الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملتصقة بالصدر من خارج الصدر، ولها خوار وعجيج تقول: أسرعوا بي، إلى رحمة الله، أي رحمة لو تعلمون ما أنتم حاملوني إليه، وإن كان يبشر بالشقاء تقول: رويداً إلى أي عذاب لو تعلمون ما أنتم حاملوني إليه، فإذا أدخل القبر وهيل عليه التراب ناداه القبر: كنت تفرح على ظهري، فاليوم تحزن في بطني.
كنت تأكل الألوان على ظهري، فالآن يأكلك الدود في بطني، ويكثر عليه مثل هذه الألفاظ الموبخة حتى يسوى عليه التراب ثم يناديه ملك يقال له رومان، وهو أول ما يلقي الميت إذا دخل قبره على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم بغيبه وأحكم.
باب كيفية التوفي للموتى؟ واختلاف أحوالهم في ذلك
ذكر الله التوفي في كتابه مجملاً ومفصلاً:
فقال الله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين} ، وقال:{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} ، وقال:{توفته رسلنا وهم لا يفرطون} ، وقال:{الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} ، فهذا كله محمل، وقد
بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بيانه إن شاء تعالى، وقال:{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} ، وقال:{فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} ، وهذا مخصوص بمن قتل من الكفار يوم بدر باتفاق أهل التأويل، فيما قاله بعض علمائنا، وقد ذكر المهدوي وغيره في ذلك اختلافاً، وأن الكفار حتى الآن يتوفون بالضرب والهوان والله أعلم.
وروى مسلم في حديث فيه طول قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس، قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ، يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً فنظر إليه فإذا هو قدم خطم أنفه وشق وجهه لضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقت ذلك من مدد السماء الثانية» ، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
وذكر الحديث.
وقال تعالى: {لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا
أيديهم} أي بالعذاب {أخرجوا أنفسكم} إلى قوله {يستكبرون} .
وقد زادت السنة هذا النوع بياناً على ما يأتي.
فصل: إن قال قائل: كيف الجمع بين هذه الآي وكيف يقبض ملك الموت في زمن واحد أرواح من يموت بالمشرق والمغرب؟ قيل له: اعلم أن التوفي مأخوذ من توفيت الدين واستوفيته إذا قبضته ولم يدع منه شيئاً، فتارة يضاف إلى ملك الموت لمباشرته ذلك، وتارة إلى أعوانه من الملائكة، لأنهم قد يتولون ذلك أيضاً، وتارة إلى الله تعالى وهو المتوفي على الحقيقة كما قال عز وجل {الله يتوفى الأنفس حين موتها} وقال:{وهو الذي أحياكم ثم يميتكم} وقال: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم} فكل مأمور من الملائكة فإنما يفعل ما يفعل بأمره.
وقال الكلبي: يقبض ملك الموت الروح من الجسد، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمناً، وإلى ملائكة العذاب إن كان كافراً، وهذا المعنى منصوص في حديث البراء، وسيأتي.
وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن ملك الموت ليهيب بالأروح كما يهيب أحدكم بفلوه أو فصيله ألا هلم ألا هلم» ، يهيب: يدعو.
يقال: أهاب
الرجل بغنمه أي صاح بها لتقف أو لترجع، وأهاب بالبعير.
قال طرفة يصف ناقته:
تريع إلى صوت المهيب وتتقي
…
بذي خصل روعات أكلب ملبدي
تريع: معناه: تعود وترجع.
وقال الشاعر:
طمعت بليلى إذ تريع وإنما
…
تقطع أرقاب الرجال المطامع
والخصل: أطراف الشجر المتدلية.
والروعات جمع روعة وهي الفزعة،
وأكلب الرجل إذا أكلبت إبله.
واتكلب شبيه بالجنون.
وقال جميعه الجوهري.
وقال العتابي الكلابي:
أهابوا به فازداد بعد وصده
…
عن القرب منهم ضوء برق ووابله
يعني نصل السهم.
فأخبر صلى الله عليه وسلم: «أنه يدعو الأرواح التي يتوفاها الله ويقبضها» .
وفي الخبر أن ملك الموت جالس وبين يديه صحيفة يكتب فيها له ليلة النصف من شعبان، وهي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم من الأرزاق والآجال في قفول بعض العلماء عكرمة وغيره.
