الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه من الفقه ذم السمن لمن تكلفه لما في ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم، بل يدل على تحريم كثرة الأكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن وقد قال صلى الله عليه وسلم «إن أبغض الرجال إلى الله الحبر السمين» .
باب منه وبيان كيفية الميزان ووزن الأعمال فيه ومن قضى لأخيه حاجة
الترمذي «عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً، أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب.
فيقول: أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول: بل إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم.
قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة
في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء» قال حديث حسن غريب وأخرجه ابن ماجه في سننه وقال بدل قوله في أول الحديث «إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق» وذكر الحديث
وقال محمد بن يحيى: البطاقة: الرقعة.
أهل مصر يقولون للرقعة بطاقة.
ذكره القشيري في تفسيره، وذكر أبو نعيم الحافظ بإسناده «من حديث مالك بن أنس والعمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قضى لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت له» .
فصل: قال المؤلف: الميزان حق ولا يكون في حق كل أحد بدليل قوله عليه السلام فيقال يا محمد ادخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه.
الحديث، وقوله تعالى {يعرف المجرمون بسيماهم} الآية، وإنما يكون لمن بقي من أهل المحشر ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً من المؤمنين وقد يكون للكافرين على ما ذكرنا ويأتي.
وقال أبو حامد: والسبعون الألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفاً، وإنما هي براءات مكتوبة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
هذه براءة فلان ابن فلان قد غفر له وسعد سعادة لا يشقى بعدها فما مر عليه شيء أسر من ذلك لمقام.
قلت: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: «تنصب الموازين يوم القيامة فيؤتى بأهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الصيام فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينتشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صباً بغير حساب» ذكره القاضي منذر بن سعيد البلوطي رحمه الله.
وخرجه أبو نعيم الحافظ بمعناه، «عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب، ويؤتى بالمتصدق فينصب للحساب، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الأجر صباً، حتى إن أهل العافية ليتمنون في
الموقف أن أجسامهم قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله تعالى لهم» .
هذا حديث غريب من حديث جابر الجعفي وقتادة وتفرد به قتادة عن جابر عن ابن عباس عن مجاعة ابن الزبير.
«وروى الحسين بن علي رضوان الله عليهما قال: قال لي جدي صلى الله عليه وسلم: يا بني عليك بالقناعة تكن أغنى الناس وأد الفرائض تكن أعبد الناس.
يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان يصب عليهم الأجر صباً وقرأ صلى الله عليه وسلم {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} » ذكره أبو الفرج الجوزي في كتاب روضة المشتاق.
فصل: فإن قيل: أما وزن أعمال المؤمنين فظاهر وجهه فتقابل الحسنات بالسيئات فتوجد حقيقة الوزن والكافر لا يكون له حسنات، فما الذي يقابل بكفره وسيئاته وأن يتحقق في أعماله الوزن؟ .
فالجواب: إن ذلك على الوجهين.
أحدهما: أن الكافر يحضر له ميزان فيوضع كفره أو كفره وسيئاته في إحدى كفتيه، ثم يقال له: هل لك من طاعة تضعها في الكفة الآخرى؟ فلا يجدها فيشال الميزان فترتفع الكفة الفارغة وتقع الكفة المشغولة، فذلك خفة ميزانه وهذا ظاهر الآية، لأن الله تعالى وصف الميزان بالخفة لا الموزون، وإذا كان فارغاً فهو خفيف.
والوجه الآخر: أن الكافر يكون منه صلة الأرحام ومؤاساة الناس وعتق المملوك ونحوهما مما لو كانت من المسلم لكانت قربة وطاعة، فمن كان له مثل هذه الخيرات من الكفار فإنها تجمع وتوضع في ميزانه، غير أن الكفر إذا قابلها رجح بها ولم يخل من أن يكون الجانب الذي فيه الخيرات من ميزانه خفيفاً ولو لم يكن له إلا خيراً واحد أو حسنة واحدة لأحضرت ووزنت كما ذكرنا.
فإن قيل: لو احتسبت خيراته حتى يوزن لجوزي بها جزاء مثلها وليس له منها جزاء، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد الله ابن جدعان وقيل له: إنه كان يقري الضيف ويصل الرحم ويعين في النوائب، فهل ينفعه ذلك؟ فقال:«لا لأنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» وسأله عدي بن حاتم عن أبيه مثل ذلك، فقال:«إن أباك طلب أمراً فأدركه» يعني الذكر فدل أن الخيرات من الكافر ليست بخيرات وأن وجودها وعدمها بمنزلة واحدة سواء.
والجواب: أن الله تعالى قال {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً} ولم يفصل بين نفس ونفس، فخيرات الكافر توزن ويجزى بها، إلا أن الله تعالى حرم عليه الجنة فجزاؤه أن يخفف عند بدليل حديث أبي طالب فإنه قيل له: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ فقال «نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ولولا
أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» وما قاله عليه السلام في ابن جدعان وأبي عدي إنما هو في أنهما لا يدخلان الجنة ولا يتنعمان بشيء من نعيمها والله أعلم.
فصل: أصل ميزان موزان قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها.
قال ابن فورك: وقد أنكرت المعتزلة الميزان بناء منهم على أن الأعراض يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها، ومن المتكلمين من يقول كذلك، وروي ذلك عن ابن عباس أن الله تعالى يقالب الأعراض أجساماً فيزنها يوم القيامة وقد تقدم بهذا المعنى.
والصحيح ان الموازين تثقل بالكتب فيها الأعمال مكتوبة وبها تخف كما دل عليه الحديث الصحيح والكتاب العزيز.
قال الله عز وجل {وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين} وهذا نص.
قال ابن عمر: توزن صحائف الأعمال وإذا ثبت هذا فالصحف أجسام فيجعل الله تعالى رجحان إحدى الكفتين على الأخرى دليلاً على كثرة أعماله بإدخاله الجنة أو النار.
وروي عن مجاهد والضحاك والأعمش أن الميزان هنا بمعنى العدل والقضاء، وذكر الوزن والميزان ضرب مثل كما يقول هذا الكلام في وزن هذا وفي وزنه أي يعادله ويساويه وإن لم يكن هناك وزن.
قلت: وهذا القول مجاز وليس بشيء وإن كان شائعاً في اللغة للسنة الثابتة في الميزان الحقيقي ووصفه بكفتين ولسان، وإن كل كفة منهما طباق
السموات والأرض.
وقد جاء أن كفة الحسنات من نور، والأخرى من ظلام، والكفة النيرة للحسنات والكفة المظلمة للسيئات، وجاء في الخبر أن الجنة توضع عن يمين العرش والنار عن يسار العرش، ويؤتى بالميزان فينصب بين يدي الله تعالى كفة الحسنات عن يمين العرش مقابل الجن، وكفة السيئات عن يسار العرش مقابل النار..
وذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول.
وروي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: توضع الموازين يوم القيامة فلو وضعت فيهن السموات والأرض لوسعهتن، فتقول الملائكة: يا ربنا ما هذا؟ فيقول: أزن به لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة عند ذلك: ربنا ما عبدناك حق عبادتك.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان.
قال علماؤنا: ولو جاز حمل الميزان على ما ذكروه لجاز حمل الصراط على الدين الحق والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد من الأحزان والأفراح والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة والملائكة على القوى المحمودة، وهذا كله فاسد لأنه رد لما جاء به الصادق.
وفي الصحيحين: فيعطي صحيفة حسناته.
فيخرج له بطاقة وذلك يدل على الميزان الحقيقي وأن الموزون صحف الأعمال كما بينا، وبالله توفيقنا.
ولقد أحسن من قال:
تذكر يوم تأتي الله فرداً
…
وقد نصبت موازين القضاء
وهتكت الستور عن المعاصي
…
وجاء الذنب منكشف الغطاء
فصل: قال علماؤنا رحمهم الله: الناس في الآخر، ثلاث طبقات.
متقون لا كبائر لهم، ومخلطون وهم الذين يوافون بالفواحش والكبائر، والثالث الكفار.
فأما المتقون: فإن حسناتهم توضع في الكفة النيرة وصغائرهم إن كانت لهم الكفة الآخرى، فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزناً وتثقل الكفة النيرة
حتى لا تبرح، وترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي.
وأما المخلطون، فحسناتهم توضع في الكفة النيرة وسيئاتهم في الكفة المظلمة، فيكون لكبائرهم ثقل، فإن كانت الحسنات أثقل ولو بصؤابة دخل الجنة وإن كانت السيئات أثقل ولو بصؤابة دخل النار إلا أن يغفر الله، وإن تساويا كان من أصحاب الأعراف على ما يأتي هذا إن كانت للكبائر فيما بينه وبين الله، وأما إن كانت عليه تبعات وكانت له حسنات كثيرة فإنه ينقص من ثواب حسناته بقدر جزاء السيئات لكثرة ما عليه من التبعات فيحمل عليه من أوزار من ظلمه، ثم يعذب على الجميع.
هذا ما تقتضيه الأخبار على ما تقدم ويأتي.
قال أحمد بن حرب: تبعث الناس يوم القيامة على ثلاث فرق: فرقة أغنياء بالأعمال الصالحة، وفرقة فقراء، وفرقة أغنياء ثم يصيرون فقراء مفاليس في شأن التبعات.
وقال سفيان الثوري: إنك أن تلقى الله عز وجل بسبعين ذنباً فيما بينك وبينه أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد.
قال المؤلف: هذا صحيح لأن الله غني كريم وابن آدم فقير مسكين محتاج في ذلك اليوم إلى حسنة يدفع بها سيئة إن كانت عليه، حتى ترجح ميزانه فيكثر خيره وثوابه.
وأما الكافر، فإنه يوضع كفره في الكفة المظلمة ولا يوجد له حسنة توضع في الكفة الأخرى، فتبقى فارغة لفراغها وخلوها عن الخير، فيأمر الله بهم إلى النار ويعذب كل واحد منهم بقدر أوزاره وآثامه.
وأما المتقون، فإن صغائرهم تكفر باجتنابهم الكبائر ويؤمر بهم إلى الجنة ويثاب كل واحد منهم بقدر حسناته وطاعته، فهذان الصنفان هما المذكوران في القرآن في آيات الوزن، لأن الله تعالى لم يذكر إلا من ثقلت موازينه ومن خفت موازينه، وقطع لمن ثقلت موازينه بالإفلاح والعيشة الراضية ولمن خفت موازينه بالخلود في النار بعد أن وصفه بالكفر، وبقي الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً فبينهم النبي صلى الله عليه وسلم حسب ما ذكرناه.
وإنما توزن أعمال المؤمن المتقي لإظهار فضله، كما توزن أعمال الكافر لخزيه وذله، فإن أعماله توزن تبكيتاً له على فراغه وخلوه عن كل خير، فكذلك توزن أعمال المتقي تحسيناً لحاله وإشارة لخلوه من كل شر وتزييناً لأمره على رؤوس الأشهاد.
وأما المخلط السيء بالصالح فإن دخل النار فيخرج بالشفاعة على ما يأتي.
فصل: فإن قيل: أخبر الله عن الناس أنهم محاسبون مجزيون، وأخبر أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولم يخبر عن ثواب الجن ولا عن حسابهم بشيء.
فما القول في ذلك عندكم وهل توزن أعمالهم؟ .
فالجواب: أنه قد قيل إن الله تعالى لما قال {والذين آمنوا وعملوا
الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} دخل في الجملة الجن والإنس، فثبت للجن من وعد الجنة بعموم الآية ما ثبت للإنس وقال {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} ثم قال {ولكل درجات مما عملوا} وإنما أراد لكل من الجن والإنس فقد ذكروا في الوعد والوعيد مع الإنس، وأخبر تعالى أن الجن يسألون فقال خبراً عما يقال لهم:{يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا} وهذا سؤال، وإذا ثبت بعض السؤال ثبت كله وقد تقدم هذا، وقال تعالى {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن} إلى قوله {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين} وهذا يدل صريحاً على أن حكمهم في الآخرة كالمؤمنين.
وقال حكاية عنهم {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} الآيتين.
ولما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم زادهم كل عظيم وعلف دوابهم كل روث فلا تستنجوا بهما.
فإنهما طعام إخوانكم الجان فجعلهم إخواننا، وإذا كان كذلك فحكمهم كحكمنا في الآخرة سواء والله أعلم.
وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في باب ما جاء أن الله يكلم العبد ليس بينه وبينه ترجمان.
فصل: قوله في الحديث: «فيخرج له بطاقة فيه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» ليست هذه شهادة التوحيد لأن من شأن الميزان أن يوضع في
كفة شيء وفي أخرى ضده، فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة، فهذا غير مستحيل لأن العبد يأتي بهما جميعاً، ويستحيل أن يأتي الكفر والإيمان جميعاً عند واحد حتى يوضع الإيمان في كفة والكفر في كفة، فلذلك استحال أن توضع شهادة التوحيد في الميزان وأما بعد ما آمن العبد فإن النطق منه بلا إله إلا الله حسنة توضع في الميزان مع سائر الحسنات.
قاله الترمذي الحكيم رحمه الله.
وقال غيره: إن النطق بها زيادة ذكر على حسن نية وتكون طاعة مقبولة قالها على خلوة وخفية من المخلوقين، فتكون له عند الله تبارك وتعالى وديعة يردها عليه في ذلك اليوم بعظم قدرها ومحل موقعها وترجح بخطاياه وإن كثرت، وبذنوبه وإن عظمت، ولله الفضل على عباده ويتفضل على من يشاء بما شاء.
قلت: ويدل على هذا قوله في الحديث فيقول: «بلى إن لك عندنا حسنة ولم يقل إن لك إيماناً، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لا إله إلا الله أمن الحسنات هي؟ فقال: من أعظم الحسنات» خرجه البيهقي وغيره.
ويجوز أن تكون هذه الكلمة هي آخر كلامه في الدنيا «كما في حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله
وجبت له الجنة» رواه صالح بن أبي غريب عن كثير بن مرة عن معاذ وقد تقدم أول الكتاب.
وقيل: يجوز حمل هذه الشهادة على الشهادة التي هي الإيمان، ويكون ذلك في كل مؤمن ترجح حسناته ويوزن إيمانه كما توزن سائر حسناته وإيمانه يرجح سيئاته كما في هذا الحديث، ويدخله النار بعد ذلك فيطهره من ذنوبه ويدخله الجنة بعد ذلك، وهذا مذهب قوم يقولون: إن كل مؤمن يعطى كتابه بيمينه وكل مؤمن يثقل ميزانه ويتأولون قوله الله تعالى {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} أي الناجون من الخلود وهو في قوله {فهو في عيشة راضية} يوماً ما وكذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم من كان آخر كلامه «لا إله إلا الله وجبت له الجنة» إنه صائر إليها لا محالة أصابه قبل ذلك ما أصابه.
قلت: هذا تأويل فيه نظر يحتاج إلى دليل من خارج ينص عليه، والذي تدل عليه الآي والأخبار أن من ثقل ميزانه فقد نجا وسلم وبالجنة أيقن وعلم أنه لا يدخل النار بعد ذلك والله أعلم.
وقال عليه السلام: «ما شيء يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن» خرجه الترمذي عن أبي الدرداء وقال فيه حديث حسن صحيح، وقد تقدم من حديث «سمرة بن جندب: ورأيت رجلاً من أمتي قد خف ميزانه
فجاء أفراطه فثقلوا ميزانه وكذلك الأعمال الصالحة دليل على فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم» .
وذكر القشيري في التحبير له: يحكى عن بعضهم أنه قال: رأيت بعضهم في المنام فقلت ما فعل الله بك؟ فقال: وزنت حسناتي فرجحت السيئات على الحسنات، فجاءت صرة من السماء وسقطت في كفة الحسنات فرجحت فحللت الصرة، فإذا فيها كف تراب ألقيته في قبر مسلم، وذكر أبو عمر في كتاب جامع بيان العلم بإسناده عن حماد بن زيد عن أبي حنيفة عن حماد بن إبراهيم في قوله عز وجل {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} قال: يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فتخفف، فيجاء بشيء أمثال الغمام أو قال مثل السحاب فيوضع في ميزانه فترجح فيقال له: أتدري ما هذا فيقول: لا.
فيقال له: هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس أو نحو ذلك.
باب منه
الترمذي «عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم؟ قال: بحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل قال: فتنحى الرجل فجعل يبكى