الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الاختلاف في لفظة المسيح حواري عيسى عليه السلام إذا نزل
واختلف في لفظة المسيح على ثلاثة وعشرين قولاً ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين وقال: لم أر من جمعها قبلي ممن رحل وجال ولقى الرجال.
القول الأول: وهو مسيح بسكون السين وكسر الياء على وزن مفعل، فأسكنت الياء ونقلت حركتها إلى السين لاستثقالهم الكسرة على الياء.
القول الثاني: قال ابن عباس: كان لا يمسح ذا عامة إلا برىء، ولا ميتاً إلا حيى فهو هنا من أبنية أسماء الفاعلين مسيح بمعنى ماسح.
القول الثالث: قال إبراهيم النخعي المسيح: الصديق وقاله الأصمعي وابن الأعرابي.
القول الرابع: قال أبو عبيد: أظن هذه الكلمة [هاما شيحا] بالشين المعجمة فعربت إلى [مسياً] وكذلك تنطق به اليهود.
القول الخامس: قال ابن عباس أيضاً في رواية عطاء عنه: سمي مسيحاً لأنه كان أمسح الرجل ليس لرجله أخمص، والأخمص ما لا يمس الأرض من باطن الرجل، فإذا لم يكن للقدم أخمص قيل فيه قدم رحاء ورجل رحاء ورجل أرح وامرأة رحاء.
القول السادس: قيل مسيحاً لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن.
القول السابع: قيل سمي مسيحاً لأنه مسح عند ولادته بالدهن.
القول الثامن: قال الإمام أبو إسحاق الجواني في غريبه الكبير: هو اسم خصه الله تعالى به أو لمسح زكريا.
القول التاسع: قيل: سمي بذلك لحسن وجهه إذ المسيح في اللغة الجميل الوجه.
يقال على وجهه مسعة من جمال وحسن، ومنه ما يروى في الحديث الغريب الضعيف: يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك.
القول العاشر: المسيح في اللغة: قطع الفضة وكذلك المسيحة: القطعة من الفضة، وكذلك كان المسيح بن مريم أبيض مشرب حمرة من الرجال عريض الصدر جعداً، والجعد ها هنا اجتماع الخلق وشدة الأسر.
القول الحادي عشر: المسيح في اللغة: عرق الخيل: وأنشد اللغويون:
إذا الجياد فضن بالمسيح.
يعني العرق.
ثبت في صحيح مسلم «من حديث أبي كعب: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيتني ضرب في صدري ففصدت عرقاً وكأني أنظر إلى الله عز وجل فرقاً» ذكره الخطابي في شرحه بالصاد والضاد.
وأنشد العجاج:
إذا الجياد فضن بالمسيح.
يعني العرق.
القول الثاني عشر: المسيح: الجماع يقال مسحها إذا جامعها.
قاله المجمل لابن فارس.
القول الثالث عشر: المسيح: السيف.
قاله أبو عمرو المطرز.
القول الرابع عشر: المسيح: المكاري.
القول الخامس عشر: المسيح: الذي يمسح الأرض أي يقطعها.
قاله الثقة اللغوي أبو العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب، ولذلك سمي عيسى مسيحاً كان تارة بالشام وتارة بمصر وتارة على سواحل البحر وفي المهامة
والقفار.
والمسيح الدجال كذلك سمياً بذلك لجولانهما في الأرض.
القول السادس عشر: ذكره بسنده إلى أبي الحسن القابسي، وقد سأله الحافظ النقري أبو عمرو الداني: كيف يقرأ المسيح الدجال؟ فقال: بفتح الميم وتخفيف السين مثل المسيح بن مريم لأن عيسى عليه السلام مسح بالبركة وهذا مسحت عينه.
قال أبو الحسن: ومن الناس من يقرؤه بكسر الميم وتثقيل السين فيعرف بذلك وهو وجه.
وأما أنا فلا أقرؤه إلا كما أخبرتك.
قال ابن دحية: وحكى الأزهري أنه يقال: مسيح بالتشديد على وزن فعيل قال: فرقاً بينه وبين عيسى عليه السلام، ثم أسند عن شيخه أبا القاسم بن بشكوال، عن أبي عمران بن عبد الرحمن قال: سمعت الحافظ أبا عمر بن عبد البر يقول: ومنهم من قال ذلك بالخاء عني المعجمة وذلك كله عند أهل العلم خطأ لا فرق بينهما وكذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نطق به ونقله الصحابة المبلغون عنه.
وأنشد في ذلك أهل اللغة قول عبد الله بن قيس الرقيات:
وقالوا: دع رقية واجتنبها
…
فقلت لهم: إذا خرج المسيح
يريد إذا خرج الدجال هكذا فسره ولذلك ذكرناه.
