الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاستهزاء في اللغة: الانتقام.
قال الشاعر:
قد استهزءوا منهم بألفي مدجج
…
سراتهم وسط الضحاضح جثم
ومثله: {ومكروا ومكر الله} الآية.
وهو كثير، وسيأتي لبيان الاستهزاء من الله مزيد بيان، والضحك من الله تعالى راجع إلى معنى الرضى عن العبد.
فاعلم ذلك.
باب منه وما جاء في خروج الموحدين من النار وذكر الرجل الذي ينادي: يا حنان يا منان، وبيان قوله تعالى:" إنها عليهم مؤصدة. في عمد ممددة "، وفي أحوال أهل النار
باب منه وما جاء في خروج الموحدين من النار وذكر الرجل الذي ينادي: يا حنان يا منان، وبيان قوله تعالى: إنها عليهم مؤصدة.
في عمد ممددة، وفي أحوال أهل النار
وروى أبو ظلال، «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عبداً في جهنم ينادي ألف سنة: يا حنان يا منان، فيقول الله تعالى لجبريل: إئت عبدي
فلاناً، فينطلق جبريل عليه السلام فيرى أهل النار منكبين على وجوههم، قال فيرجع فيقول: يا رب لم أره، فيقول الله تعالى: إنه في مكان كذا وكذا، قال: فيأتيه فيجيء به، فيقول له: يا عبدي، كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ قال: فيقول: شر مكان، وشر مقيل، قال فيقول: ردوا عبدي، قال فيقول: يا رب ما كنت أرجو أن تردني إذا أخرجتني منها.
فيقول الله تعالى: دعوا عبدي» .
وأبو ظلال هذا اسمه هلال بن أبي مالك القسملي يعد في البصريين.
وعن سعيد بن جبير قال: إن في النار لرجلاً ـ أظنه في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام يا حنان يا منان، فيقول رب العزة لجبريل: يا جبريل أخرج عبدي من النار، فيأتيها فيجدها مطبقة فيرجع فيقول: يا رب إنها عليهم موصدة، فيقول: يا جبريل، ارجع ففكها فاخرج عبدي من النار، فيفكها فيخرج مثل الخيال فيطرحه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعراً ولحماً ودماً، ذكره أبو نعيم.
وروى ليث «عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: إنما الشافعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي» ، الحديث وقد تقدم.
وفيه بعده.
قوله: وأطولهم مكثاً من يمكث فيها مثل الدنيا منذ خلقت إلى يوم أفنيت، وذلك سبعة آلاف سنة.
ثم إن الله أراد أن يخرج الموحدين منها قذف في قلوب أهل الأديان فقالوا لهم: كنا وأنتم وآباؤنا جميعاً في الدينا، فآمنتم وكفرنا وصدقتم وكذبنا، وأقررتم وجحدنا، فما أغنى ذلك عنكم، نحن وأنتم اليوم فيها سواء، تعذبون كما نعذب، وتخلدون فيها كما نخلد،
فيغضب الله عند ذلك غضباً شديداً لم يغضب مثله من شيء فيما مضى، ولا يغضب من شيء فيما بقي، فيخرج أهل التوحيد منها إلى عين بين الجنة والنار والصراط يقال لها: نهر الحياة، فيرش عليهم من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فما يلي الظل منها أخضر، وما يلي الشمس منها أصفر، ثم يدخلون الجنة فيكتب على جباههم: هؤلاء عتقاء الله من النار، إلا رجلاً واحداً يمكث فيها ألف سنة، ثم ينادي: يا حنان يا منان، فيبعث الله إليه ملكاً فيخوض في النار في طلبه سبعين عاماً لا يقدر عليه، ثم يرجع فيقول: إنك أمرتني أن أخرج عبدك فلاناً من النار منذ سبعين عاماً فلم أقدر عليه، فيقول الله تعالى: انطلق فهو في وادي كذا تحت صخرة فأخرجه، فيذهب فيخرجه منها فيدخله الجنة.
ثم أن الجهنميين يطلبون من الله تعالى أن يمحو عنهم ذلك الاسم، فيبعث الله ملكاً فيمحوه عن جباههم.
ثم أن يقال لأهل الجنة ومن دخلها من الجهنميين: اطلعوا إلى أهل النار فيطلعون إليهم فيرى الرجل أباه ويرى جاره وصديقه، ويرى العبد مولاه، ثم إن الله تعالى يبعث إليهم الملائكة بأطباق من نار، ومسامير من نار، وعمد من نار: فتطلق عليهم بتلك الأطباق، وتشد بتلك المسامير، وتمد بتلك العمد فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ولا يخرج منه غم وينساهم الرحمن على عرشه، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم، ولا يستغيثون بعدها أبداً، وينقطع، فيكون كلامهم زفيراً وشهيقاً، فذلك قوله تعالى {إنها عليهم مؤصدة * في عمد ممددة} .
وقال ابن مسعود: في عمد أي بعمد، وكذا في مصحفه إنها عليهم مؤصدة بعمد.
وخرج أبو نعيم الحافظ، عن زاذان قال: سمعت كعب الأحبار يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فنزلت
الملائكة فصاروا صفوفاً، فيقول الله لجبريل: إئت بجهنم، فيجيء بها تقاد بسبعين ألف زمام حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام زفرة زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم زفرت ثانية فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثاً على ركبتيه، ثم تزفر الثالثة فتبلغ القلوب الحناجر وتذهب العقول فيفزع كل امرئ إلى عمله، حتى إن إبراهيم الخليل يقول: بخلتي لا أسألك إلا نفسي، ويقول موسى: بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي ويقول عيسى: بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي، لا أسألك مريم التي ولدتني، ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: أمتي أمتي، لا أسألك اليوم نفسي، إنما أسألك أمتي.
قال: فيجيبه الجليل جل جلاله: إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فوعزتي وجلالي لأقرن عينك في أمتك.
ثم يقف الملائكة بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون به، فيقول لهم تعالى وتقدس: معاشر الزنابية، انطلقوا بالمصرين من أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى النار، فقد اشتد غضبي عليهم بتهاونهم بأمري في دار الدنيا، واستخفافهم بحقي وانتهاكهم حرمي، يستخفون من الناس ويبارزونني مع كرامتي لهم وتفضيلي إياهم على الأمم، ولم يعرفوا فضلي وعظيم نعمتي، فعندها تأخذ الزبانية بلحى الرجال وذوائب النساء فينطلق بهم إلى النار، وما من عبد يساق إلى النار، من غير هذه الأمة، إلا مسود وجهه، قد وضعت الأنكال في رجليه والأغلال في عنقه، إلا من كان من هذه الأمة، فإنهم يساقون بألوانهم، فإذا وردوا على مالك قال لهم: معاشر الأشقياء، من أي أمة أنتم؟ فما ورد علي أحسن وجوها منكم! فيقولون: يا مالك، نحن من أمة القرآن، فيقول لهم: يا معشر الأشقياء، أو
ليس القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ .
قال: فيرفعون أصواتهم بالنحيب والبكاء، فيقولون: وامحمداه! وامحمداه! وامحمداه! اشفع لمن أمر به إلى النار من أمتك.
قال: فينادي مالك بتهدد وانتهار: يا مالك، من أمرك بمعاتبة أهل الشقاء ومحادثتهم والتوقف عن إدخالهم العذاب؟ يا مالك، لا تسود وجوههم فقد كانوا يسجدون لي في دار الدنيا.
يا مالك: لا تغلهم بالأغلال، فقد كانوا يغتسلون من الجنابة.
يا مالك! ، لا تعذبهم بالأنكال، فقد طافوا بيتي الحرام.
يا مالك.
لا تلبسهم القطران، فقد خلعوا ثيابهم للإحرام.
يا مالك، مر النار لا تحرق ألسنتهم، فقد كانوا يقرأون القرآن.
يا مالك، قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم، فالنار أعرف بهم وبمقادير استحقاقهم من الوالدة بولدها.
فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته، ومنهم من تأخذه إلى صدره، ومنهم دون ذلك.
فإذا انتقم الله عز وجل منهم على قدر كبائرهم وعتوهم وإصرارهم، فتح بينهم وبين المشركين باباً فرأوهم في الطبق الأعلى من النار، لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً، يبكون ويقولون: يا محمداه، ارحم من أمتك الأشقياء واشفع لهم، فقد أكلت النار لحومهم ودماءهم وعظامهم، ثم ينادون: يا رباه، يا سيداه، ارحم من لم يشرك بك في دار الدنيا، وإن كان قد أساء وأخطأ وتعدى، فعندها يقول المشركون: ما أغنى عنكم إيمانكم بالله وبمحمد شيئاً، فيغضب الله تعالى لذلك، فعندها يقول: يا جبريل انطلق فاخرج من في النار من أمة محمد، فيخرجهم ضبائر قد امتحشوا فيلقيهم على نهر على باب الجنة يقال له نهر الحياة، فيمكثون حتى يعودوا أنضر ما كانوا، ثم يأمر بإدخالهم الجنة مكتوباً على جباههم: هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيعرفون من بين أهل الجنة
بذلك، فيتضرعون إلى الله عز وجل أن يمحو عنهم تلك السمة فيمحوها الله تعالى عنهم، فلا يعرفون بها بعد ذلك أبداً.
