الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحمد لله.
وقد تقدم: أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله فالجهاد يحصل مائة درجة، وقراءة القرآن تحصل جميع الدرجات، والله المستعان على ذلك والإخلاص فيه بمنه وفضله.
باب ما جاء في غرف الجنة ولمن هي
؟
قال الله تعالى: {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية} الآية.
وقال: {إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} وقال: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} .
وخرج الترمذي الحكيم، أخبرنا صالح بن محمد قال:«حدثنا سليمان بن عمرو عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} وقوله {هم في الغرفات آمنون} قال: الغرفة من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصل، وإن أهل الجنة ليتراءون الغرفة منها كما تتراءون الكوكب الشرقي أو الغربي في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» .
قال: «وحدثنا صالح بن عبد الله وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر قالوا: حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن
عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المتحابين في الله تعالى لعلى عمود من ياقوتة حمراء في رأس العمود سبعون ألف غرفة يضيء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا.
يقول أهل الجنة بعضهم لبعض: انطلقوا بنا حتى ننظر إلى المتحابين في الله عز وجل فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا.
عليهم ثياب خضر من سندس.
مكتوب على جباههم هؤلاء المتحابون في الله عز وجل» .
وذكر أبو نعيم الحافظ «من حديث محمد واسع، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ألا أخبركم بغرف الجنة؟ غرفاً من ألوان الجواهر يرى ظاهرها من باطنها
وباطنها من ظاهرها، فيها من النعيم والثواب والكرامات ما لا أذن سمعت، ولا عين رأت، فقلنا: بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، لمن تلك؟ فقال: لمن أفشى السلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وصلى والناس نيام، فقلنا: بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، ومن يطيق ذلك؟ فقال: أمتي تطيق ذلك، وسأخبركم من يطيق ذلك، من لقى أخاه المسلم فسلم عليه فقد أفشى السلام، ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى يشبعم فقد أطعم الطعام، ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام، ومن صلى العشاء الأخيرة في جماعة فقد صلى والناس نيام: اليهود والنصارى والمجوس» .
فصل: اعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال، فبعضها أعلى من بعض وأرفع، وقوله الغائر من المشرق أو المغرب يروى بالياء اسم فاعل، من غار.
وقد روى مسلم في غير الغارب بتقديم الراء، والمعنى واحد.
وروي الغابر بالياء بواحدة، ومعناه الذاهب أو الباقي، فإن غبر من الأضداد، يقال غير إذا ذهب، وغير إذا بقي، ويعني به أن الكوكب حالة طلوعه وغروبه بعيد عن الأبصار فيظهر صغيراً لبعده، وقد بينه بقوله من المشرق أو المغرب.
وقد روي العازب بالعين المهملة والزاي، أي البعيد ومعنيها كلها متقاربة المعنى.
وقوله: والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ولم يذكر عملاً ولا شيئاً سوى الإيمان والتصديق للمرسلين، وذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ وتصديق المرسلين من غير سؤال آية ولا تلجلج، وإلا فكيف تنال الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة، ولو كان كذلك كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات وأرفع الدررجات، وهذا محال، وقد قال الله تعالى {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} والصبر بذل النفس الثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية وهذه صفة المقربين.
وقال في آية أخرى {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} فذكر شأن الغرفة وأنها لا تنال بالأموال والأولاد، وإنما تنال بالإيمان ولعمل الصالح، ثم بين لهم جزاء الضعف وأن محلهم الغرفات، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب مطمئناً به في كل ما نابه، وبجميع أموره وأحكامه، فإذا عمل عملاً صالحاً فلا يخلطه بضده وهو الفاسد.
فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره وأحكامه، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا.
فلهذا كانت منزلته دون غيره.
قلت: ذكره الترمذي الحكيم رحمة الله عليه وهذا واضح بين، وقد قال تعالى {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} وقال:{ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون} فلما باين بين الأبرار والمقربين في الشراب على ما يأتي بيانه، باين بينهم في
المنازل والدرجات وأعالي الغرفات حسب ما باين بينهم في الأعمال الصالحات بالاجتهاد في الطاعات.
قال الله تعالى: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين} فيجتهد الإنسان أن يكون من الأبرار المقربين ليكون في عليين وأصحاب عليين جلساء الرحمن، وهم أصحاب المنابر من النور في المقعد الصدق وقال تعالى:{فأما من أوتي كتابه بيمينه} إلى قوله {فهو في عيشة راضية * في جنة عالية} فأصحاب اليمين في علو الجنان أيضاً وجميعها عوالي وجنات المقربين جميعها علالي وإحداهن عليه كقول الشاعر:
ألا يا عين ويحك أسعديني
…
بغزر الدمع في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي
…
بخير الدار في تلك العلالي
باب منه
«روي من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة لغرفاً ليس لهامغاليق من فوقها ولا عماد من تحتها، قيل يا رسول الله، وكيف يدخلها أهلها؟ قال: يدخلونها أشباه الطير، قيل: هي يا رسول الله لمن؟ قال: لأهل الأسقام والأوجاع والبلوى» خرجه أبو القاسم زاهر بن محمد بن محمد الشحامي.
باب منه
روى الليث بن سعد قال: «حدثنا محمد بن عجلان أن وافد البصري،