الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحيى الليل ويصام النهار، وكيف كان فقر الدنيا وغناؤها، وكيف كان الموت، وكيف صرنا بعد طول البلاء من أهل الجنة» والله أعلم.
باب لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز
خرج أبو بكر الخطيب أحمد بن علي «من حديث عبد الرزاق، عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عطاء بن يسار، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية» ذكره أحمد بن حنبل في مسنده.
فلت: لعل هذا فيمن لا يدخل الجنة بغير حساب وذلك بين في الباب بعد هذا.
باب أول الناس يسبق إلى الجنة الفقراء
ابن المبارك قال: «أخبرنا عبد الوهاب بن الورد قال: قال سعيد بن المسيب جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني يا رسول الله بجلساء الله يوم القيامة.
قال: هم الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيراً قال يا رسول الله: أفهم أول الناس يدخلون الجنة؟ قال: لا قال: فمن أول الناس يدخل الجنة؟ قال: الفقراء يسبقون الناس إلى الجنة فيخرج إليهم منها ملائكة فيقولون: ارجعوا إلى
الحساب فيقولون على ما نحاسب والله ما أفيض علينا من الأموال في الدنيا شيء فنقبض فيها ونبسط وما كنا أمراء نعدل ونجوز، ولكنا جاءنا أمر الله فعبدناه حتى أتانا اليقين فيقال: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين» .
وروي عن النبي أنه قال: «اتقوا الله في الفقراء فإنه يقول يوم القيامة أين صفوتي من خلقي؟ فتقول من هم يا ربنا؟ فيقول: الفقراء الصابرون الراضون بقدري أدخلوهم الجنة.
قال فيدخلون الجنة يأكلون ويشربون والأغنياء في الحساب يترددون» .
الترمذي «عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام» من حديث الأعمش سليمان عن عطية العوفي عن أبي سعيد وقال فيه حديث حسن غريب من هذا الوجه.
«وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام نصف يوم» هذا حديث حسن غريب حسن صحيح.
وفي طريق أخرى: «يدخل فقراء المسلمين قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام» : قال: حديث حسن صحيح.
وروي «عن أبي الدرداء قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم.
قيل له: يا رسول الله وما نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة قيل له: فكم السنة من شهر؟ قال خمسمائة شهر قيل له: فكم الشهر من يوم؟ قال: خمسمائة يوم قيل له: فكم اليوم؟ قال: خمسمائة مما تعدون» ذكره العقبي في عيون الأخبار له.
«وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدخل المسلمين الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفاً» قال: هذا حديث حسن صحيح، وخرجه من حديث أنس أيضاً، وقال فيه حديث غريب.
وفي صحيح مسلم من حديث «عبد الله بن عمرو قال: سمعت صلى الله عليه وسلم يقول: إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً» .
فصل: قال المؤلف رحمه الله: اختلاف هذه الأحاديث يدل على أن الفقراء مختلفوا الحال وكذلك الأغنياء، وقد تقدم حديث أبي بكر بن أبي شيبة أول ثلاثة يدخلون الجنة: ولا تعارض والحمد لله، فإن الحديثين مختلفا المعاني، وقد اختلف في
أي فقراء هم السابقون وفي مقدار المدة التي بها يسبقون ويرتفع الخلاف عن الموضع الأول بأن يرد مطلق حديث أبي هريرة إلى مقيد روايته الأخرى، وكذلك حديث جابر يرد أيضاً إلى حديث عبد الله بن عمرو، ويكون المعنى فقراء المسلمين المهاجرين إذ المدة فيها أربعين خريفاً، ويبقى حديث أبي سعيد الخدري في المدة بخمسمائة عام في فقراء المهاجرين، وكذلك حديث أبي الدرداء في فقراء المسلمين بنصف يوم خمسمائة سنة.
