من ينظر إلى الله غدوة وعشية، وهذا يدل على أن أهل الجنة في الرؤية مختلفو الحال.
وقد روي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال: إن لله تعالى عباداً لو حجبهم في الجنة ساعة لاستغاثوا من الجنة ونعيمها كما يسغيث أهل النار من النار وعذابها.
نبذ من أقوال العلماء في تفسير كلمات وآيات من القرآن وردت في ذكر الجنة وأهلها
من ذلك قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} قال ابن عباس أول ما يدخل أهل الجنة الجنة تعرض لهم عينان فيشربون من إحدى العينين فيذهب الله تعالى ما في قلوبهم من غل، ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفوا وجوههم وتجري عليهم نضرة النعيم.
وقال علي رضي الله عنه في قوله تعالى {وسقاهم ربهم شراباً طهوراً}
قال: إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيشربون من إحداهما فتجري عليهم بنضرة النعيم فلا تتغير أبشارهم ولا تشتعث أشعارهم أبداً، ثم يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطونهم من الأذى ثم تستقبلهم خزنة الجنة فتقول لهم:{سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} .
وذكره ابن المبارك قال: أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي أنه تلا هذه الآية {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها} وجدوا عند باب الجنة شجرة يخرج من ساقها عينان، فعمدوا إلى أحداهما كأنما أمروا بها فاغتسلوا منها فلم تشعث رؤوسهم بعدها أبداً ولم تغير جلودهم بعدها أبداً كأنما دهنوا بالدهن، ثم عمدوا إلى الأخرى فشربوا منها فطهرت أجوافهم وغسلت كل قدر فيها وتتلقاهم على كل باب من أبواب الجنة ملائكة {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} ، ثم تتلقاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان الدنيا بالحميم يجيء من الغيبة يقولون: أبشر أعد الله لك كذا وكذا، ثم يذهب الغلام منهم إلى الزوجة من أزواجه فيقول قد جاء فلان باسمه الذي كان يدعى في الدنيا فتقول له: أنت رأيته؟ فيستخفها الفرح حتى تقوم على أسكفة الباب، ثم ترجع فتجيء فتنظر إلى تأسيس بنيانه من جندل اللؤلؤ أخضر وأصفر وأحمر من كل لون ثم يجلس فينظر فإذا زرابي مبثوثة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة ثم يرفع رأسه إلى سقف بنيانه فلولا أن الله قدر ذلك لأذهب
بصره إنما هو مثل البرق، ثم يقول: كما أخبرنا تعالى {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} .
وذكر القتيبي في عيون الأخبار له مرفوعاً «عن علي رضي الله عنه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} ما هؤلاء الوفد؟ قال: يحشرون ركباناً ثم قال: والذي نفسي بيده أنهم إذا خرجوا من قبورهم ركبوا نوقاً عليهم رحائل الذهب مرصعة بأنواع الجوهر فتسير بهم إلى باب الجنة قال: وعند باب الجنة شجرة ينبع من أصلها عينان فيشربون من إحداى تلك العيون فإذا بلغ الشراب البطن طهرهم الله به من دنس الدنيا وقذرها فذلك قوله تعالى {وسقاهم ربهم شراباً طهوراً} قال: ثم يغتسلون من العين الأخرى فلا تشعث رؤوسهم ولا تتغير ألوانهم قال: ثم يضربون حلق أبواب الجنة فلو سمعت الخلائق طنين الأبواب لافتتنوا بها، فيبادر رضوان فيفتح لهم فينظرون إلى حسن وجهه فيخرون ساجدين فيقول لهم رضوان يا أولياء الله: أنا قيمكم الذي وكلت بكم وبمنازلكم فينطلق بهم إلى قصور من فضة شوفاتها من ذهب يرى ظاهرها من باطنها من النور والرقة والحسن قال فيقول أولياء الله عند ذلك يا رضوان: لمن هذا؟ فيقول: هذا لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلولا أن الموت يرفع عن أهل الجنة لمات أكثرهم فرحاً، قال: ثم يريد أحدهم أن يدخل قصره فيقول له رضوان اتبعني حتى أريك ما أعد الله لك قال: فيمر به فيريه قصوراً وخياماً وما أعطاه الله عز وجل قال: ثم يأتي به إلى غرفة من ياقوته من أسفلها إلى أعلاها مائة ذراع قد لونت بجميع الألوان على جنادل الدر والياقوت، وفي الغرفة سرير طوله فرسخ في عرض مثل ذلك عليه من
الفراش كقدر خمسين غرفة بعضها فوق بعض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذلك قوله عز وجل {وفرش مرفوعة} وهي من نور والسرير من نور، وعلى رأس ولي الله تاج له سبعون ركناً في كل ركن سبعون ياقوتة تضيء وقد رد الله وجهه كالبدر وعليه طوق ووشاح يتلألأ من نور، وقد سور بثلاثة أسورة: سوار من الذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ، فذلك قوله تعالى {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} » .
