الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيهم، وهذا فرار التبري نجانا الله من أهوال هذا اليوم بحق محمد نبي الرحمة وصحبه الكرام البرزة، وجعلنا ممن حشر في زمرتهم ولا خالف بنا على طريقهم ومذهبهم بمنه وكرمه آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
قال المؤلف: وقد سرد تسمية هذه الأيام على التوالي من غير تفسير غير واحد من العلماء.
منهم ابن نجاح في سبل الخيرات، وأبو حامد الغزالي في غير موضع من كتبه كالإحياء وغيره، والقتبي في كتاب عيون الأخبار، وهذا تفسيرها حسب ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في سراج المريدين، وربما زدنا عليه في ذلك والحمد لله على ذلك.
ولا يمتنع أن تسمي غير ما ذكرنا بحسب الأحوال الكائنة فيه من الازدحام والتضايق واختلاف الأقدام الخزي والهوان والذل والافتقار والصغار والانكسار ويوم الميقات والمرصاد إلى غير ذلك من الأسماء، وسيأتي التنبية على ذلك إن شاء الله تعالى في الباب بعد هذا.
باب ما يلقي الناس في الموقف من الأهوال العظام والأمور الجسام
قال المحاسبي في كتاب التوهم والأهوال: يحشر الله الأمم من الإنس والجن عراة أذلاء قد نزع الملك من ملوك الأرض ولزمهم
الصغار بعد عتوهم والذلة بعد تجبرهم على عباد الله في أرضه.
ثم أقبلت الوحوش من أماكنها منكسة رؤوسها بعد توحشها من الخلائق وانفرادها ذليلة من هول يوم النشور من غير ريبة ولا خطية أصابتها حتى وقفت من وراء الخلق بالذلة والانكسار لذلك الجبار، وأقبلت الشياطين بعد تمردها وعتوها خاضعة ذليلة للعرض على الملك الديان، حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامها تناثرت نجوم السماء من فوقهم وطمست الشمس والقمر فأظلما عليهم ومارت سماء الدنيا من فوقهم فدارت من فوقهم بعظمها فوق رؤوسهم وهي خمسمائة عام فيا هول صوت انشقاقها في سمعهم وتمزقت وتفطرت لهول يوم القيامة من عظم يوم الطامة ثم ذابت حتى صارت مثل الفضة المذابة كما قال الجبار تبارك وتعالى {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان} وقال {يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن} أي كالصوف المنفوش وهو أضعف الصوف وهبطت الملائكة من حافاتها إلا الأرض بالتقديس لربها فتوهم انحدارهم من السماء لعظم أجسامهم وكثرة أخطارهم وهول أصواتهم وشدة فرقهم من خوف ربهم فتوهم فزعك حينئذ وفزع الخلائق لنزولهم مخافة أن يكونوا قد أمروا بهم فأخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسي رؤوسهم العظيم هول يومهم قد تسربلوا أجنحتهم ونكسوا رؤوسهم بالذلة والخضوع لربهم، وكذلك ملائكة كل سماء إلى السماء السابعة قد أضعف أهل كل سماء على أهل السماء الذين قبلهم في العدة وعظم الأجسام والأصوات حتى إذا وافى الموقف أهل السموات السبع والأرضين السبع كسيت الشمس حر عشر سنين، ثم أدنيت من الخلائق قاب قوسين أو قوس فلا ظل ذلك اليوم إلا ظل عرش الرحمن فمن بين مستظل بظل العرش وبين مضح بحر الشمس
قد صهرته واشتد فيها كربه وأقلقته وقد ازدحمت الأمم وتضايقت ودفع بعضهم بعضاً، واختلفت الأقدام وانقطعت الأعناق من العطش قد اجتمع عليهم في مقامهم حر الشمس مع وهج أنفاسهم وتزاحم أجسامهم ففاض العرق منهم على وجه الأرض، ثم على أقدامهم، ثم على قدر مرابتهم ومنازلهم عند ربهم من السعادة والشقاء، فمنهم من يبلغ العرق منكبيه وحقويه، ومنهم إلى شحمة أذنيه، ومنهم من قد ألجمه العرق فكاد أن يغيب فيه.
قلت: ذكر المحاسبي وغيره أن انفطار السماء انشقاقها بعد جمع الناس في الموقف وقد قدمنا أن ذلك يكون قبل ذلك وهو ظاهر القرآن كما ذكرنا والله اعلم وقد جاء ذلك مرفوعاً في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقد تقدم.
وما ذكره المحاسبي مروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلائق بصعيد واحد جهنم وإنسهم، فإذا كان ذلك قبضت هذه السماء عن أهلها فينتشرون على وجه الأرض فلأهل السماء أكثر من أهل جميع الأرض جهنم وإنسهم بالضعف.
الحديث بطول ما ذكره ابن المبارك في رقائقه.
قال: أخبرنا عوف عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي قال، أخبرنا شهر بن حوشب.
قال: حدثني ابن عباس فذكره.
قال ابن المبارك وأخبرني جويبر عن الضحاك قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها فتكون الملائكة على حافاتها
حتى يأمر الرب فينزلون إلى الأرض فيحيطون بالأرض ومن فيها، ثم يأمر السماء التي تليها فينزلون فيكونون صفاً خلف ذلك الصف ثم السماء الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فينزل الملك الأعلى في بهائه وجلاله وملكه وبجنبته اليسرى جهنم فيسمعون زفيرها وشهيقها فلا يأتون قطراً من أقطارها إلا وجدوا صفوفاً قياماً من الملائكة فذلك قوله تعالى {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} والسلطان العذر وذلك قوله عز وجل {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} وقال {وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها} يعني على حافاتها يعني بأرجائها ما تشفق منها، فبيناهم كذلك إذ سمعوا الصوت فأقبلوا إلى الحساب.
قلت: ولا يصح إسنادهما، فإن شهراً وجبيراً قد تكلم فيها وضعفوهما.
قال البخاري في التاريخ جويبر بن سعيد البلخي عن الضحاك قال لي علي، قال يحيى: كنت أعرف جويبراً بحديثين، ثم أخرج هذه الأحاديث بعد فضعفه، وأما شهر فقال مسلم في صدر كتابه سئل ابن عوف عن حديث شهر وهو قائم على أسكفة الباب، فقال: إن شهراً تركوه.
قال مسلم: يقول أخذته ألسنة الناس تكلموا فيه، وقال عن شعبة وقد لقيت شهراً فلم أعتد به.
وذكر أبو حامد في كتاب كشف علم الآخرة نحواً مما ذكر المحاسبي عن ابن عباس رضي الله عنه والضحاك فقال إن الخلائق إذا اجتمعوا في صعيد واحد الأولين والآخرين أمر الجليل جل وجلاله بملائكة سماء الدنيا أن يتولوهم فيأخذ كل واحد منهم إنساناً وشخصاً من المبعوثين إنساً وجناً ووحشاً وطيراً وحولوهم إلى الأرض الثانية، وهي أرض بيضاء من فضة نورية، وصارت الملائكة من وراء العالمين حلقة واحدة، فإذا هم أكثر من أهل الأرض بعشر مرات، ثم إن الله سبحانه وتعالى يأمر ملائكة السماء الثانية فيحدقون بهم واحدة فإذا هم مثلهم عشرين مرة ثم تنزل ملائكة السماء الثالثة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة، فإذا هم أكثر منهم ثلاثين ضعفاً، ثم تنزل ملائكة السماء الرابعة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة أكثر منهم بأربعين صفاً، ثم تنزل ملائكة السماء الخامسة فيحدقون من ورائهم حلقة واحدة فيكونون مثلهم خمسين مرة، ثم تنزل ملائكة السماء السادسة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة وهم مثلهم ستين مرة، ثم تنزل ملائكة السماء السابعة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة وهم مثلهم سبعين مرة والخلق تتداخل وتندمج حتى يعلو القدم ألف قدم لشدة الزحام، وتخوض الناس في العرق على أنواع مختلفة إلى الأذقان وإلى الصدر وإلى الحقوين وإلى الركبتين، ومنهم من يصيبه الرشح اليسير كالقاعد في الحمام، ومنهم من تصيبه البلة كالعاطش إذا شرب الماء، وكيف لا يكون القلق والعرق والأرق وقد قربت الشمس من رؤوسهم
حتى لو مد أحدهم يده لنالها، ويضاعف حرها سبعين مرة.
وقال بعض السلف لو طلعت الشمس على الأرض كهيتئها يوم القيامة لأحرقت الأرض وذابت الصخر وجفت الأنهار، فبينما الخلائق يموجون في تلك الأرض البيضاء التي ذكرها الله تعالى حيث يقول:{يوم تبدل الأرض غير الأرض} وهم على أنواع في المحشر على ما تقدم في حديث معاذ، والملوك كالذر كما قد ورد في الخبر في وصف المتكبرين وليس هم كهيئة الذر غير أن الأقدام عليهم حتى صاروا كالذر في مذلتهم وانخفاضهم، وقوماً يشربون ماء بارداً عذباً صافياً، لأن الصبيان يطوفون على آبائهم بكؤوس من أنهار الجنة يسقونهم.
وعن بعض السلف أنه نام فرأى القيامة قد قامت، وكأنه في الموقف عطشان وصبيان صغار يسقون الناس قال: فناديتهم ناولوني شربة، فقال لي واحد منهم ألك فينا ولد؟ فقلت: لا.
فقال: فلا إذاً ولهذا فضل التزويج.
ولهذا الولد الساقي شروط ذكرناها في الإحياء، وقوم قدموا على رؤوسهم ظل يمنعهم من الحر وهي الصدقة الطيبة لا يزالون كذلك ألف عام حتى إذا سمعوا نقر الناقور الذي وصفناه في كتاب الإحساء وهو
بعض أسرار القرآن فتوجل له القلوب وتخشع الأبصار لعظيم نقره، وتشتاف الرؤوس من المؤمنين، والكافرين يظنون أن ذلك عذاب يزداد بهم في هول يوم القيامة، فإذا بالعرش تحمله ثمانية أملاك قدم الملك منهم مسيرة عشرين ألف سنة، وأفواج الملائكة وأنواع الغمام بأصوات التسبيح، لهم هرج عظيم لا تطيقه العقول حتى يستقر العرش في تلك الأرض البيضاء التي خلقها الله تعالى لهذا الشأن خاصة، فتطرق الرؤوس وتخنس وتشفق البرايا وترعب الأنبياء وتخاف العلماء وتفزع الأولياء والشهداء من عذاب الله سبحانه الذي لا يطيق شيء إذ غشاهم نور حتى غلب عليه نور الشمس التي كانوا في حرها فلا يزالون يموج بعضهم في بعض ألف عام والجليل سبحانه لا يكلمهم كلمة واحدة، فحينئذ يذهب الناس إلى آدم فيقولون: يا أبا البشر الأمر علينا شديد، وأما الكافر فيقول: يا رب أرحني ولو إلى النار من شدة ما يرى من الهول.
يقولون: أنت الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته ونفخ فيك من روحه اشفع لنا في فصل القضاء، وذكر أمر الشفاعة من نبي إلى نبي وأن ما بين إتيانهم من نبي إلى نبي ألف عام حتى تنتهي الشفاعة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بيانه من أمر الشفاعة في أحاديث إن شاء الله تعالى، ونحو من هذا ذكره الفقيه أبو بكر بن برجان في كتاب
الإرشاد له قال: فإذا كان يومئذ جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد وكورت الشمس وانكدرت النجوم ومارت السماء فوق الخلائق موراً، وتفطرت من عظيم هول ذلك اليوم، وتشققت بالغمام المنزل من عليهن فوقهن، ثم صارت وردة كالدهان وكشطن سماء سماء، ونزلت الملائكة تنزيلاً، وقام الخلائق وطال قيامهم أقل ما قيل في قيامهم مقدار أربعين عاماً إلى ثلاثمائة عام، وأياماً كان فاليوم يسعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من صاحب إبل» الحديث وفيه «وردت عليها أولاها» .
