الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقدم.
وقد قال ها هنا: ما منكم، فخاطب أصحابه الكرام المنزهين عن الذنوب العظام الموجبة للنيران رضي الله عنهم، وسيأتي لهذا مزيد بيان في أبواب الجنان إن شاء الله تعالى.
باب ما جاء في خلود أهل الدارين وذبح الموت على الصراط ومن يذبحه
البخاري، «عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم» .
وأخرجه أبو عيسى الترمذي، عن أبي سعيد الخدري يرفعه قال: إذا كان يوم
القيامة أتى بالموت كالكبش الأملح فيوقف بين الجنة والنار فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة، ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار.
قال: هذا حديث حسن صحيح.
خرجه الترمذي بمعناه مطولاً «عن أبي هريرة أيضاً، وفيه: فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار أتى بالموت ملبياً فيوقف على السور الذي بين الجنة وبين النار، ثم يقال يا أهل الجنة: فيطلعون خائفين ثم يقال: يا أهل النار: فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة، فيقال لأهل الجنة وأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقول هؤلاء وهؤلاء: عرفناه، هو الموت الذي وكل بنا فيضطجع فيذبح ذبحاً على السور، ثم يقال يا أهل الجنة: خلود لا موت، ويا أهل النار خلود لا موت» ، قال هذا حديث حسن صحيح.
فصل: قلت: هذه الأحاديث مع صحتها نص في خلود أهل النار فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة ولا راحة ولا نجاة، بل كما قال في كتابه الكريم وأوضح فيه من عذاب الكافرين {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * وهم يصطرخون فيها} إلى قوله {من نصير} وقال {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها} وقال {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها} وقد تقدمت هذه المعاني كلها.
فمن قال: إنهم يخرخون منها وأن النار تبقى خالية، وبجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول.
{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} وإنما نخلى جهنم وهي الطبقة العليا التي فيها العصاة من أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها فيما يقال الجرجير، قال فضل بن صالح المعاقري: كنا عند مالك بن أنس ذات يوم، فقال لنا انصرفوا: فلما كان العشية رجعنا إليه، فقال: إنما قلت لكم انصرفوا لأنه جاءني رجل يستأذن علي زعم أنه قدم من الشام في مسألة، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في أكل الجرجير، فإنه يتحدث عنه أنه ينبت على شفير جهنم؟ فقلت له: لا بأس به، فقال: أستودعك الله واقرأ عليك السلام.
ذكره الخطيب أبو بكر أحمد رحمه الله
وذكر أبو بكر البزار، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو بن
العاص قال: يأتي على النار زمان تنفق الرياح أبوابها.
ليس فيها أحد، يعني من الموحودين، هكذا رواه موقوفاً من قول عبد الله بن عمرو وليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثله لا يقال من جهة الرأي، فهو مرفوع.
فصل: قد تقدم أن الموت معنى، والكلام في ذلك وفي الأعمال وأنها لا تنقلب جوهراً، بل يخلق الله أشخاصاً من ثواب الأعمال وكذلك الموت يخلق الله كبشاً يسميه الموت، ويلقي في قلوب الفريقين أن هذا هو الموت، ويكون ذبحه دليلاً على الخلود في الدارين.
قال الترمذي: والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة رضي الله عنهم مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع وغيرهم.
أنهم رووا هذه الأشياء وقالوا: ونروي هذه الأحاديث، ولا يقال: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم؟ ولا يقال: كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه.
قال المؤلف رحمه الله: وإنما يؤتى بالموت كالكبش، والله أعلم لما جاء أن ملك الموت أتى آدم عليه السلام في صورة كبش أملح، قد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح على ما تقدم أول الكتاب في باب:[ما جاء في صفة ذلك الموت عند قبض روح المؤمن والكافر] .
وفي التفسير من سورة الملك عن ابن عباس
ومقاتل والكلبي في قوله {الذي خلق الموت والحياة} أن الموت والحياة جسمان، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء، وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها، خطوط مد البصر، فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء إلا حيي، وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي، حكاه الثعلبي والقشيري، عن ابن عباس والماوردي عن مقاتل والكلبي.
ومعنى يشرئبون: يرفعون رؤوسهم.
والأملح: من الكباش الذي يكون فيه بياض وسواد، والبياض أكثر.
قاله الكسائي.
وقال ابن الأعرابي: وهو النقي البياض.
وذكر صاحب خلع النعلين: أن هذا الكبش المذبوح بين الجنة والنار، أن الذي يتولى ذبحه يحيى بن زكريا عليهما السلام، بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبأمره الأكرم.
وذكر في ذبحه كلاماً مناسباً لحياة أهل الجنة وحياة أهل النار.
وذكر صاحب كتاب العروس: أن الذي يذبحه جبريل عليه السلام، فالله أعلم.
تم كتاب النار بحمد الله العزيز الغفار أجارنا الله منها بمنه بفضله وكرمه ولا رب غيره.