والصحيح أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ليلة القدر من شهر رمضان، وهو قول قتادة والحسن ومجاهد وغيرهم، يدل عليه قوله تعالى:{حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه} يعني القرآن {في ليلة مباركة} يعني ليلة القدر، وهذا بين.
وقال ابن عباس: إن الله تعالى يقضي الأقضية في ليلة النصف
من شعبان ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر، وكان هذا جمعاً بين القولين والله أعلم.
فإذا انقضى عمر ذلك الشخص الذي حان قبض روحه، سقطت ورقة من سدرة المنتهى التي فيها اسمه على اسمه في الصحيفة، فعرف أن قدر فرغ أجله وانقطع أكله.
وفي الخبر أن ملك الموت تحت العرش يسقط عليه صحائف من يموت من تحت العرش، الصحف هنا: ورق السدرة.
والله أعلم.
وكما في الخبر قبله: فإذا نظر إلى الإنسان، قد نفذ رزقه وانقطع أكله، ألقى عليه سكرات الموت، فغشيته كرباته، وأدركته سكراته.
وفي خبر الإسراء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مررت على ملك آخر جالس على كرسي، إذا جميع الدنيا ومن فيها بين ركبتيه، وبيده لوح مكتوب ينظر فيه، ولا يلتفت عنه يميناً ولا شمالاً فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا ملك الموت.
قلت: يا ملك الموت كيف تقدر على قبض جميع أرواح من في الأرض برها وبحرها؟ قال: ألا ترى أن الدنيا
كلها بين ركبتي، وجميع الخلائق بين عيني، ويداي تبلغان المشرق والمغرب.
فإذا نفذ أجل عبد نظرت إليه، فإذا نظرت إليه عرف أعواني من الملائكة أنه مقبوض، غدوا فبطشوا يعالجون نزع روحه، فإذا بلغوا بالروح الحلقوم، علمت ذلك فلم يخف علي شيء من أمره، مددت يدي فأنزعه من جسده وألى قبضه.
وفي الخبر: أنه ينزل عليه أربعة من الملائكة: ملك يجذب النفس من قدمه اليمنى، وملك يجذبها من قدمه اليسرى، وملك يجذبها من يده اليمنى، وملك يجذبها من يده اليسرى» .
ذكره أبو حامد.
وقال: وربما كشف للميت عن الأمر الملكوتي قبل أن يغرغر، فيعاين الملائكة على حقيقة عمله، على ما يتحيزون إليه من عالمهم، فإنه كان لسانه منطلقاً حدث بوجودهم، وربما أعاد على نفسه الحديث بما رأى، وظن أن ذلك من فعل الشيطان به، فيسكت حين يعقل لسانه وهم يجذبونها من أطراف البنان ورؤوس الأصابع، والنفس تنسل انسلال
القداة من السقا.
والفاجر تسل روح كالسفود من الصوف المبلول.
هكذا حكى صاحب الشرع عليه السلام، والميت يظن أن بطنه ملئت شوكاً، كأنما نفسه تخرج من ثقب إبرة، وكأن السماء انطبقت على الأرض وهو بينهما، فإذا احتضرت نفسه إلى القلب، مات لسانه عن النطق فما أحد ينطق، والنفس مجموعة في صدره لسرين.
أحدهما: أن الأمر عظيم قد ضاق صدره بالنفس المجتمعة فيه، ألا ترى أن الإنسان إذ أصابته ضربته في الصدر بقي مدهوشاً، فتارة لا يقدر على الكلام، وكل مطعون يطعن يصوت إلا مطعون الصدر فإنه يخر من غير تصويت.
وأما السر الآخر: فلأن الذي فيه حركة الصوت المندفعة من الحرارة الغريزية فصار نفسه متغير الحالتين، حال الارتفاع والبرودة، لأنه فقد الحرارة، فعند هذا الحين تختلف أحوال الموتى، فمنهم من يطعنه الملك حينئذ بحربة مسمومة قد سقيت سما من نار فتفر الروح، وتفيض خارجة، فيأخذ الملك في يده وهي ترعد أشبه شيء بالزئبق على قدر الجرادة شخصاً إنسانياً، ثم يناولها الزبانية.
ومن الموتى من تجذب نفسه رويداً حتى تنحصر في الحنجرة وليس