وقوله تعالى {جنات عدن يدخلونها} قال ابن عباس الجنات سبع: دار الجلال، ودار السلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم.
وقيل: إن الجنان أربع لأن الله تعالى قال: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} .
وقال بعد ذلك {ومن دونهما جنتان} ولم يذكر سوى هذه الأربع جنة خامسة، فإن قيل فقد قال جنة المأوى قيل جنة المأوى اسم لجميع الجنان يدل عليه أنه تعالى قال:{فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون} والجنة اسم الجنس، فمرة يقال جنة ومرة يقال جنات، وكذلك جنة عدن وجنات عدن لأن العدن الإقامة وكلها دار الإقامة كما أن كلها مأوى المؤمنين، وكذلك دار الخلد ودار السلام لأن جميعها للخلود والسلامة من كل خوف وحزن، وكذلك جنات النعيم وجنة النعيم لأن كلها مشحونة بأصناف النعيم، ذكره الحليمي في كتاب منهاج الدين له وقال: إنما منعنا أن نجعل كل واحدة من العدن والمأوى والنعيم جنة سوى الأخرى، لأن الله تعالى إن كان سمي شيئاً من هذه الأسماء جنة في موضع فقد سمي الجنات كلها بذلك الاسم في موضع آخر، فعلمنا أن هذه الأسماء ليست لتميز جنة من جنة، ولكنها للجنان أجمع.
لا سيما وقد أتى الله بذكر العدد فلم يثبت إلا
أربعاً، وقد أثبت لهذه الجنان أبواباً فقال:[وفتحت أبوابها]، وقال عليه الصلاة والسلام:«إن أبواب الجنة ثمانية» فيحتمل أن يكون ذلك، لأن لكل جنة من الجنان الأربع بابين، ووصف أهل الجنة فصنفهم صنفين: أحدهما السابقون المقربون والآخرون أصحاب اليمين، فعلمنا أن السابقين أهل الجنتين العليتين في قوله:{ولمن خاف مقام ربه جنتان} وأهل اليمين أهل الجنتين الدنييتين {ومن دونهما جنتان} وبهذا جاءت الروايات.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} إلى قوله {ومن دونهما جنتان} قال: فتلك للمقربين وهاتان لأصحاب اليمين وعن أبي موسى الأشعري نحو ذلك.
قوله تعالى: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً} قال المفسرون: ليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة: سوار من ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ وقال هنا: {من ذهب ولؤلؤاً} وقال في آية أخرى: {وحلوا أساور من فضة} .
وفي الصحيح: تبلغ حلية المؤمن حيث تبلغ الوضوء، وقريء [لؤلؤا] بالنصب على معنى ويحلون لؤلؤاً وأساور: جمع أسورة وأسورة واحدها سوار فيها ثلاث لغات ضم السين وكسرها وأسوار، قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة إذ هم ملوك قوله تعالى: {ولباسهم فيها حرير} .
روي عن يحيى بن سلام، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم عن أبي هريرة قال:[دار المؤمن في الجنة درة مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل ويأخذ بأصبعه، أو قال بأصبعه سبعين حلة منظمة باللؤلؤ والزبرجد والمرجان] .
وأخرجه ابن المبارك بهذا السند عن حماد عن أبي المهزم قال: سمعت أبا هريرة يقول: [إن دار المؤمن في الجنة من لؤلؤة فيها أربعون بيتاً في وسطها شجرة تنبت الحلل، فيذهب فيأخذ بأصبعيه سبعين حلة منظمة باللؤلؤ والزبرجد والمرجان] وقد تقدم هذا المعنى وأبو المهزم ضعيف.
