الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الأمر بالصبر عند الفتن وتسليم النفس للقتل عندها والسعيد من جنبها
أبو داود «عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر قلت: لبيك رسول الله وسعديك، وذكر الحديث قال: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت بالوصيف يعني القبر، قلت الله ورسوله أعلم، أو قال ما خار الله لي ورسوله، قال عليك بالصبر أو قال تصبر، ثم قال يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك؟ قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت أحجار قد غرقت بالدم قلت: ما خار الله لي ورسوله.
قال عليك بمن أنت منه قال: قلت يا رسول الله أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذا قال: قلت: فما تأمرني؟ قال تلزم بيتك، قال قلت فإن دخل على بيتي؟ قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك بيوء بإثمه وإثمك خرجه ابن ماجه وقال تصبر من غير شك، وزاد بعده قال: كيف أنت وجوع يصيب الناس حتى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك أو لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك.
قال: قلت الله ورسوله أعلم ما خار الله لي ورسوزله، قال: عليك
بالعفة، ثم قال: كيف أنت وقتل يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم الحديث.
وقال: فألق طرف ردائك على وجهك فيبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار» .
وفي حديث عبد الله بن مسعود حين ذكر الفتنة قال: الزم بيتك.
قيل: فإن دخل على بيتي؟ قال: فكن مثل الجمل الأورق الثقال الذي لا ينبعث إلا كرهاً ولا يمشي إلا كرهاً.
ذكره أبو عبيدة قال: حدثنيه أبو النضر عن المسعودي، عن علي بن مدرك عن أبي الرواع، عن عبد الله، قال أبو عبيدة سمعت بعض الرواة يقول: الرواع والوجه الرواع بضم الراء.
أبو داود قال «عن المقداد بن الأسود قال: وايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلى فصبر فواها» .
الترمذي «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه: كالقابض على الجمر» قال: حديث غريب.
فصل
قوله بالوصيف الوصيف الخادم يريد أن الناس يشتغلون عن دفن موتاهم، حتى لا يوجد فيهم من يحفر قبر الميت ويدفنه إلا أن يعطى وصيفاً
أو قيمته، وقد يكون معناه أن مواضع القبور تضيق عليهم فيبتاعون لموتاهم القبور كل قبر بوصيف، وقوله: غرقت بالدم أي لزمت والغروق اللزوم فيه، ويروى غرقت وأحجار الزيت موضع المدينة.
روى الترمذي «عن عمير مولى بن أبي اللحم عن أبي اللحم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو» .
وذكر عمر بن أبي شيبة في كتاب المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قال: حدثنا محمد بن يحيى عن ابن أبي فديك قال: أدركت أحجار الزيت ثلاثة أحجار مواجهة بيت أم كلاب وهو اليوم يعرف ببيت بني أسد فعلاً الكنيس الحجارة فاندفنت قال: وحدثنا محمد بن يحيى قال: وحدثنا محمد يحيى، قال أخبرني أبو ضمرة الليثي عن عنان عن ابن الحارث بن عبيد، عن هلال بن طلحة الفهري أن حبيب بن سلمة الفهري كتب إليه أن كعباً سألنسي أن أكتب له إلى رجل من قومي عالم بالأرض.
قال: فلما قدم كعب المدينة جاءني بكتابه ذلك، فقال: أعالم
أنت بالأرض؟ قلت: نعم وكانت بالزوراء حجارة يضعون عليها الزياتون رواياهم فأقبلت حتى جئتها فقلت هذه أحجار الزيت، فقال كعب لا والله ما هذه صفتها في كتاب الله، انطلق أمامي فإنك أهدى بالطريق مني فانطلقنا حتى جئنا بني عبد الأشهل، فقال يا أبا هلال: إني أجد أحجار الزيت في كتاب الله تعالى، فسأل القوم عنها وهم يومئذ متوافرون فسألهم عن أحجار الزيت، وقال إنها ستكون بالمدبنة ملحمة عندها.
فصل
وأما حديث ابن مسعود: كن مثل الجمل الأورق، فقال الأصمعي الأورق وهو الذي في لونه بياض إلى سواد.
ومنه قيل للرماد أورق والحمامة ورقاء.
ذكره الأصمعي قال: وهو أطيب الإبل لحماً وليس بمحمود عند العرب في عمله وسيره، وأما الثقال فهو البطيء.
قال عبيد: إنما خص عبد الله الأورق من الإبل لما ذكر من ضعفه عن العمل، ثم اشترط الثقاتل أيضاً فزاده إبطاء وثقلاً، فقال: كن في الفتنة مثل ذلك، وهذا إذا دخل عليك وإنما أراد عبد الله بهذا التبثط عن الفتنة والحركة فيها.
فصل
وأما أمره صلى الله عليه وسلم أبا ذر بلزوم البيت وتسليم النفس للقتل،
فقالت طائفة: ذلك عند جميع الفتن وغير جائز لمسلم النهوض في شيء منها.
قالوا: وعليه أن يستسلم للقتل إذا أريدت نفسه ولا يدفع عنها، وحملوا الأحاديث على ظاهرها، وربما احتجوا من جهة النظر بأن قالوا: إن كل فريق من المقتتلين في الفتنة فإنه يقاتل على تأويل، وإن كان في الحقيقة خطأ فهو عند نفسه محق وغير جائز لأحد قتله وسبيله سبيل حاكم من المسلمين يقضي بقضاء مما اختلف فيه العلماء على ما يراه صواباً، فغير جائز لغيره من الحكام نقضه إذا لم يخالف بقضائه ذلك كتاباً ولا سنة ولا جماعة، وكذلك المقتتلون في الفتنة كل حزب منهم عند نفسه محق دون غيره مما يدعون من التأويل فغير جائز لأحد قتالهم، وإن هم قصدوا القتلى فغير جائز دفعهم، وقد ذكرنا من تخلف عن الفتنة وقعدوا منهم عمران بن الحصين وابن عمر، وقد روي عنهما وعن غيرهما منهم عبيدة السلماني أن من اعتزل الفريقين فدخل بيته فأتى يريد نفسه فعليه دفعه عن نفسه، وإن أبى الدفع عن نفسه فغير مصيب كقوله عليه الصلاة والسلام «من أريدت نفسه وماله فقتل فهو شهيد» قالوا فالواجب على كل من أريدت نفسه وماله
فقتل ظلماً دفع ذلك ما وجد إليه السبيل متأولاً كان المريد أو معتمداً للظلم.
قلت: هذا هو الصحيح من القولين إن شاء الله تعالى.
وقال ابن المنذر: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد» وقد روينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أنفسهم وأموالهم، وهذا مذهب ابن عمر، والحسن البصري، وقتادة ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، وقال أبو بكر: وبهذا يقول عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله إذا أريد ظلماً للأخبار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص وقتاً من وقت ولا حالاً دون إلا السلطان، فإن جماعة من أهل العلم كالمجتمعين على أن من لم يمكنه أن يمنع نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته أنه لايحاربه ولا يخرج عليه للأخبار الواردة الدالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يكون منهم من الجور والظلم، وقد تقدم ذلك في بابه والحمد لله.