قال الراجز:
إذا المسيح قتل المسيحا
يعني عيسى بن مريم عليه السلام يقتل الدجال بنبزك.
قرأته في المجلد الأول من شرح ألفاظ الغريب من الصحيح لمحمد بن إسماعيل تأليف القاضي الإمام المفتى أبي الأصبغ بن سهل.
القول السابع عشر: قيل سمي الدجال مسيحاً، لأن المسيح الذي لا عين له ولا حاجب.
قال ابن فارس: والمسيح أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له
ولا حاجب، ولذلك سمي الدجال مسيحاً، ثم أسند عن حذيفة مستدلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة خرجه مسلم.
القول الثامن عشر: المسيح الكذاب: وهذا يختص به الدجال لأنه يكذب فيقول: أنا الله فهذا كذب البشر ولذلك خصه الله بالشوه والعار.
القول التاسع عشر: المسيح: المارد والخبيث وهو التمسيح أيضاً عن ابن فارس، ويقال هو الكذاب وكذلك التمساح بألف.
القول العشرون: قيل: الدجال: المسيح لسياحته وهو فعيل بمعنى فاعل، والفرق بين هذا وبين ما تقدم في الخامس عشر أن ذلك يختص بقطع الأرض وهذا بقطع جميع البلاد في أربعين ليلة أو مكة والمدينة.
القول الحادي والعشرون: المسيح: الدرهم الأطلس بلا نقش.
قاله ابن فارس وذلك مطابق لصفة الأعور الدجال إذ أحد شقي وجهه ممسوح وهو أشوه الرجال.
القول الثاني والعشرون: قال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من تأليفه: سمي ابن مريم مسيحاً لأن الله مسح الذنوب عنه.
القول الثالث والعشرون: قال الحافظ أبو نعيم في الكتاب المذكور: وقيل: سمي ابن مريم مسيحاً لأن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة وهو قوله تعالى {وجعلني مباركا أين ما كنت} .
فصل في بيان ما وقع في الحديث من الغريب
قوله: فيشج أي يمد والميشار، مفعال من أيشرت ووشرت أشراً ووشراً، ويقال منشار بالنون أيضاً والوجهين في الحديث وهو مفعال أيضاً من نشرت.
وقوله: فخفض ورفع بتخفيف الفاء أي أكثر من الكلام فيه، فتارة يرفع صوته ليسمع من بعد، وتارة يخفض ليستريح من تعب الإعلان، وهذه حالة الكثر في الكلام وروي بتشديد الفاء على التضعيف.
والتكثير.
وقوله: إنه خارج محلة.
يروي بالخاء المعجمة وبالحاء المهملة المهملة قاله الهروي، والخلة موضع حزن وضجور والحلة ما بين البلدين.
وقال الحافظ ابن دحية: ورواه هامان والحميدي حله بفتح الحاء المهملة وضم اللام وكأنه يريد حلوله، قال: وقرأت في أصل القطيعي من مسند الإمام أحمد بن حنبل وأنه يخرج حيله، ولا أعلم روى ذلك أحد غيره، وقد سقطت هذه اللفظة لأكثر رواة مسلم وبقي الكلام أنه خارج بين الشام والعراق.
وجاء في حديث الترمذي أنه يخرج بخراسان، وفي الرواية الآخرى: من ناحية أصبهان من قرية تسمى اليهودية، وفي حديث ابن ماجه
ومسلم بين الشام والعراق ووجه أم مبدأ خروجه من خراسان من ناحية أصبهان، ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق والشام، والله أعلم.
وعاث بالعين المهملة والثاء المثلثة والتنوين على أنه اسم فاعل، وروى بفتح الثاء على أنه فعل ماض، ووقع في حديث أبي أمامة على الفعل المستقبل والكل بمعنى الفساد عادت يعيث عيثاً، فهو عاث عثى يعثي، عثلا يعثو لغتان، وفي التنزيل:{ولا تعثوا في الأرض مفسدين} .
وقوله: يا عباد الله فاثبتوا.
يعني على الإسلام يحذرهم من فتنته لأنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت.
وقوله: فاقدروا له قدره، قال القاضي عياض: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع، ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عن الأوقات المعروفة في غيره من الأيام.
قلت: وكذلك الأيام القصار الحكم فيها أيضاً ما حكمه صاحبه الشرع.
وقد حمل بعض العلماء أن هذه الأيام الطوال ليست على ظاهرها، وإنما هي محمولة على المعنى.
أي يهجم عليكم غم عظيم لشدة البلاء وأيام البلاء طوال، ثم يتناقص ذلك الغم في اليوم الثاني ثم يتناقص في اليوم الثالث، ثم يعتاد البلاء كما يقول الرجل: اليوم عندي سنة ومنه قولهم:
وليل المحب بلا آخر
وقال آخر:
وأيام لنا غير طوال
…
عصينا الملك فيها أن ندينا
وهذا القول يرده قولهم: أتكفنا فيه صلاة يوم وليلة قال: لا، اقدروا له قدره.
والمعنى قدروا الأوقات للصلوات، وكذلك لا التفات لطعنه في صحة هذه الألفاظ، أعني قوله: أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره فقال: هذا عندنا من الدسائس التي كادنا بها ذوو الخلاف علينا، ولو كان صحيحاً لاشتهر على ألسنة الرواة كحديث الدجال، ولو كان لقوي اشتهاره ولكان أعظم وأفظع من طلوع الشمس من مغربها.
والجواب: أن هذه الألفاظ صحيحة حسب ما ذكره مسلم وحسبك به إماماً، وقد ذكرها الترمذي من حديث النواس أيضاً وقال: حديث حسن صحيح، وخرجها أبو داود أيضاً وابن ماجه من حديث أبي أمامة، وقاسم بن أصبغ من حديث جابر، وهؤلاء أئمة أجلة من أئمة أهل الحديث، وتطرق إدخال المخالفين الدسائس على أهل العلم والتحرز والثقة بعيد لا يلتفت إليه لأنه يؤدي إلى القدح في أخبار الآحاد، ثم إن ذلك في زمن خرق العادات وهذا منها.
وقوله: ممحلين أي مجدبين، ويروى: أزلين والمحل والأزل والقحط والجدب بمعنى واحد، ويعاسيب النحل فحولهما، وأحدهما يعسوب، وقيل: امراؤها.
ووجه التشبيه أن يعاسب النحل يتبع كل واحد منهم
طائفة من النحل فتراها جماعات في تفرقة، فالكنوز تتبع الدجال كذلك.
وقوله: بين مهروتين أي بين شقي ثوب، والشقة نصف الملاءة أو في حلتين مأخوذ من الهرد بفتح الهاء وسكون الراء وهو الشق والقطع.
قال ابن دريد: إنما سمي الشق هرداً للإفساد لا للإصلاح.
وقال يعقوب: هرد القصار الثوب، وهردته بالتاء والمثناة باثنتين من فوق إذا أحرقه وخرقه.
وقال أكثرهم: في ثوبين مصبوغين بالصفرة وكأنه الذي صبغ بالهرديء ووقع في بعض الروايات بدل مهرودتين ممصرتين كذلك، ذكره أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة، والممصرة من الثياب هي المصبوغة بالصفرة.
والجمان ما استدار من اللؤلؤ والدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر وهو تشبيه واقع وليست بالمشبعة.
وقال ابن الأنباري: مهرودتان بدال مهملة وذال معجمة معاً أي ممصرتين كما جاء في الحديث الآخر.
وقال غيره: الهرود الذي يصبغ بالعروق التي يقال لها الهرد بضم الهاء، وقال الهروي: هرد ثوبه بالهرد وهو صبغ يقال له العروق، وقال القتبي: إن كان المحفوظ بالدال فهو مأخوذ من الهرد.
والهرد
والهرت: الشق ومعناه بين شقين والشقة نصف الملاءة وقال: وهذا عندي خطأ من النقلة، وأراد مهرودتين أي صفراوين يقال: هرت العمامة ألبستها صفراً وكان الثلاثي منه هروت، فخالف الجماعة من أهل اللغة فيما قالوه، وقد خطأه ابن الأنباري وقال: إنما يقول العرب هريت الثوب لا هروت ولو كان من ذلك لقيل مهراة لا مهروة، واللغة نقل ورواية لا قياس، والعرب إنما تجوز ذلك في العمامة خاصة لا في الشقة ولا يجوز قياس الشقة على العمامة.
وأما رواية الذال المعجمة فهو إبدال من الدال المهملة فإن الذال والدال قد يتعاقبان فيقال رجل مدل بالدال المهملة ومذل بالذال المعجمة إذا كان قيل اللحم خفي الشخص.
والجمان: ما استدار من اللؤلؤ والدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر، وهو تشبيه حسن.
وقوله: فحرز عبادي إلى الطور، أي ارتحل بهم إلى جبل بحرزون فيه أنفسهم.
والطور: الجبل بالسريانية.
قال الحافظ بن دحية: قيدناه في صحيح مسلم جوز بالجيم والواو والزاي كذا قيدناه في جامع الترمذي، وقيدناه أيضاً حدر بدال مهملة، فأما حرز فهو الذي رواه أكثرهم وصحح بعضهم رواية حدر وكلاهما صحيح، لأن ما خير فقد أحرز وكذلك جوز بالجيم.
وأما حدر بدال مهملة فمعناه أنزلهم إلى جهة الطور من حدرت الشيء فانحدر إذا أرسلته في صبب وحدر.