وروى عن أبي هريرة أنه قال: بلغني أن ولي الله يلبس حلة ذات وجهين يتجاوبان بصوت مليح تقول التي تلي جسده: أنا أكرم على ولي الله منك.
أنا أمس بدنه وأنت لا تمسينه وتقول التي تلي وجهه: أنا أكرم على ولي الله منك، أنا أرى وجهه وأنت محجوبة لا ترين وجهه.
وقد تقدم أن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، من حديث أبي سعيد الخدري.
صححه أبو عمرو رحمه الله وقال: هذا عندي على نحو المعنى الذي نزعنا به في شارب الخمر أنه إذا دخل الجنة لا يشرب فيها خمراً ولا يذكرها ولا يراها ولا تشتهيها نفسه، فكذلك لابس الحرير في الدنيا إن لم يتب منه.
قلت: وكذلك من استعمل آنية الذهب والفضة ولم يتب من استعمالها.
وقد روي «عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين، فقيل: ومن الروحانيون يا رسول الله؟ قال قراء أهل الجنة» خرجه الترمذي أبو عبد الله في نوادر الأصول، وقد قيل: إن حرمانه الخمر ولباسه الحرير وشربه في إناء الذهب والفضة واستماعه للروحانيين إنما هو في الوقت الذي يعذب في النار ويسقى من طينة الخبال، فإذا خرج من النار بالشفاعة أو بالرحمة العامة المعبر عنها في الحديث بالقبضة أدخل الجنة ولم يحرم شيئاً منها لا خمراً ولا حريراً ولا غيره، لأن حرمان شيء من لذات الدنيا لمن كان في الجنة نوع عقوبة ومؤاخذة، والجنة ليست بدار عقوبة ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه.
قلت: وحديث أبي سعيد الخدري وأبي موسى الأشعري يرد هذا القول وكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه وليس ذلك لعقوبة، كذلك لا يشتهي خمر الجنة ولا حريرها ولا يكون ذلك عقوبة.
قوله تعالى {ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق} وقال {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق} الإستبرق: الديباج الصفيق الكثيف، والسندس: الرقيق الخفيف، وخص الأخضر لأنه الموافق للبصر، لأن البياض يبدد النظر ويؤلم والسواد يورم والخضرة لون بين السواد والبياض وتلك تجمع الشعاع.
قوله تعالى: {متكئين فيها على الأرائك} الأرائك: جمع أريكة وهي السرر في الحجل، وقال {متكئين على سرر مصفوفة} .
وروي عن ابن عباس أنه قال: إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحور سبعين سنة لا يملها ولا تمله كلما أتاها وجدها بكراً، وكلما رجعت إليه عادت إليه شهوته فيجامعها بقوة سبعين رجلاً لا يكون بينهما مني يأتي من غير مني منه ولا منها.
وذكر يحيى بن سلام عن صاحب له، «عن أبان بن عياش، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل من أهل الجنة ليتنعم مع زوجته في تكأة واحدة سبعين عاماً فتناديه أبهى منها وأجمل من غرفة أخرى: أما آن لنا منك دولة بعد فيلتفت إليها فيقول: من أنت؟ فتقول: أنا من اللاتي قال الله تعالى {ولدينا مزيد} فيتحول إليها يتنعم معها سبعين عاماً في تكأة واحدة فتناديه أبهى وأجمل من غرفة أخرى: أما آن لنا منك دولة بعد فيلتفت إليها فيقول: من أنت؟ فتقول: أنا من اللاتي قال الله تعالى {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا
يعملون} فيتحول إليها فيتنعم معها في تكأة واحدة سبعين عاماً فهم كذلك يزورون» ، قال تعالى:{وزوجناهم بحور عين} الحور: البيض في قول قتادة والعامة، والعين: العظام العيون.
وقال قتادة في قوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} يعني في الآخرة في شغل فاكهون.
قال: يعني افتضاض العذارى فاكهون، قال الحسن: مسرورون {هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون} قوله تعالى {أولئك لهم رزق معلوم} فيه قولان: أحدهما حين يشتهونه، قال مقاتل: الثاني بمقدار الغداة والعشي قاله ابن السائب.
قال الله تعالى {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} قال العلماء: ليس في الجنة ليل ولا نهار وإنما هم في نور أبداً، وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب، ذكره أبو الفرج بن الجوزي.
