الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له قد نطق القرآن بقوله الحق {قل إنما علمها عند ربي} الآية فلم يكن يعلمها هو ولا غيره، وأما قوله «بعثت أنا والساعة كهاتين» فمعناه أنا النبي الأخير فلا يليني نبي آخر، وإنما تليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى وليس بينهما أصبع أخرى، وهذا لا يوجب أن يكون له علم بالساعة نفسها وهي مع ذلك كائنة لأن أشراطها متتابعة، وقد ذكر الله الأشراط في القرآن فقال {فقد جاء أشراطها} أي دنت، وأولها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نبي آخر الزمان، وقد بعث وليس بيني وبين القيامة نبي ثم بين صلى الله عليه وسلم ما يليه من الأشراط، فقال:«أن تلد الأمة ربتها» إلى غير ذلك مما سنذكره ونبينه بحول الله تعالى في أبواب إن شاء الله تعالى.
باب أمور تكون بين يدي الساعة
البخاري «عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم ويكثر الزلازل ويتقارب الزمان ويظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي فيه، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل يقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين {لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً}
ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ـ ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» .
فصل قال علماؤنا رحمة الله عليهم: هذه ثلاث عشرة علامة جمعها أبو هريرة في حديث واحد، ولم يبق بعد هذا ما ينظر فيه من العلامات والأشراط في عموم إنذار النبي صلى الله عليه وسلم بفساد الزمان وتغيير الدين وذهاب الأمانة ما يغني عن ذكر التفاصيل الباطلة والأحاديث الكاذبة في أشراط الساعة.
ومن ذلك حديث ما رواه قتادة «عن أنس بن مالك عن رسول الله: أن في سنة مائتين يكون كذا وكذا، وفي العشر والمائتين يكون كذا وكذا، وفي العشيرين كذا وفي الثلاثين كذا، وفي الأربعين كذا، وفي الخمسين كذا، وفي الستين والمائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنة والإنس» ، فهل كان هكذا وقد مضت هذه المدة، وهذا شيء يعم وسائر الأمور التي ذكرت قد تكون في بلدة وتخلو منه أخرى، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منه أحد في شرق ولا غرب، فإن كان المائتين من الهجرة فقد مضت، وإن كان من موت النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضت وأيضاً دلالة أخرى على أنه مفتعل أن التاريخ لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما وضعوه على عهد عمر رضي الله عنه، فكيف
يجوز هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال في سنة مائتين أو سنة عشرين ومائتين ولم يكن وضع شيء من التاريخ؟ .
وكذلك ما روى «عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كانت سنة تسع وتسعين وخمس مائة يخرج المهدي في أمتي على خلاف من الناس يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويفتح الله له كنوز الأرض، وتنزل السماء قطرها، وتخرج الأرض ثمرها، ويزرع الزارع في الأرض صاعاً فيصيب مائة صاع، ويذهب الغلاء والقحط والجوع عن الناس، ويجوز إلى الأندلس ويقيم فيها ويملكها تسع سنين، ويستفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم ويغنم رومية وكنيسة الذهب، فيجد فيها تابوت السكينة وفيها غفارة عيسى وعصا موسى عليهما السلام، فيكسرون العصا على أربعة أجزاء، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم النصر والظفر، ويخرج عليهم ذو العرف في مائة ألف مقاتل بعد أن يتحالف الروم أنهم لا يرجعون أو يموتون، فينهزم المسلمون حتى يأتوا سرقسطة البيضاء، فيدخلوها بإن الله تعالى ويكرم الله من فيها بالشهادة ولا يكون للمسلمين بعد خراب سرقسطة سكنى ولا قرار بالأندلس، وينتهون إلى قرطبة فلا يجدون فيها أحداً لما أصاب الناس من شدة الفزع من الروم يهربون من الأندلس يريدن العدو، فإذا اجتمعوا على ساحل البحر ازدحموا على المراكب فيموت منهم خلق كثير، فينزل الله إليهم
ملكاً في صورة إبل فينجو من نجا وغرق من غرق» .