وذكر أبو نعيم الحافظ عن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار وكل شيطان وكل من يخاف الناس شره في الدنيا، فيوثقون بالحديد، ثم أمر بهم إلى النار، ثم أوصدها عليهم، أي أطبقها، فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرارها أبداً، لا والله ما ينظرون إلى أديم سماء أبداً: ولا والله لا تلتقي جفونهم على غمض نوم، ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبداً.
قال: ثم يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة افتحوا اليوم الأبواب، فلا تخافوا شيطاناً، ولا جباراً، وكلوا اليوم واشربوا بما أسلفتم في الأيام الخالية، قال أبو عمران: إذاً هي والله يا إخوتاه أيامكم هذه.
فصل: قوله: فيرش عليهم من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.
وجاء في حديث أبي سعيد الخدري المتقدم، ثم يقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء، والمعنى واحد.
والنبات معروف وهو خروج الشيء: والحبة بكسر الحاء بذور البقول، وحميل السيل: ما احتمله من طين وغشاء، فإذا اتفق أن يكون فيه حبة فإنها تنبت في يوم وليلة، وهي أسرع نابتة نباتاً، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم سرعة نبات أجسادهم بسرعة نبات تلك الحبة، وفي التنزيل:{ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} وتقدم الكلام في نحو ذلك الاسم.
وقوله: وأطولهم مكثاً من يمكث فيها مثل الدنيا منذ خلقت إلى
يوم أفنيت، وذلك سبعة آلاف سنة.
اختلف في انقضاء هذا العالم، وفي مدة الدنيا، وأكثر المنجمون في ذلك فقال بعضهم: عمر الدنيا سبعة آلاف بعدد النجوم السيارة لكل واحد ألف سنة وقال بعضهم: بأنها إثنتا عشر ألف بعدد البروج، لكل برج ألف سنة.
وقال بعضهم: ثلاثمائة وستون ألف سنة بعدد درجات الفلك، لكل درجة ألف سنة.
وقوله: إلا رجلاً واحداً يمكث فيها ألف سنة، ثم ينادي: يا حنان يا منان.
الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال، سبحانه وتعالى لا إله إلا هو.
روي ذلك عن علي رضي الله عنه.
وقد ذكرنا في ذلك في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا مستوفى والحمد لله.
وقد تقدم الكلام في نحو ذلك الاسم عنهم، فلا معنى لإعادته.
وقوله: وينساهم على عرشه، أي يتركهم في العذاب، كما قال {نسوا الله فنسيهم} أي تركوا عبادته وتوحيده فتركهم.
والعرش في كلام العرب له محامل كثيرة قد أتينا عليها في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى منها الملك كما قال زهير:
تداركتما عبساً وقد ثل عرشها
…
وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل
وقال آخر:
بعد ابن جفنة، وابن هاتاك عرشـ
…
والحارثين يؤملون فلاحاً
وتقول العرب: ثل عرش فلان، إذا ذهب عزه وسلطانه وملكه، فالمعنى وينساهم الرحمن على عرشه، أي: بما هو عليه من الملك والسلطان والعظمة والجلال، لا يعبأ بهم ولا يلتفت إليهم لما حكم به في الأزل عليهم من خلودهم في النار، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط.
وأجمع أهل السنة على أن أهل النار مخلدون فيها غير خارجين منها: كإبليس، وفرعون، وهامان، وقارون، وكل من كفر وتكبر وطغى، فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا.
وقد وعدهم الله عذاباً أليماً، فقال عز وجل {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب} .
وأجمع أهل السنة أيضاً على أنه لا يبقى فيها مؤمن ولا يخلد إلا كافر جاحد، فاعلم.
قلت: وقد زل هنا بعض من ينتمي إلى العلم والعلماء فقال: إنه يخرج النار كل كافر ومبطل وجاحد ويدخل الجنة، فإنه جائز في العقل أن تنقطع صفة الغضب فيعكس عليه فيقال: وكذلك جائز في العقل أن تنقطع صفة الرحمة فيلزم عليه أن يدخل الأنبياء والأولياء النار يعذلون فيها، وهذا فاسد مردود بوعده الحق وقوله الصدق، قال الله تعالى في حق أهل الجنان:{عطاء غير مجذوذ} أي: غير مقطوع، وقال {وما هم منها بمخرجين} وقال:{لهم أجر غير ممنون} وقال: {لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا} وقال في حق الكافرين {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} وقال: {فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون} وهذا واضح، وبالجملة فلا مدخل للمعقول فيما