الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الشافعين لمن دخل النار وما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع رابع أربعة وذكر من يبقى في جهنم بعد ذلك
وذكر ابن السماك أبو عمرو عثمان بن أحمد قال: حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان قال: أخبرنا علي بن عاصم قال: حدثنا خالد الحذاء، عن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء قال: قال عبد الله بن مسعود يشفع نبيكم رابع أربعة: جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم الملائكة ثم النبيون ثم الصديقون ثم الشهداء، ويبقى قوم من جهنم فيقال لهم {ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين} إلى قوله:{فما تنفعهم شفاعة الشافعين} قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: فهؤلاء الذين يبقون في جهنم.
قال المؤلف رحمه الله: وقيل إن هذا هو المقام المحمود لنبينا صلى الله عليه وسلم خرجه أبو داود الطيالسي قال، حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء، عن عبد الله قال: ثم يأذن الله عز وجل في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام، ثم يقوم إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقوم موسى أو عيسى عليه السلام.
قال أبو الزعراء: لا أدري أيهما قال ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم رابعاً فيشفع لا يشفع لأحد بعده في أكثر مما يشفع وهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} .
ابن ماجه، «عن عبد الله بن أبي الجدعاء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم قالوا: يا رسول الله: سواك؟ قال: سواي قلت: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا سمعته» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.
ولا نعرف لابن الجدعاء غير هذا الحديث الواحد.
قال المؤلف رحمه الله: وخرجه البيهقي في دلائل النبوة وقال في آخره قال عبد الوهاب الثقفي، قال هشام بن حيان كان الحسن يقول إنه أويس القرني، وذكر ابن السماك قال:«حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا حريز بن عثمان، عن عبد الله بن ميسرة وحبيب بن عدي الرحبي، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة مثل أحد الحيين: ربيعة ومضر قال قيل يا رسول الله وما ربيعة من مضر؟ قال إنما أقول ما أقول قال: فكان المشيخة يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان» .
الترمذي «عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أمتي من يشفع للفئام، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة» قال: حديث حسن.
وذكر البزار في مسنده «عن ثابت أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة» وذكر القاضي عياض في الشفاء عن كعب: [أن لكل رجل من الصحابة رضي الله عنهم شفاعة] ذكره ابن المبارك قال: «أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له: صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا» .
فصل: إن قال قائل: كيف تكون الشفاعة لمن دخل النار، والله تعالى يقول {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} وقال:{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وقال: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} ومن ارتضاء الله لا يخزيه.
قال الله تعالى {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} الآية؟ قلنا: هذا مذهب أهل الوعيد الذين ضلوا عن طريق، وحادوا عن التحقيق.
وأما مذهب أهل السنة الذين جمعوا بين الكتاب والسنة، فإن
الشفاعة تنفع العصاة العصاة من أهل الملة، حتى لا يبقى منهم أحد إلا دخل الجنة.
والجواب عن الآية الأولى ما قاله أنس بن مالك رضي الله عنه أن معنى {من تدخل النار} من يخلد.
وقال قتادة: يدخل مقلوب يخلد ولا تقول كما قال أهل حروراء فيكون قوله على هذا {فقد أخزيته} على بابه من الهلاك أي أهلتكه وأبعدته ومقته.
وبهذا قال سعيد بن المسيب، فإن الآية جاءت خاصة في قوم لا يخرجون من النار.
دليله قوله في آخر الآية {وما للظالمين من أنصار} أي الكفار.
وإن قدرنا الآية في العصاة من الموحدين، فيحتمل أن يكون الخزي بمعنى الحياء.
يقال: خزي يخزي خزاية إذا استحي فهو خزيان وامرأة خزناية.
كذا قال أهل المعاني فخزي المؤمنين يومئذ: استحياؤهم في دخول النار من سائر أهل الأديان إلى أن يخرجوا منها.
والخزي للكافرين هو هلاكهم فيها من غير موت والمؤمنون يموتون، فافترقوا في الخزي والهوان، ثم يخرجون بشفاعة من أذن الله له في الشفاعة وبرحمة الرحمن وشفاعته على ما يأتي في الباب بعد هذا، وعند ذلك يكونون مرضيين قد رضي عنهم، ثم لا يأتي الإذن في أحد حتى يرضى لا يبقى عليه من قصاص ذنبه إلا ما تجيزه الشفاعة فيؤذن فيه فيلحق بالفائزين الراضين، والحمد لله رب العالمين.
وأما قوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} فمعناه: لا يعذبه ولا يعذب الذين آمنوا وإن عذب العصاة وأماتهم فإنهم يخرجهم بالشفاعة وبرحمته على ما يأتي بيانه في الباب بعد هذا، والله أعلم.