قلت: كل ما جاء في هذا الحديث المذكور في حديث حذيفة وغيره، وإنما المنكر فيملك الروم والأندلس إلى خروج الدجال.
ومنه تعيين التاريخ وقد كان سنة وتسعين وخمسمائة ولم يكن شيء من ذلك، بل كان بالأندلس تلك السنة وقعة الأرك التي أهلك الله فيها الروم، ولم يزل المسملون في نعمة وسرور إلى سنة تسع وستمائة فكانت فيها وقعة العقاب هلك فيها كثير من المسلمين، ولم يزل المسلمون في تلك الوقعة بالأندلس يرجعون القهقرى إلى أن استولى عليهم العدو وغلبهم بالفتن الواقعة بينهم والتفصيل يطول، ولم يبق الآن من الأندلس إلا اليسير، فنعوذ بالله من الفتن والخذلان والمخالفة والعصيان وكثرة الظلم والفساد والعدوان.
والذي ينبغي أن يقال به في هذا الباب أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن والكوائن أن ذلك يكون وتعيين الزمان في ذلك من سنة كذا ويحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر، وإنما ذلك كوقت قيام الساعة فلا يعلم أحد أي سنة هي ولا أي شهر إما أنها تكون في يوم جمعة في آخر ساعة منه وهي الساعة التي خلق فيها آدم عليه السلام، ولكن أي جمعة لا يعلم تعيين ذلك اليوم
إلا الله وحده لا شريك له، وكذلك ما يكون من الأشراط تعيين الزمان لها لا يعلم، والله أعلم.
وقد سمعت من بعض أصحابنا: أنا ما وقع من التاريخ «في حديث أبي سعيد الخدري إنما ذلك بعد المائة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم إن يعيش هذا الغلام فعس هذا أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» .
وفي رواية: قال أنس ذلك الغلام من أترابي يومئذ.
خرجه مسلم.
وفي حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما على الأرض نفس منفوسة يعني اليوم يأتي عليها مائة سنة» .
قال أبو عيسى: هذا الحديث حسن صحيح.
ومعلوم أن أنس توفي في عشر المائة بالبصرة، فعلى هذا يكون سنة سبع وتسعين وست مائة، وهذا لم يجيء بعد، فالله تعالى أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: وبحديث أبي سعيد الخدري وابن عمر وجابر استدل من قال إن الخضر ميت ليس بحي، وقال الثعالبي في كتاب العرائس: والخضر على جمع الأقوال نبي معمر محجوب عن الأبصار.
وذكر عمرو بن دينار قال: إن الخضر وإلياس لا يزالان يحييان في سورة، فإذا رفع القرآن ماتا، وهذا هو الصحيح في الباب على ما بيناه في سورة
الكهف من كتاب جامع أحكام القرآن، والحمد الله.
فصل
وأما الثلاث عشرة خصلة: فقد ظهر أكثرها من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة» يريد فيه معاوية وعلياً كرم الله وجهه بصفين، وقد تقدم الإشارة إليهما قال القاضي أبو بكر بن العربي وهذا أول خطب طرق في الإسلام.
قلت: بل أول أمر دهم الإسلام موت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعده موت عمر.
فبموت النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي وماتت النبوءة، وكان أول أظهر الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه،
قال أبو سعيد: ما نقصنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا.
وقال أبو بكر الصديق في أبيات يرثي بها النبي صلى الله عليه وسلم:
فلتحدثن حوادث من بعده
…
تعنى بهن جوانح وصدور
وقالت صفية بنت عبد المطلب في أبيات ترثى بها النبي صلى الله عليه وسلم:
لعمرك ما أبكي النبي لفقده
…
ولكن ما أخشى من الهرج آتيا
وبموت عمر سل سيف الفتنة وقتل عثمان، وكان من قضاء الله وقدره ما يكون، وكان على ما تقدم وقوله: حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين.
الدجال ينطلق في اللغة على أوجه كثيرة يأتي ذكرها.
أحدها الكذاب كما جاء في هذا الحديث.
وصحيح مسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون» الحديث، ولا يجمع ما كان على فعال جمع التكسير عند الجماهير من النحويين لئلا يذهب بناء المبالغة منه، فلا يقال إلا دجالون، كما قال عليه الصلاة والسلام «وإن كان قد جاء مكسراً» وهو شاذ أنشد سيبويه لابن مقبل:
إلا الإفادة فاستولت ركائبنا
…
عند الجبابير بالبأساء والنقم
وقال مالك بن أنس في محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة
نحن أخرجناه من المدينة.
قال عبد الله بن إدريس الأودي: وما عرفت أن دجالاً يجمع على دجالة حتى سمعتها من مالك بن أنس.
وقوله: قريب من ثلاثين قد جاء عددهم معيناً في حديث حذيفة قال: قال رسول الله: «تكون في أمتي دجالون كذابون سبعة وعشرون.
منهم أربع نسوة، وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي» خرجه أبو نعيم الحافظ وقال: هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام، ووجد في كتابه بخط أبيه حدث به أحمد بن حنبل عن علي بن المديني.
وقال القاضي عياض: هذا الحديث قد ظهر فلو عد من تنبأ من زمني النبي إلى الآن ممن أشهر بذلك وعرف واتبعه جماعة على ضلالته، لوجد هذا العدد فيهم ومن طالع كتاب الأخبار والتواريخ عرف صحة هذا.
وقوله: حتى يقبض العلم، فقد قبض العمل به ولم يبق إلا رسمه على ما يأتي بيانه.
وقوله: وتكثر الزلازل فقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع منها بعراق العجم كثير، وقد شاهدنا بعضها بالأندلس وسيأتي
وقوله: ويتقارب الزمان قيل: المعنى يتقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، كما هو اليوم لغلبة الفسق وظهور أهله.
وفي الحديث: لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف الله عز وجل يلجأ إليهم عند الشدائد ويستقسي بآرائهم ويتبرك بدعائهم وآثارهم، وقيل: غير هذا حسب ما تقدم في باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه.
وقوله: حتى يكثر فيكم المال فيفيض وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته هذا مما لم يقع بل يكون على ما يأتي ورب مفعول يهم ومن يقبل فاعل يهم.
يقال: أهمني ذلك الأمر أحزنني وأقلقني وهمه يهمه إذا بالغ في ذلك وقوله: حتى يتطاول الناس في البنيان هذا مشاهد في الوجوه مشاهدته تغني عن الكلام فيه.
وقوله: حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه.
ذلك لما يرى من عظيم البلاء وربح الأعداء وغبن الأولياء ورئاسة الجهلاء وخمول
العلماء واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم والجهر بالمعاصي واستيلاء الحرام على أموال الخلق والتحكم في الأبدان والأموال والأعراض بغير حق، كما في هذا الزمان، وقد تقدم أول الكتاب حديث أبي عيسى الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم «بادروا بالأعمال ستاً» .
الحديث.
وروى الأعمش سليمان بن مهران، عن عمرو بن مرة، عن أبي نضرة، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: يوشك أن يأتي على الناس زمان يغبط فيه خفيف الحاذ كما يغبط اليوم أبو عشرة، ويغبط الرجل باختفائه عن السلطان وجفائه عنه كما يغبط اليوم بمعرفته إياه وكرامته عليه، وحتى تمر الجنازة في السوق على الجماعة فينظر إليها الرجل تهتز بهذا رأسه، فيقول يا ليتني مكان هذا.
قال قلت يا أبا ذر: وإن ذلك من أمر عظيم؟ قال: يا ابن أخي عظيم عظيم.
قلت: هذا هو ذلك الزمان الذي قد استولى فيه الباطل على الحق، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكساً والحق عكساً لا يوصل إليه ولا يقدر عليه.
بدلوا دين الله وغيروا حكم الله سماعون للكذب أكالون للسحت {ومن لم يحكم بما
أنزل الله فأولئك هم الكافرون} و {الظالمون} و {الفاسقون} في الكفار خاصة كلها، وقيل عامة.
فيمن بدل حكم الله وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله: اليهود والنصاري؟ قال: فمن» .
ولقد أحسن ابن المبارك حيث يقول في أبيات له:
وهل أفسد الدين إلا الملوك
…
وأخبار سوء ورهبانها
وقوله: حتى تطلع الشمس من مغربها إلى آخره يأتي القول فيه إن شاء الله تعالى واللقحة: الناقة العزيزة اللبن، ويليط يصلح.
يقال: لاط حوضه يليط ويلوط ليطاً ولوطاً إذا لطخه بالطين وأصلحه، والأكلة بضم الهمزة اللقمة فإذا كانت بمعنى المرة الواحدة فهي بالفتح لأنها مصدر، وهي المرة الواحدة من الأكل كالضربة من الضرب، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاجله من أمر الساعة ما يمنع من تمام فعله، واقترب من ذلك رفع الأكلة وهي اللقمة إلى فيه فتقوم الساعة دون بلوغها إليه، وكذلك القول في المتتابعين من نشر الثوب وطبه، فاعلمه.
باب منه
أبو نعيم الحافظ «عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون في آخر الزمان عباد جهال وقراءة فسقة» هذا حديث غريب من حديث ثابت لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية عن ثابت وهو قاض بصري في حديثه نكارة.
قلت: صحيح المعنى لما ظهر في الوجود من ذلك.
وقال مكحول: [يأتي على الناس زمان يكون عالمهم أنتن من جيفة الحمار] .
وقد خرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول قال: «حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا حوشب بن عبد الكريم: حدثنا حماد بن زين عن أبان عن أنس قال: قال رسول الله يكون في آخر زمان ديدان القراء فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهم الأنتنون، ثم تظهر قلانس البرد فلا يستحى يومئذ من الزنا والمتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمرة والمتمسك يومئذ بدينه أجره كأجر خمسين قالوا: منا أو منهم؟ قال: بل منكم» .
وأخرج الدارمي أبو محمد قال: «أخبرنا محمد بن المبارك: حدثنا صدقة بن خالد، عن ابن جابر، عن شيخ يكنى أبا عمرو، عن معاذ بن جبل قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرأونه لا يجدون له شهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب.
أعمالهم طمع لا يخالطهم خوف إن قصدوا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا.
إنا لا نشرك بالله شيئاً، وقد تقدم في باب {وقودها الناس والحجارة} حديث العباس بن عبد المطلب وفيه ثم يأتي أقوام يقرأون القرآن فإذا قرأوه قالوا من قرأ منا من أعلم منا، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل ترون في أولئك من
خير؟ قالوا: لا قال أولئك منكم وأولئك من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار» .
باب منه
«وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تذهب الليالي حتى يملك رجل يقال له الجهجاه» في غير مسلم رجل من الموالي يقال له جهجاه، فسقط من رواية الجلودي من الموالي وهو خطأ.
«وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان بسوق الناس بعصاه» .
وخرج البخاري ومسلم «عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» .
الترمذي «عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستخرج نار من حضرموت قبل القيامة قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالشام» قال حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن عمر.
البخاري «عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب» .
الترمذي «عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دنياكم شراركم» قال هذا حديث غريب خرجه ابن ماجه أيضاً.
وذكر عبد الرزاق قال «أخبرنا معمر، عن أشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه قال، فقعد الذئب على تل فأقعى واستقر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته ثم انتزعته مني، فقال الرجل بالله إن رأيت كاليوم، ذئب يتكلم! فقال الذئب أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم.