ووجه الجمع بينهما أن يقال إن سباق الفقراء من المهاجرين يسبقون سباق الأغنياء منهم بأربعين خريفاً وغير سباق الأغنياء بخمسمائة عام، وقد قيل: إن حديث أبي هريرة وأبي الدرداء وجابر يعم جميع فقراء قرون المسلمين، فيدخل الجنة سباق فقراء كل قرن قبل غير السباق من أغنيائهم بخمسمائة عام على حديث أبي هريرة وأبي الدرداء.
وقيل: السباق بأربعين خريفاً على ما تقدم من حديث جابر والله أعلم.
فصل: قلت: وقد احتج بأحاديث هذا الباب من فضل الفقراء على الغني وقد اختلف الناس في هذا المعنى وطال فيه الكلام بينهم حتى صنفوا فيه كتباً وأبواباً، واحتج كل فريق لمذهبه في ذلك والأمر قريب.
وقد سئل أبو علي الدقاق: أي الوصفين أفضل: الغنى أو الفقر، فقال: الغنى؟ لأنه الحق والفقر وصف الخلق، ووصف
الحق أفضل من وصف الخلق، قال الله تعالى {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} وبالجملة: فالفقير بالحقيقة العبد وإن كان له مال وإنما يكون غنياً إذا عول على مولاه ولم ينظر إلى أحد سواه، فإن تعلق باله بشيء من الدنيا ورأى نفسه أنه فقير إليه فهو عبده.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار» الحديث خرجه البخاري وغيره، وقد كتبناه عليه وبيناه والحمد لله.
وإنما شرف العبد افتقاره إلى مولاه وعزه وخضوعه له.
ولقد أحسن من قال:
إذا تذللت الرقاب تواضعاً
…
منا إليك فعزها في ذلها
فالغني المعلق الباب بالمال الحريص عليه الراغب فيه هو الفقير حقيقة وخادمه الذي يقول ما أبالي به ولا لي رغبة فيه، وإنما هي ضرورة العيش فإذا وجدتها فغيرها زيادة تشغل عن الإرادة فهو الغني حقيقة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس ني عن كثرة العرض إنما الغني غنى النفس» خرجه مسلم وأخذ عثمان بن سعدان الموصلي هذا المعنى فقال:
تقنع بما يكفيك واستعمل الرضى
…
فإنك لا تدري أتصبح أم تمسي
فليس الغنى عن كثرة المال.
إنما الغنى والفقر من قبل النفس
وقد أشبعنا القول في هذا في كتاب قمع الحرص وقد بقيت.
قلت: هنا درجة ثالثة رفيعة وهي الكفاف التي سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً» وفي رواية «كفافاً» خرجه مسلم.
ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لا يسأل إلا أفضل الأحوال وأسنى المقامات والأعمال، وقد اتفق الجميع على أن ما أحوج من الفقر مكروه وما أبطر من الغنى مذموم.
وفي سنن ابن ماجه «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من غني ولا فقير إلا يود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتاً» الكفاف: حالة متوسطة بين الغنى والفقر، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«خير الأمور أوسطها» فهي حالة سليمة من آفات الغنى المطغى وآيات الفقر المدقع الذي كان يتعوذ منهما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أفضل منهما.
ثم إن حالة صاحب الكفاف حالة الفقير الذي لا يترفه في طيبات الدنيا ولا في زهرتها، فكانت حاله إلى الفقير أقرب.
لقد حصل له ما حصل للفقير من الثواب على الصبر وكفى مرارته وآفاته، وعلى هذا فأهل الكفاف هم إن شاء الله صدر كتيبه الفقراء الداخلين الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام لأنهم وسطهم، والوسط العدل كما قال الله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس} أي عدولاً خياراً وليسوا من الأغنياء كما ذكرنا.
باب منه
الترمذي، عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: [يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم، ثم بفشوا الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستخلف، ويشهد الشاهد، ولا يتشهد، ولا يخلون رجل بامرأة لا تحل له إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن] .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب.
باب منه
ما جاء في صفة أهل الجنة ومراتبهم وسنهم وطولهم وشبابهم وعرقهم وثيابهم وأمشاطهم ومجاهرهم وأزواجهم، وفي لسانهم وليس في الجنة عزب.
مسلم «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة يدخلون الجنة وفي رواية: من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاء.
وفي رواية: ثم هم بعد ذلك منازل.
لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب.
وفي رواية: الفضة ورشحهم المسك ومجاهرهم وأزواجهم الحور العين.
وفي رواية: لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقيها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد يسبحون بكرة وعشياً» .
قال أبو علي: الألوة: هو العود.
وفي رواية: أخلاقهم على خلق رجل واحد عل طول أبيهم.
وفي رواية: على صورة أبيهم ستون ذراعاً في السماء.
وقال أبو كريب: على خلق رجل واحد.
وقال أبي هريرة حين تذاكروا: الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ فقال لكل رجل منهم زوجتان اثنتان يرى مخ ساقيها من وراء اللحم وما في الجنة عزب.
الترمذي «عن الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المرأة من اهل الجنة ليرى ساقيها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها.
وذلك بأن الله سبحانه وتعالى يقول: {كأنهن الياقوت والمرجان} فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لرأيته» .
وروى موقوفاً عن البخاري «عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً ولنصيغها على رأسها خير من الدنيا وما فيها» .
الترمذي «عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم» قال: حديث غريب.
وخرج عنه أيضاً، «عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل أهل الجنة الجنة جرداء مرداء مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة» قال: حديث غريب، وروى عن قتادة مرسلاً.
وذكر الميانش «من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أهل الجنة مرد إلا موسى بن عمران فإن لحية إلى سرته» .
الترمذي، «عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن ما يقله ظفر مما في الجنة بدا إلى الدنيا لتزخر له ما بين خوافق السموات والأرض، ولو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدت أساور، لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم» قال: حديث حسن غريب.
«وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات من أهل الجنة من صغير وكبير يرون بني ثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها ولا ينقصون وكذلك
أهل النار» .
قال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين.
فصل: في حديث أبي هريرة لكل واحد منهم زوجتان، وقد تقدم من حديث عمران بن حصين:[أن أقل ساكني الجنة النساء] .
قال علماؤنا: لم يختلفوا في جنس النساء وإنما اختلفوا في نوع من الجنس وهو نساء الدنيا ورجالها أيهما أكثر في الجنة فإن كانوا اختلفوا في المعنى الأول وهو جنس النساء مطلقاً، فحديث أبي هريرة حجة، وإن كانوا اختلفوا في نوع من الجنس وهم أهل الدنيا فالنساء في الجنة أقل.
قلت: يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار، وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال لا إله إلا الله، فالنساء في الجنة أكثر، وحينئذ يكون لكل واحد منهم زوجتان من نساء الدنيا، وأما الحور العين فقد تكون لكل واحد منهم الكثير منهن.
«وفي حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة» ذكره الترمذي وقال فيه: حديث غريب.
ومثله حديث أبي أمامة خرجه أبو محمد الدارمي وسيأتي والأخبار دالة على هذا.
وقوله وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الألوة.
وقد يقال هنا أي حاجة في الجنة للامتشاط ولا تتلبد شعورهم ولا تتسخ وأي حاجة للبخور وريحهم أطيب من المسك ويجاب عن ذلك بأن نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن رفع ألم أعتراهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تعليهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة ألا ترى قوله تعالى لآدم {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} وحكمة ذلك أن الله تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
قلت: وقد جاء مثل هذا في أهل الدنيا حيث قال: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون} وقال {إن لدينا أنكالاً وجحيماً} فعذبهم في النار بنوع ما كانوا يعذبون به في الدنيا، قال الشعبي: أترون أن الله جعل الأنكال في الرجل خشية أن يهربوا لا والله، ولكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استثقلت بهم.
ابن المبارك قال: أخبرنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: لسان أهل الجنة عربي، وإذا خرجوا من قبورهم سرياني وقد تقدم، وقال سفيان: بلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة قبل أن يدخلوا الجنة بالسريانية فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية.