الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه خصماؤه إن شاء الله ويكون الجميع في رحمته بكرمه وفضله، فأما من أدانها لينفقها في المعاصي ثم لا يقدر على الأداء فلعله الذي يعذب.
باب منه وفي عذاب من عذب الناس في الدنيا
أبو داود الطيالسي قال: «حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي نجيح عن خالد بن حكيم، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدهم عذاباً للناس في الدنيا» .
وخرجه البخاري في التاريخ فقال: «حدثنا علي، حدثنا سفيان
، عن عمرو بن دينار، عن خالد بن حكيم بن حزام أن أبا عبيدة تناول رجلاً من أهل الأرمن فكلمه خالد بن الوليد، فقالوا: أغضبت الأمير؟ فقال: لم أرد غضبه.
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدهم عذاباً للناس في الدنيا» .
باب ما جاء في شدة عذاب من أمر بالمعروف ولم يأته ونهى عن المنكر وأتاه، وذكر الخطباء، وفيمن خالف قوله فعله وفي أعوان الظلمة كلاب النار
البخاري «عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان! ألست كنت تأمر المعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت أمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله» .
وذكر ابن المبارك قال: «أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قال فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء، أي من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب» ، الآية.
قال: «وأخبرنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشعبي قال: يطلع قوم من أهل
الجنة إلى قوم في النار، فيقولون: ما أدخلكم النار، وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم؟ قالوا: إن كنا نأمركم بالخير ولا نفعله» .
وذكر أبو نعيم الحافظ، قال:«حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن حنبل، قال: حدثنا سيار بن حاتم، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء» .
هذا حديث غريب تفرد به سيار عن جعفر، لم نكتبه إلا من حديث أحمد بن حنبل رضي الله عنه، قال حدثنا أحمد بن إسحاق بن حمزة، حدثنا محمد بن علوش بن الحسين الجرجاني، قال: حدثنا علي بن المثنى قال: حدثنا يعقوب بن خليفة أبو يوسف الأعشى، قال حدثني محمد بن مسلم الطائفي، قال حدثني إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجلاوزة والشرط أعوان الظلمة كلاب النار» ، غريب من حديث طاووس، تفرد به محمد بن مسلم الطائفي، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس.
الجلاوزة: جمع جلواز، قال الجوهري: والجلوز الشرطي، والجمع: الجلاوزة.
فصل: قال بعض السادة: أشد الناس حسرة يوم القيامة ثلاثة: رجل ملك عبداً فعلمه شرائع الإسلام، فأطاع وأحسن وعصى السيد، فإذا كان يوم القيامة أمر بالعبد إلى الجنة، وأمر بسيده إلى النار، فيقول عند ذلك: واحسرتاه! وأغبناه! أما هذا عبدي؟ أما كنت مالكاً لمهجته وماله؟ وقادراً على جميع ماله؟ فما له سعد، وما لي شقيت؟ فيناديه الملك الموكل به: لأنه تأدب، وما تأدبت، وأحسن، وأسأت ورجل كسب مالاً فعصى الله تعالى في جمعه ومنعه ولم يقدمه بين يديه حتى صار إلى وارثه، فأحسن في إنفاقه وأطاع الله سبحانه في إخراجه، وقدمه بين يديه، فإذا كان يوم القيامة أمر بالوارث إلى الجنة، وأمر بصاحب المال إلى النار، فيقول: وحسرتاه! واغبناه! أما هذا ما لي فما أحسنت به أحوالي وأعمالي..
فيناديه الملك الموكل به: لأنه أطاع الله، وما أطعت، وأنفق لوجهه وما أنفقت، فسعد وشقيت.
ورجل على قوماً ووعظهم فعملوا بقوله ولم يعمل، فإذا كان يوم القيامة أمر بهم إلى الجنة، وأمر به إلى النار، فيقول: واحسرتاه! واغبناه! أما هذا علمي؟ فما لهم فازوا به وما فزت؟ وسلموا به وما سلمت؟ فيناديه الملك الموكل به: لأنهم عملوا بما قلت، وما عملت، فسعدوا وشقيت.
ذكره أبو الفرج بن الجوزي.
فصل: قال إبراهيم النخعي رضي الله عنه: إني لأكره القصص لثلاث آيات: قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} وقوله تعالى {لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وقوله تعالى: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} .
قلت: وألفاط هذه الأبيات تدل على ما ذكرناه من الأحاديث على أن عقوبة من كان عالماً بالمعروف وبالمنكر، وبوجوب القيام بوظيفة كل واحد منهما أشد ممن لم يعلمه، وإنما كان كذلك لأنه كالمستهين بحرمات الله،
ويستحق لأحكامه، وهو كمن لم ينتفع بعمله.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه» ، وقد تقدم.
وقوله: تندلق، أي: تخرج، والاندلاق، الخروج بسرعة، يقال: اندلق السيف، خرج من غمده.
وروي فتنفلق، بدل فتندلق.
والأقتاب: الأمعاء، واحدها: قتب، بكسر القاف.
وقال الأصمعي: واحدها: قتيبة، ويقال لها أيضاً: الأقصاب، واحدها: قصبة، قاله أبو عبيد.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو بن لحى يجر قصبه في النار، وهو أول من سيب السوائب» .
قلت: إن قال قائل: قد تقدم من حديث أبي سعيد الخدري أن من ليس من أهل النار إذا دخلوها أحرقوا فيه وماتوا، على ما ذكرتموه في أصح القولين، وهذه الأحاديث التي جاءت في العصاة بخلاف، فكيف الجمع بينهما؟ .
قيل له: الجمع ممكن.
وذلك ـ والله أعلم ـ أن أهل النار الذين هم أهلها، كما قال الله تعالى {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب}