الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب منه في الشفعاء وذكر الجهنميين
وذكر مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه بعد قوله في نار جهنم: حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد منا شدة لله تعالى في استيفاء الحق من المؤمنين يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار.
وخرجه ابن ماجه ولفظه «عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خلص الله المؤمنين من النار وآمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين الذين دخلوا النار.
قال يقول ربنا إخواننا كانوا.
فذكره بمعناه.
يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقه وإلى ركبتيه يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، ثم يقول الله عز وجل: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به، ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ربنا لم نذر فيها خيراً» .
و «كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً} فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع
المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين.
في البخاري وبقيت شفاعتي بدل قوله ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط عادوا حمماً فيلقيقهم في نهر على أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل.
ألا ترونها تكون إلى الحجر أو الشجر ما يكون إلى الشمس أصفر وأخضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض قالوا يا رسول الله: كأنك كنت ترعى بالبادية.
قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا.
فيقولون: يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول رضائي فلا أسخط عليكم بعده أبداً» .
وخرج أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن محمد الختلي في كتاب الديباج له، «حدثنا أحمد بن أبي الحارث قال: حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد،
عن معمر راشد، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه أخرج كتاباً من تحت العرش: إن رحمتي سبقت غضبي فأنا أرحم الراحمين.
قال فيخرج من النار مثل أهل الجنة أو قال مثلي أهل الجنة قال: وأكثر ظني أنه قال مثلي أهل الجنة مكتوب بين أعينهم عتقاء الله» .
فصل: هذا الحديث بين أن الإيمان يزيد وينقص حسب ما بيناه في آخر سورة آل عمران من كتاب جامع أحكام القرآن فإن قوله: أخرجوا من في قلبه مثقلا دينار ونصف دينار وذرة يدل على ذلك وقوله: من خير يريد من إيمان وكذلك ما جاء ذكره في الخبر في حديث قتادة عن أنس وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ما يزن برة ما يزن ذرة أي من الإيمان بدليل الرواية الأخرى التي رواها معبد بن هلال العنبري «عن أنس وفيها فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل» .
الحديث بطوله أخرجه مسلم فقوله: «من إيمان» أي من أعمال الإيمان التي هي أعمال الجوارح، فيكون فيه دلالة على أن الأعمال الصالحة من شرائع الإيمان ومنه قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم.
وقد قيل: إن المراد في هذا الحديث أعمال القلوب كأنه يقول: أخرجوا من عمل عملاً بنية من قلبه كقوله «الأعمال بالنيات»
وفي هذا المعنى خبر عجيب يأتي ذكره آنفاً إن شاء الله تعالى.
ويجوز أن يراد به، رحمة على مسلم رقة على يتيم خوفاً من الله رجاء له، توكلاً عليه ثقة به مما هي أفعال القلوب دون الجوارح، وسماها إيماناً لكونها في محل الإيمان.
والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلنا ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد له ونفي الشركاء والإخلاص بقوله لا إله إلا الله ما في الحديث نفسه من قوله «أخرجوا أخرجوا» ثم هو سبحانه بعد ذلك يقبض قبضة فيخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط يريد إلا التوحيد المجرد عن الأعمال، وقد جاء هذا مبيناً فيما رواه الحسن عن أنس وهي الزيادة التي زادها علي بن معبد في حديث الشفاعة، ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً قال فيقال لي محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب أئذن لي فيمن قال لا إله إلا الله.
قال: ليس ذاك لك أو قال ليس ذلك إليك وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبروتي لأخرجن من قال لا إله إلا الله.
وذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول، «عن محمد بن كعب القرطي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب على جباههم عتقاء الرحمن فيسألون أن يمحوا ذلك الاسم عنهم فيمحوه» وفي رواية «فيبعث الله ملكاً فيمحوه عن جباههم» الحديث وسيأتي.
يقال: محا لوحه يمحوه محواً ويمحيه محياً ومحاه أيضاً فهو ممحو وممحى.
صارت الواو ياء لكسر ما قبلها فأدغمت في الياء التي هي لام الفعل وأنشد الأصمعي:
كما رأيت الورق الممحيا
وانمحى انفعل وامتحى لغة فيه ضعيفة قاله الجوهري.
وذكره أبو بكر البزار في مسنده، «عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، وأما الذين يريد الله إخراجهم فتميتهم النار ثم يخرجون منها فيلقون على نهر الحياة فيرسل الله عليهم من مائها، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ويدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة: الجهنميين فيدعون الله تعالى فيذهب ذلك الاسم عنهم» .
الترمذي «عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليخرجن قوم من النار بشفاعتي يسمون الجهنميين» قال: حديث حسن.
«وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعتي لأهل الكبائر من
أمتي» خرجه الترمذي وصححه أبو محمد عبد الحق.
وخرجه أبو داود الطيالسي وابن ماجه «من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» .
زاد الطيالسي قال: فقال لي جابر من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة؟ قال أبو داود وحدثناه محمد بن ثابت عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.
وذكر أبو الحسن الدراقطني «عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم أنا لشرار أمتي.
فقالوا: فكيف أنت لخيارها؟ قال: أما خيارها فيدخلون الجنة بأعمالهم وأما شرارهم فيدخلون الجنة بشفاعتي» .
وخرج ابن ماجه، «حدثنا إسماعيل بن أسد، حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد السلوي، حدثنا زياد بن خيثمة عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن حراش، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى.
أترونها للمتقين؟ لا.
ولكنها للخاطئين المذنبين المتلوثين» .
قلت: «وأنبأنا الشيخ الفقيه أبو القاسم عبد الله بن علي بن خلف
الكوفي إجازة عن أبيه الفقيه الإمام المحدث أبي الحسن علي بن خلف الكوفي قال: قرئ على الشيخة الصالحة فخر النساء خديجة بنت أحمد بن الحسن بن عبد الكريم النهرواني في منزلها وأنا حاضر أسمع قيل لها: أخبركم الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد النعالي فأقرت به، وقالت: نعم.
قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن رزقويه البزار، أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح الصغار، حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي، حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد السكوني، عن زياد بن خيثمة عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن خراش عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيرت بين الشفاعة ونصف أمتي فاخترت الشفاعة أترونها للمتقين لا ولكنها للخاطئين المتلوثين؟» .
وخرج ابن ماجه قال: «حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد حدثنا ابن جابر قال سمعت سليم بن عامر يقول، سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما خيرني ربي الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: إنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة.
قلنا: يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها.
قال: هي لكل مسلم» وما الخبر العجيب الذي وعدنا بذكره فذكره الكلاباذي أبو بكر محمد بن إبراهيم في بحر الفوائد له، حدثنا أبو النصر محمد بن إسحاق الرشادي قال، حدثنا أبو بكر محمد بن عيسى بن زيد الطرسوسي قال، حدثنا نعيم بن
حماد قال، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن أبي قلابة قال: كان لي ابن أخ يتعاطى الشراب فمرض فبعث إلي ليلا: أن ألحق بي فأتيته فرأيت أسودين قد دنوا من ابن أخي فقلت: إنا لله هلك ابن أخي فاطلع أبيضان من الكوة التي في البيت، فقال أحدهما لصاحبه: انزل إليه فلما نزل تنحى الأسودان فجاء فشم فاه، فقال ما أرى فيه ذكراً، ثم شم بطنه فقال ما أرى فيه صوماً، ثم شم رجليه فقال ما أرى فيهما صلاة، فقال له صاحبه: إنا لله وإنا إليه راجعون رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليس له من الخير شيء ويحك عد فانظر فعاد فشم فاه فقال ما أرى فيه ذكراً، ثم عاد فشم بطنه فقال ما رأى فيه صوماً ثم عاد فشم رجليه فقال ما أرى فيهما صلاة، فقال: ويحك رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليس معه من الخير شيء اصعد حتى أنزل أنا، فنزل الآخر فشم فاه فقال ما أرى فيه ذكراً، ثم شم بطنه فقال ما أرى فيه صوماً، ثم شم رجليه فقال ما أرى فيهما صلاة، قال: ثم عاد فأخرج طرف لسانه فشم لسانه فقال: الله أكبر تكبيرة في سبيل الله يريد بها وجه الله بإنتاكية قال، ثم فاضت نفسه وشممت في البيت رائحة المسك، فلما صليت الغداة قلت لأهل المسجد: هل لكم في رجل من أهل الجنة؟ وحدثتهم حديث ابن أخي، فلما بلغت ذكر إنتاكية قالوا ليست بإنتاكية هي إنطاكية قلت لا والله لا أسمتيها إلا كما سماها الملك.
قال علماؤنا: فهذا أنجته تكبيرة أراد بها وجه الله تعالى، وهذه
التكبيرة كانت سوى الشهادة التي هي شهادة الحق التي هي شهادة الإيمان بالله تعالى كما قررناه، فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والنبيين والمؤمنين لمن كان له عمل زائد على مجرد التصديق، ومن لم يكن معه من الإيمان خير كان من الذين يتفضل الله عليهم فيخرجهم من النار فضلاً وكرماً وعداً منه حقاً وكلمة صدقاً {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فسبحان الرؤوف لأبياته بعباده الموفي بعهده.
فصل: قلت: جاء في حديث أبي سعيد الخدري قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يكتب على جباههم عتقاء الرحمن وهذا تعارض.
ووجه الجمع بين الحديث أن يكون بعضهم سيماهم في وجوههم وبعضهم سيماهم في رقابهم، وقد جاء في حديث جابر وفيه بعد إخراج الشافعين، ثم يقول الله تبارك وتعالى أنا الله أخرج بعلمي ورحمتي فيخرج أضعاف ما خرجوا وأضعافهم، ويكتب في رقابهم عتقاء الله عز وجل فيدخلون الجنة فيسمون فيها بالجهنميين.
قلت: وقد يعبر بالرقبة عن جملة الشخص قال الله تعالى {فتحرير رقبة} وقال عليه السلام «ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها» .
وقد تعبر العرب بالرقاب عن جملة المال قال الشاعر:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكاً
…
علقت لضحكته رقاب المال
فيحتمل أن يكون المعنى في حديث أبي سعيد وجابر رضي الله عنهما فيخرجون اللؤلؤ يعرف أهل الجنة أشخاصهم بالخواتيم المكتوبة على جباههم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولا تعارض على هذا، والله أعلم.
فصل: إن قال قائل لم سألوا محو ذلك الاسم عنهم وهو اسم شريف لأنه سبحانه أضافه إليه، كما أضاف الأسماء الشريفة فقال: نبيي وبيتي وعرشي وملائكتي، وقد جاء في الخبر: إن المتحابين في الله مكتوب على جباههم هؤلاء المتحابون في الله ولم يسألوه محوه؟ قيل: إنما سألوا ذلك بخلاف المتحابين في الله تعالى لأنهم أنفوا أن ينسوا إلى جهنم التي هي دار الأعداء واستحيوا من إخوانهم لأجل ذلك، فلما من عليهم بدخول الجنة أرادوا كمال الامتنان بزوال هذه النسبة عنهم.
أخبرنا الشيخ الراوية أبو محمد عبد الوهاب عرف بابن رواحة قرأت عليه، قال قرئ على الحافظ السلفي وأنا أسمع قال: «أخبرنا الحاجب أبو الحسن العلاف، أخبرنا أبو القاسم بن بشران، أخبرنا الآجري أبو بكر محمد بن الحسين، حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن سعيد الأنصاري، حدثنا علي بن مسلم الطوسي، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثني
عمرو بن رفاعة الربعي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون وأهلها الذين يخرجون منها إذا أسقطوا فيها كانوا فحماً، حتى يأن الله فيخرجهم فيلقيهم على نهر يقال له الحياة أو الحيوان، فيرش أهل الجنة عليهم الماء فينبتون ثم يدخلون الجنة يسمون الجهنميين، ثم يطلبون من الرحيم عز وجل فيذهب ذلك الاسم عنهم ويلحقون بأهل الجنة.
وأما سيماء المتحابين فعلامة شريفة ونسبة رفيعة فلذلك لم يسألوا محوها ولا طلبوا زوالها وإزالهتا» والله أعلم.
فإن قيل: ففي هذا ما يدل على أن بعض من يدخل الجنة قد يلحقه تنغيص ما، والجنة لا تنغيص فيها ولا نكد.
قيل له: هذه الأحاديث تدل على ذلك وأن ذلك يلحقهم عند دخول الجنة ثم يزول ذلك الاسم عنهم: وقد مثل بعض علمائنا هذا الذي أصاب هؤلاء بالبحر تقع فيه النجاسات أنه لاحكم لها كذلك ما أصاب هؤلاء بالنسبة إلى أهل الجنة، وهو تشبيه حسن.
قلت: وقد يلحق الجميع خوف ما عند ذبح الموت على الصراط على ما يأتي: وبعده يكونون آمنين مسرورين قد زال عنهم كل متوقع، والله أعلم.
فصل: إن قال قائل: كيف يشفع القرآن والصيام وإنما ذلك عمل العاملين؟ قيل له: وقد تقدم هذا المعنى ونزيده وضوحاً، فنقول أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك خرجه ابن ماجه في سننه من حديث بريدة وإسناده
صحيح، فقوله: يجيء القرآن أي ثواب قارئ القرآن.
قال علماؤنا فقوله «تحاجان عن صاحبهما» أي يخلق الله من يجادل عنه بثوابهما ملائكة كما جاء في بعض الحديث «أنه من قرأ {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة} خلق الله سبعين ألف ملك يستغفرون إلى يوم القيامة» .
قلت: وكذلك يخلق الله من ثواب القرآن والصيام ملكين كريمين، فيشفعان له وكذلك إن شاء الله سائر الأعمال الصالحة، كما ذكره ابن المبارك في دقائقه: أخبرنا رجل عن زيد بن أسلم قال: بلغني أن المؤمن يتمثل له عمله يوم القيامة في أحسن صورة وأحسن ما خلق الله وجهاً وثياباً وأطيبه ريحاً، فيجلس إلى جنبه كلما أفزعه شيء أمنه وكلما تخوف شيئاً هون عليه، فيقول له: جزاك الله من صاحب خيراً من أنت؟ فيقول: أما تعرفني وقد صحبتك في قبرك وفي دنياك أنا عملك كان والله حسناً.
فلذلك تراني حسناً وكان طيباً فلذلك تراني طيباً.
تعال فاركبني فطال ما ركبتك في الدنيا وهو قوله تعالى: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} الآية.
حتى يأتي به إلى ربه عز وجل فيقول يا رب
إن كل صاحب عمل في الدنيا قد أصاب في عمله، وكل صاحب تجارة وصانع قد أصاب في تجارته غير صاحبي هذا قد شغل في نفسه فيقول الله تعالى: فما تسأل؟ فيقول المغفرة والرحمة أو نحو هذا فيقول: فإني قد غفرت له، ثم يكسى حلة الكرامة ويجعل عليه تاج الوقار فيه لؤلؤة تضيء من مسيرة يومين ثم يقول: يا رب إن أبويه قد شغل عنهما وكل صاحب عمل وتجارة قد كان يدخل على أبويه من عمله فيعطى أبويه مثل ما أعطى.
ويتمثل للكافر عمله في أقبح ما يكون صورة وأنتن رائحة ويجلس إلى جنبه كلما أفزعه شيء زاده، وكلما تخوف شيئاً زاده خوفاً منه، فيقول: بئس الصاحب أنت ومن أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ فيقول: لا.
فيقول: أنا عملك كان قبيحاً فلذلك تراني قبيحاً وكان منتناً، فلذلك تراني منتناً فطأطئ رأسك أركبك فطالما ركبتني في الدنيا فذلك قوله تعالى:{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة} .
قلت: مثل هذا لا يقاب من جهة الرأي، ومعناه يستند «من حديث قيس بن عاصم المنقري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً فإن كان صالحاً فلا تأنس إلا به، وإن كان فاحشاً فلا تستوحش إلا منه وهو فعلك» .
وذكر أبو الفرج بن الجوزي في كتاب روضة المشتاق، والطريق إلى الملك الخلاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى يوم القيامة بالتوبة في صورة حسنة ورائحة طيبة فلا يجد رائحتها ولا يرى صورتها إلا مؤمن فيجدون لها رائحة وأنساً،