وخرج أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول له «من حديث أبان عن الحسن وأبي قلابة قال: قال رجل يا رسول الله: هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيجك على هذا؟ قال: سمعت الله تعالى يقول في الكتاب {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} فقلت: الليل بين البكرة والعشي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك ليل
إنما هو ضوء ونور الغدو على الرواح والرواح على الغدو، ويأتيهم طرف الهدايا لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها وتسلم عليهم الملائكة» .
قوله تعالى ذكره: فواكه جمع فاكهة قال الله تعالى {وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون} وهي الثمار كلها رطبها ويابسها.
قاله ابن عباس، وقال مجاهد في قوله تعالى {ودانية عليهم ظلالها} يعني ظلال الشجر {وذللت قطوفها تذليلا} أي ذللت ثمارها يتناولن منها كيف شاءوا.
إن قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلت إليه، وإن اضطجع تدلت إليه حتى يتناولها.
وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء {ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً} قال: أهل الجنة يأكلون الثمار من الشجر كيف شاءوا جلوساً ومضطجعين وكيف شاءوا؟ واحد القطوف قطف بكسر القاف.
وذكر يحيى بن سلام، «عن عثمان، عن نعيم بن عبد الله، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن الجنة ليتناولون من قطوفها وهم متكئون على فراشهم فما تصل إلى في أحدهم حتى يبدل مكانها أخرى.
قوله تعالى {يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب} » .
روي «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أدنى الجنة منزلة الذي يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل خادم صحفتان واحدة ذهب والأخرى فضة كل واحدة لون لا يشبه الأخرى» ذكره القتبي في عيون الأخبار.
وقال المفسرون: يطوف على أدناهم منزلة سبعين ألف غلام بسبعين ألف صحفة من ذهب يفدى عليه بها في كل واحدة منها لون ليس في صاحبتها، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها لا يشبه بعضه بعضاً ويراع عليه بمثلها، ويطوف على أرفعهم درجة كل يوم سبعمائة ألف غلام مع كل غلام صحفة من ذهب فيها ألوان الطعام ليس في صاحبتها يأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها لا يشبه بعضه بعضاً وأكواب، أي: ويطاف عليهم بأكواب كما قال تعالى {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب} قال قتادة: الكوب: المدور القصير العتق القصير العروة، والإبريق المستطيل الطويل العنق الطويل العروة.
وقال ابن عزيزة: أكواب: أباريق لا عرى لها ولا خراطيم واحدها كوب، قاله الأخفش وقطرب، وقال الجوهري في الصحاح: الكوب كوز لا عروة له، ونحوه قوله مجاهد والسدي وهو مذهب أهل اللغة: التي لا آذان لها
ولا عرى {كانت قواريرا * قوارير من فضة} أي اجتمع فيها صفاء القوارير في بياض الفضة وذلك أن لكل قوم من تراب أرضهم قوارير، قال: وإن تراب الجنة فضة فهي قوارير من فضة، قاله ابن عباس، وقال: هي في صفاء الفضة، وفي ذلك دليل على أن أرض الجنة من فضة، إذ المعهود الدنيا اتخاذ الآنية من الأرض يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها كالقوارير يرى الشراب من جدر القوارير وهذا لا يكون في فضة الدنيا {قدروها تقديراً} أي في أنفسهم فأتتهم على نحو ما قدروا واشتهوا من صغار وكبار وأوساط هذا تفسير قتادة.
وقال ابن عباس ومجاهد: أتوا بها على قدر رتبهم بغير زيادة ولا نقصان، والمعنى قدرتها الملائكة التي تطوف عليهم ويسقون فيها كأساً أي من كأس كما قال، في الآية الأخرى:{إن الأبرار يشربون من كأس} يعني الخمر، قال {يطاف عليهم بكأس من معين} أي من خمر، والمعين: الماء الجاري الظاهر لا فيها غول، أي لا تغتال عقولهم ولا يصيبهم منها صداع {ولا هم عنها ينزفون} أي لا تذهب عقولهم بشربها، يقال: الخمر غول للحليم، والحرب غول للنفوس.
أي تذهب بها.
وقرأ حمزة والكسائي: ينزفون بكسر الزاي من أنزف القوم إذا حان منهم النزف وهو السكر، كما يقال: أحصد الزرع إذا حان حصاده وأقطف الكرام إذا حان قطافه، وأركب المهر إذا حان ركوبه، وقيل: المعنى لا ينفذون شرابهم لأنه دأبهم، والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء مع شرابه فإن كان فارغاً فليس بكأس {كان مزاجها
كافوراً} قال الكلبي كافوراً عيناً في الجنة يشرب بها أي منها وقيل الباء زائدة والمعنى: يشربها ومنه تنبت بالدهن أي تبنت الدهن وقال {كان مزاجها زنجبيلاً} وكانت العرب تنستطيب الزنجبيل وتضرب به المثل وبالخمر ممزوجين، فخاطبهم الله بما كانوا عارفين ويستحبون كأنه يقول: لكم في الآخرة مثل ما تستحبون في الدنيا إن آمنتم {عيناً فيها تسمى سلسبيلاً} السلسبيل اسم العين، والسلسبيل في اللغة صفة لما كان غاية في السلاسة، وقال تعالى {يسقون من رحيق} يعني الشراب وهي الخمر {مختوم * ختامه مسك} قال مجاهد: يختم به آخر جرعة، وقيل: المعنى إذا شربوا هذا الرحيق ففنى ما في الكأس وانقطع الختم ذلك بطعم المسك.
وقال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى {ختامه مسك} خلطه ليس بخاتم يختم.
ألم تر إلى قول المرأة من نسائكم خلطه من الطيب كذا وكذا إنما خلطه مسك ليس بخاتم يختم.
ذكره ابن المبارك وابن وهب واللفظ لابن وهب
وذكر ابن المبارك عن أبي الدرداء {ختامه مسك} قال: شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شربتهم.
لو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل يده ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها.
وفي ذلك {فليتنافس المتنافسون} أي في الدنيا بالأعمال الصالحة، قال {ومزاجه من تسنيم} أي ومزاج ذلك الشراب {عيناً يشرب بها المقربون} قال قتادة: يشرب بها المقربون صرفا وتمزج لسائر أهل الجنة، وتسنيم أشرف شراب في الجنة، وأصل التسنيم في اللغة الارتفاع فهي عين ماء تجري من علو إلى أسفل ومنه سنام البعير لعلوه من بدنه، وكذلك تسنيم القبور وقد تسنم العيون والمياه فتشرف عليهم تجري من أعلى العرش يحقق ذلك ما رواه أبو مقاتل «عن صالح ابن سعيد عن أبي سهل عن الحسن بن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع عيون في الجنة عينان تجريان من تحت العرش إحداهما التي ذكرها الله {يفجرونها تفجيراً} والأخرى {نضاختان} من فوق العرش إحداهما التي ذكرها الله سلسبيلا والأخرى التنسيم» .
ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول في الأصل التاسع والثمانين وقال: التنسيم للمعذبين خاصة شرباً لهم.
والكافور للأبرار شرباً لهم.
والكافور للأبرار شرباً لهم والكافور يمزج للأبرار من التنسيم شرابهم، وأما الزنجبيل والسلسبيل فللأبرار منها مزاج.
هكذا ذكره
في التنزيل وسكت عن ذلك لمن هي له شرب فما كان للأبرار مزاجاً فهو للمقربين صرفاً، وما كان للأبرار صرفاً فهو لسائر أهل الجنة مزاجاً.
والأبرار هم الصادقون.
والمقربون هم الصديقون.
قال الحسن: خمر الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل.
وفي التنزيل {بكأس من معين * بيضاء لذة للشاربين} أي لذيذة يقال شراب لذيذ إذا كان طيباً.
قوله تعالى: {وعندهم قاصرات الطرف} أي نساء قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرون إلى غيرهم.
قال ابن زيد: إن المرأة منهن لتقول لزوجها: وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك.
وعين: عظام العيون الواحدة منهن عيناء {كأنهن بيض مكنون} أي مصون.
وقال الحسن وابن زيد شبههن ببيض تكنه النعامة بالريش من الريح والغبار فلونه أبيض في صفرة وهو أحسن ألوان النساء.
وقيل المراد بالبيض: اللؤلؤ كقوله {وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون} أي في أصدافه.
وقال {فيهن خيرات حسان} يعني النساء.
الواحدة خيرة وأصله خيرات فخفف كهين ولين.
ابن المبارك قال: أنبأ الأوزاعي عن حسان بن عطية، عن سعيد بن أبي عامر
قال: لو أن خيرة من خيرات حسان اطلعت من السماء لأضاءت لها، ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر، ولنصيف تكساه خيرة خير من الدنيا وما فيها.
النصيف: القناع وقوله: حسان أي حسان الخلق.
وإذا قال تعالى {حسان} فمن يقدر أن يصف حسنهن حور أي بيض مقصورات أي محبوسات في الخيام جمع خيثمة.
وقد تقدم صفتها.
وقال ابن عباس: الخيمة درة مجوفة فرسخ في مثله لها أربع آلاف مصراع من ذهب.
ذكره ابن المبارك: أنبأنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس.
وذكر عن أبي الدرداء قال: الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون باباً كلها در.
وعن أبي الأحوص {حور مقصورات في الخيام} قال: الدر المجوف.
وقال الترمذي الحكيم في قوله تعالى: {حور مقصورات في الخيام} قال: بلغنا في الرواية أن سحابة مطرت من العرش فخلقن من قطرات الرحمة، ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار لسعتها أربعون ميلاً، وليس لها في ذلك باب حتى إذا حل ولي الله بالجنة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها، فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين، وذكر الدارقطني في كتاب المديح عن المعتمر بن سليمان قال: إن في الجنة نهراً ينبت الجواري الأبكار.
والرفرف: المجالس قاله قتادة، وقيل: فضول المجالس.
وقال أبو عبيد: الرفرف: العرش.
وقال الترمذي الحكيم: إن الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف وأهوى به كالمرجاح يميناً وشمالاً ورفعاً وخفضاً يتلذذ به مع أنيسته، فإذا ركبوا الرفارف أخذ إسرافيل في السماع، فيروي في الخبر أنه ليس أحد من خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحاتهم، فإذا ركبوا الرفارف أخذ إسرافيل في السماع بأنواع الأغاني تسبيحاً وتقديساً للملك القدوس، فلم تبق شجرة في الجنة إلا وردت، ولم يبق ستر ولا باب إلا ارتج وانفتح، ولم تبق حلقة على باب إلا طنت بأنواع طنينها، ولم يبق أجمة من آجام الذهب إلا وقع أهبوب الصوت في مقاصبها، فزمرت تلك المقاصب بفنون الزمر، ولم تبق جارية من جوار الحور العين إلا غنت بأغانيها والطير بألحانها، ويوحي الله تبارك وتعالى إلى الملائكة أن جاوبوهم وأسمعوا عبادي الذي نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان فيجاوبون بألحان وأصوات روحانية، فتختلط هذه الأصوات فتصير رجة واحدة، ثم يقول الله عز وجل ذكره: يا داود قم عند ساق العرش تجدني، فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يعم الأصوات ويجليها وتتضاعف اللذة، وأهل الخيام من تلك الرفارف تهوي بهم وقد حفت بهم أفانين اللذات والأغاني، فذلك قوله تعالى {فهم في روضة يحبرون} .
وعن يحيى بن أبي كثير في قوله تعالى {فهم في روضة يحبرون} قال: الروضة اللذات والسماع، قوله تعالى {وعبقري حسان} العبقري الفرش له.
قال ابن عباس: الواحدة عبقري وهي النمارق أيضاً في قوله تعالى {ونمارق مصفوفة} والزرابي البسط مبثوثة، معناه: مبسوطة وقيل منسوجة بالدر والياقوت، وقوله تعالى:{وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} يعني أهل الجنة من غير السابقين وأهل الجنة كلهم أصحاب يمين {في سدر مخضود} وهو الذي نزع شوكه وقد تقدم {وطلح منضود} أي بعضه على بعض.
وقال المفسرون: الطلح شجر الموز ها هنا وهو عند العرب شجر حسن اللون لخضرته، وإنما خص بالذكر لأن قريشاً كانوا يتعجبون من خضرته وكثرة ظلاله من طلح وسدر، فخوطبوا ووعدوا لما يحبون مثله، قاله مجاهد وغيره، قوله تعالى {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال مجاهد: مطهرة من البول والغائط والحيض والنخام والبصاق والمني والولد، ذكره ابن المبارك.
أنبأنا ابن جريج، عن مجاهد فذكره {وهم فيها خالدون} أي باقون لا خروج لهم منها، وقد تقدم.
وقال مجاهد أيضاً في قوله تعالى {على سرر متقابلين}