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وسيأتي بكماله وهم في قيامهم ذلك في الظلمة دون الجسر كما في صحيح مسلم من حديث ثوبان عراة غرلاً.
أعطش ما كانوا وأجوع ما كانوا عليه قط عراة فلا يسقى ذلك اليوم إلا من سقى لله عز وجل، ولا يطعم إلا من أطعم لله، ولا يكسى يومئذ إلا من كسا لله، ولا يكفى إلا من اتكل على الله.
ومصداق هذا من كتاب الله عز وجل قوله الحق {يوفون بالنذر} إلى قوله تعالى: {فوقاهم الله شر ذلك اليوم} أي من إزالة الجوع والعطش والعرى إلى غير ذلك من أهوال القيامة وأفزاعها على ما يأتي بيانه في هذا الباب الذي يليه.
أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن
سلمان قال: تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين.
قال: فيعرفون حتى يرشح العرق في الأرض قامة، ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل قال سلمان: حتى يقول الرجل غرغر، فإذا رأوا ما هم فيه قال بعضهم لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه ائتوا أباكم آدم فيشفع لكم.
الحديث بطوله، وسيأتي مرفوعاً من حديث أبي هريرة، وأخرجه ابن المبارك قال: أنبأنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: تدنى الشمس من الناس يوم القيامة حتى تكون من رؤوسهم قاب قوسين فتعطى حر عشر سنين وليس على أحد يومئذ طحرية ولا يرى فيها عورة مؤمن ولا مؤمنة لا يضر حرها يومئذ مؤمنا ولا مؤمنة وأما الآخرون أو قال الكفار فتطبخهم طبخاً فإنما تقول أجوافهم: [غق غق] قال نعيم: الطحرية: الخرقة.
وأخرجه هناد بن السري، حدثنا قبيضة عن سفيان عن سليمان التيمي فذكره سواء إلا أنه قال [ولا يجد حرها] بدل [ولا يضر] وقال [وأما الكافر أو الآخرون فتطبخهم طبخاً حتى يسمع لأجوافهم غق غق] .
مسلم «عن سليم بن عامر، عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل قال سليم بن عامر فو الله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين قال [فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاماً] قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه» ، وأخرجه الترمذي وزاد قوله تكحل به العين فتصهرهم الشمس.
وذكر ابن المبارك، أخبرنا مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العيزار قال: إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن والسعيد الذي يجد لقدميه موضعاً يضعهما عليه، وإن الشمس تدنى من رؤوسهم حتى لا يكون بينها وبين رؤوسهم إما قال ميلاً أو ميلين ثم يزاد في حرها بضعة وستون ضعفاً، وعند الميزان ملك إذا وزن العبد نادى ألا إن فلان بن فلان قد ثقلت موازينه وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً.
ألا فلان ابن فلان قد خفت موازينه وشقى شقاء لا يسعد بعده أبداً.
مسلم «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العرق يوم
القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعاً وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو آذانهم يشك ثور أيهما» قال: أخرجه البخاري، «وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم {يوم يقوم الناس لرب العالمين} قال: يوم يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه» أخرجه البخاري والترمذي وقال: حديث صحيح مرفوعاً وموقوفاً.
وروى هناد بن السري قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن ضرار بن مرة، عن عبد الله بن المكتب، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال له رجل إن أهل المدينة ليوفون الكيل يا أبا عبد الرحمن.
قال: وما يمنعهم أن يوفوا الكيل.
وقد قال الله تعالى {ويل للمطففين} حتى بلغ {يوم يقوم الناس لرب العالمين} .
قالت: إن العرق ليبلغ أنصاف آذانهم من هول يوم القيامة وعظمه.
وخرج الوائلي «من حديث ابن وهب قال: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، عن ابن هانئ، عن أبي عبد الرحمن الحيلي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يوم يقوم الناس لرب العالمين} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بكم إذا جمعكم الله عز وجل كما يجمع النبل في الكنانة
خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم» ؟ قال الوائلي غريب جيد الإسناد.
وقد خرج مسلم لابن وهب عن أبي هانئ نفسه عن الحيلي عن عبد الله أحاديث ابن المبارك قال: أخبرنا الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعيد يقول: إن للناس يوم القيامة جولة وهو قوله عز وجل {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} وقوله: {لو ترى إذ فزعوا فلا فوت} وفي حديث جويبر عن الضحاك: فينزل الملك ومجنبته اليسرى جهنم فيسمعون زفيرها وشهيقها فلا يأتون قطراً من أقطارها إلا وجدوا صفوفاً قياماً من الملائكة فذلك قوله: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} والسلطان العذر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خوفني جبريل من يوم القيامة حتى أبكاني فقلت يا جبريل ألم يغفر لي ربي ذنبي ما تقدم وما تأخر؟ فقال لي يا محمد لتشهدن من هول ذلك اليوم أحدهما ينسيك المغفرة» .
ذكره أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله.
فصل: قلت: ظاهر ما رواه ابن المبارك عن سلمان أن الشمس لا يضر حرها مؤمن ولا مؤمنة العموم في المؤمنين وليس كذلك لحديث المقداد المذكور بعده، وإنما المراد لا يضر حرها مؤمناً كامل الإيمان أو من استظل بظل عرش الرحمن كما في الحديث الصحيح «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» الحديث رواه الأئمة مالك وغيره وسيأتي في الباب بعد هذا.
وكذلك ما جاء أن المرء في ظل صدقته وكذلك الأعمال الصالحة أصحابها في ظلها إن شاء الله، وكل ذلك من ظل العرش والله أعلم.
وأما غير هؤلاء فمتفاوتون في العرق على ما دل عليه حديث مسلم، قال ابن العربي: وكل واحد يقوم عرقه معه فيغرق فيه إلى أنصاف ساقيه وإلى جانبيه مثلاً يمين من يبلغ كعيبه، ومن الجهة الشمال من يبلغ ركبتيه، ومن أمامه من يكون عرقه إلى نصفه، ومن خلفه من يبلغ العرق صدره، وهذا خلاف المعتاد في الدنيا فإن الجماعة إذا وقفوا في الأرض
المعتدلة أخذهم الماء أخذاً واحداً ولا يتفاوتون، كما ذكرنا مع استواء الأرض ومجاورة المحل، وهذا من القدرة التي تخرق العادات في زمن الآيات.
وقال الفقيه أبو بكر بن برجان في كتاب الإرشاد له: ولا يبعدون عليك هذا يرحمك الله أن يكون الناس كلهم في صعيد واحد وموقف سواء يشرب أحدهم أو بعض من الحوض ولا يشرب الغير، ويكون النور يسعى بين يدي البعض في الظلمات مع قرب المكان وازدحام الناس، ويكون أحدهم يغرق في عرقه حتى يلجمه أو يبلغ منه عرقه ما شاء الله جزاء لسعيه في الدنيا والآخرة في ظل العرش على قرب المكان والمجاورة، كذلك كانوا في الدنيا يمشي المؤمن بنور إيمانه في الناس والكافر في ظلام كفره، والمؤمن في وقاية الله وكفايته والكافر والعاصي في خذلان الله لهما وعدم العصمة، والمؤمن السني يكرع في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروى ببرد اليقين ويمشي في سبل الهداية بحسن الاقتداء والمبتدع عطشان إلى ما روى المؤمن به حيران لا يشعر سالك في مسالك ضلالات البدع وهو لا يدري، كذلك في الوجود الأعمى لا يجد نور بصر البصير ولا ينفعه دواء إنما هي بواطن وظواهر بطنت فتشعر لذلك وتفطن واستعن بالله يعنك، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وقال أبو حامد: واعلم أن كل عرق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام وتردد في قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، فسيخرجه الحياء والخوف في صعيد القيامة ويطول فيه الكرب، ولو سلم ابن آدم من الجهل والغرر لعلم أن تعب