الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يكون، وهؤلاء المذكرون هم الزناة واللوطية والكاذبون، وآخرون قد عظمت بطونهم كالجبال الرواسي وهم آكلوا الربا وكل ذي ذنب قد بدا سوء ذنبه.
قاله في كتاب كشف علوم الآخرة، وذكر في آخر الكتاب أن الرسل يوم القيامة على المنابر والأنبياء والعلماء على منابر صغار، ومنبر كل رسول على قدره، والعلماء العاملون على كراسي من نور، والشهداء والصالحون كقراء القرآن والمؤذنون على كبثان من مسك، وهذه الطائفة العاملة أصحاب الكراسي هم الذين يطلبون الشفاعة من آدم ونوح حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الفقيه أبو بكر بن برجان في كتاب الإرشاد له: ويلهم رؤوس المحشر ممن يشفع لهم ويريحهم مما هم فيه وهم رؤساء أتباع الرسل فيكون ذلك.
باب ما جاء أن هذه الشفاعة هي المقام المحمود
الترمذي «عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم ومن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال:
فيفزع الناس فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أيونا فاشفع لنا إلى ربك فيقول: أنا أذنبت ذنباً فأهبطت به إلى الأرض ائتوا نوحاً
فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منها كذبة كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ولكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول: إني قتلت نفساً ولكن ائتوا عيسى فيقول: إني عبدت من دون الله ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فيأتوني فأنطلق معهم» .
قال ابن جدعان قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا؟ فيقال: محمد فيفتحون لي ويرحبون فيقولون مرحباً فأخر ساجداً لله فيلهمني من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقل يسمع لقولك وهو المقام المحمود الذي قال الله فيه {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} » .
قال سفيان: ليس عن أنس إلا هذه الكلمة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها.
قال الترمذي حديث حسن.
وخرجه أبو داود الطيالسي بمعناه «عن ابن عباس فقال: حدثنا حماد سلمة قال: حدثنا علي بن زيد عن أبي نضرة قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي إلا وله دعوة كلهم قد تنجزها في الدنيا وإني ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ألا وإني سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد تحته آدم صلى الله عليه وسلم ومن دونه ولا فخر، ويشتد كرب ذلك اليوم على الناس فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فيشفع لنا إلى ربنا عز وجل حتى يقضي بيننا» الحديث وفيه: «فيأتون عيسى عليه السلام
فيقولون اشفع لنا إلى ربنا حتى يقضي بيننا فيقول إني لست هنا كم إني اتخذت وأمي إلهين من دون الله ولكن أرأيتم لو أن متاعاً في وعاء قد ختم عليه أكان بوصل إلى ما في الوعاء حتى يفض الخاتم؟ فيقولون: لا.
فيقول: إن محمداً صلى الله عليه وسلم قد خصه اليوم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتيني الناس فيقولون اشفع لنا إلى ربنا حتى يقضى بيننا فأقول أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد الله أن يقضي بين خلقه نادى مناد أين محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؟ فأقوم وتتبعني أمتي غراً محجلين من أثر الطهور.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن الآخرون الأولون وأول من يحاسب ويفرج لنا في الأمم عن طريقنا ويقولون كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها» وذكر الحديث.
وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس يصبرون يوم القيامة جثياً كل أمة تتبع نبيها تقول يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
وروى الترمذي «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} سئل عنها قال: هي الشفاعة» .
قال: هذا حديث صحيح.
فصل: قوله: فيفزع الناس ثلاث فزعات إنما ذلك والله أعلم حين يؤتى بالنار تجر بأزمتها وذلك قبل العرض والحساب على الملك الديان، فإذا نظرت إلى الخلائق فارت وثارت وشهقت إلى الخلائق وزفرت نحوهم وتوثبت عليهم غضباً لغضب ربهم على ما يأتي بيانه في كتاب النار إن شاء الله تعالى، فتتساقط الخلائق حينئذ على ركبهم جثاة حولها قد أسبلوا الدموع من أعينهم ونادى الظالمون بالويل والثبور.
ثم تزفر الثانية فيزداد الرعب والخوف في القلوب.
ثم تزفر الثالثة فتتساقط الخلائق لوجوههم ويشخصون بأبصارهم وهم ينظرون من طرف خفي خوفاً أن تبلغهم أو يأخذهم حريقها.
أجارنا الله منها.
فصل: واختلف الناس في المقام المحمود على خمسة أقوال:
الأول: أنه الشفاعة للناس يوم القيامة كما تقدم.
قاله حذبفة بن اليمان وابن عمر رضي الله عنهم.
الثاني: إنه أعطاؤه عليه السلام لواء الحمد يوم القيامة قلت: وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول فإنه يكون بيده لواء الحمد
ويشفع.
وفي رواية «أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شفيعهم إذا أيسوا، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا.
لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي يطوف علي ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون» .
الثالث: ما حكاه الطبري عن فرقة منها مجاهد.
أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله محمداً صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه، وروت في ذلك حديثاً.
قلت: وهذا قول مرغوب عنه وإن صح الحديث، فيتأول على أنه يجلس مع أنبيائه وملائكته.
قال ابن عبد البر في كتاب التمهيد: ومجاهد وإن كان أحد أئمة بتأويل القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم.
أحدهما هذا، والثاني في تأويل قوله تعالى:{وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} قال: تنتظر الثواب وليس من النظر.
الرابع: إخراجه طائفة من النار.
روى مسلم عن يزيد الفقير قال: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج ثم نخرج على الناس فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يحدث الناس أو القوم إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإذا هو قد ذكر الجهنميين قال فقلت له يا صاحب رسول الله: ما هذا الذي تحدثون والله تعالى يقول {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته} {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} فما هذا الذي تقولون فقال: أتقرأ القرآن؟ فقلت: نعم.
فقال: فهل سمعت بمقام محمد صلى الله عليه وسلم يعني الذي بيعثه الله عز وجل؟ قلت: نعم.
قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم الذي يخرج الله به من يخرج.
وذكر الحديث.
وفي البخاري «من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: وقد سمعته يقول فأخرج فأخرجهم وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود قال: ثم تلا هذه الآية {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال هو المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم.
الخامس: ما روي أن مقامه المحمود شفاعته رابع أربعة وسيأتي الأوزاعي
فصل: إذا أثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء عليهم السلام حتى ينتهي الأمر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيشفع هذه الشفاعة العامة لأهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ليراحوا من هول موقفهم، فاعلم أن العلماء اختلفوا في شفاعاته وكم هي،
فقال النقاش: لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات العامة وشفاعة في السبق إلى الحنة وشفاعة في أهل الكبائر.
وقال ابن عطية في تفسيره: والمشهور أنهما شفاعتان فقط العامة وشفاعة في إخراج المذنبين من النار وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء.
قال القاضي عياض شفاعات نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة خمس شفاعات:
الأولى: العامة.
الثانية: إدخال قوم الجنة بغير حساب.
الثالثة: في قوم من أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفعه فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن شاء أن يشفع ويدخلون الجنة وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة الخوارج والمعتزلة، فمنعتها على أصولهم الفاسدة وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح.
الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين فيخرج بشفاعة نبينا وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم من المؤمنين.
قلت: وهذه المشافعة أنكرتها المعتزلة أيضاً وإذا منعوها فيمن استوجب النار بذنبه وإن لم يدخلها فأحرى أن يمنعوها فيمن دخلها.
الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها.
قال القاضي عياض: وهذه الشفاعة لا تنكرها المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشر الأول.
قلت: وشفاعة سادسة لعمه أبي طالب في التخفيف عنه، كما رواه مسلم» عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه «فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} قيل له: لا تنفع في الخروج من النار كعصاة الموحدين الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة.
فصل: واختلف العلماء هل وقع من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين بعد النبوة صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها ويشفقون على أنفسهم منها أم لا بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي تزري بفاعلها وتحط منزلته وتسقط مروءته إجماعاً؟ عند القاضي أبي بكر وعن الأستاذ أبي بكر أن ذلك مقتضى دليل المعجزة وعند المعتزلة أن ذلك مقتضى دليل العقل على أصولهم، فقال الطبري وغيره من الفقهاء والمتكلمين والمحدثين: تقع الصغائر منهم خلافاً للرافضة حيث قالوا إنهم معصومون من جميع ذلك كله، واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل وثبت من تنصلهم من ذلك في الحديث وهذا ظاهر لا خفاء به.
وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي: إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر لأنا أمرنا باتياعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم مطلقاً من غير التزام قرينة، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء لهم إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والإباحة والحظر أو المعية ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية لا سيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الأصوليين.
قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني واختلفوا في الصغائر والذي عليه الأكثر أن ذلك غير جائز عليهم ومال بعضهم إلى تجويزها ولا أصل لهذه المقالة.
وقال بعض النتأخرين ممن ذهب إلى القول الأول: والذي ينبغي أن يقال: إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها واستغفروا منها وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا تقبل التأويل جملتها، وإن قبل ذلك آحادها وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان أو تأويل دعا إلى ذلك فهي بالنسبة إلىغيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة مع عملهم بالأمن والأمان والسلامة وهذا هو الحق.
ولقد أحسن الجنيد رضي الله عنه حيث قال: حسنات الأربار سيئات المقربين، فهم صلوات صلى الله عليه وسلم عليهم وسلامه وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم، فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم، بل تلافاهم واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكاهم واصطفاهم صلوات الله عليهم وسلامه.