قال: فكان الرجل يهودياً، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وأسلم فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها أمارات بين يدي
الساعة قد يوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده» .
الترمذي «عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى يكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره، فخذه بما أحدث أهله بعده» قال هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرف إلا من حديث القاسم بن الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: حكم أبو عيسى بصحته ونظرنا سنده دون أن نقلده، فوجدناه له علة.
قال أبو عيسى: حدثنا سفيان بن وكيع: حدثنا أبي، عن القاسم بن الفضل قال: حدثنا أبو نضرة العبدي، عن أبي سعيد الخدري فذكره، قال ابن دحية: سفيان بن وكيع لم يخرج له البخاري ومسلم حرفاً واحداً في صحيحهما، وذلك بسبب وراق كان له يدخل عليه الحديث الموضوع يقال له قرطمة.
قال البخاري: يتكلمون في سفيان لأشياء لقنوه إياه.
وقال أبو محمد بن عدي: كان سفيام إذا لقن يتلقن، فهذه علة
الحديث التي جهلها أبو عيسى الترمذي.
فصل حول ذي الخلصة والخلصة
ثبت حديث ذي الخلصة في الصحيحين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جرير بن عبد الله البجلي إلى هذا البيت قال جرير: فنفرت إليها مائة وخمسين من أخمس فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده» .
قال أبو الخطاب بن دحية: وذو الخلصة بضم الخاء واللام في قول أهل اللغة واليسير وبفتحها قيدناه في الصحيحين، وكذا قال ابن هشام، وقيده الإمام أبو الوليد الكنائي الوقشي بفتح الخاء وسكون اللام، وكذا قال ابن زيد واختلف فيه فقيل، هو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب، وقيل: هو صنم كان عمرو بن لحي نصبه بأسفل مكة حتى نصبت الأصنام في مواضع شتى، وكانوا يلبسونه القلائد ويعلقون عليه بيض النعام ويذبحون عنده،
وقيل: ذو الخلصة هي الكعبة اليمانية، فكان معناهم في تسميتها بذلك أن عبادة خالصة، والمعنى المراد بالحديث أنهم يرتدون ويرجعون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان، فترسل نساء دوس طائفات حوله فترتج أردافهن عند ذلك في آخر الزمان، وذلك بعد موت جميع من قلبه مثقال حبة من إيمان وهو كم جاء في عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تذهب الليالي والأيام حتى تعبد اللات والعزى» الحديث وسيأتي بكماله.
وقوله: يسوق الناس بعصاه.
كناية عن استقامة الناس وانقيادهم إليه واتفاقهم عليه، ولم يرد نفس العصا، وإنما ضرب بها مثلاً لطاعتهم له واستيلائه عليهم إلا أن في ذكرها دليلاً على خشونته عليهم وعسفه بهم وقد قيل: إنه يسوقهم بعصاه كما تساق الإبل والماشية، وذلك لشدة عنفه وعدواه ولعل هذا الرجل القحطاني هو الرجل الذي يقال له الجهجاه، وأصل الجهجهة الصياح بالسبع.
يقال: جهجهت بالسبع أي زجرته بالصياح ويقال: جهجه عني.
أي انته.
وهذه الصفة توافق ذكر العصا والله أعلم.
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية عائذ بن عمرو وكان ممن بايع تحت الشجرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن شر الرعاة الحطمة» والرعاة في اللغة جمع راع، وضرب رسول الله بهذا مثلاً لوالي السوء، لأن الحطمة هو الذي يعنف بالإبل في السوق والإيراد والإصدار، فيحطمها أي يكسرها ولا يكاد يسلم من فساده شيء وسواق حطم كذلك يعنف في سوقه.
وقوله: حتى تخرج نار من أرض الحجاز، فقد خرجت نار عظمة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة، وذلك ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة إلى ضحى النهار يوم الجمعة، فسكنت وظهرت النار بقرطبة عند قاع التنعيم بطرف الحرة يحيط بها قرى في صورة البلد العظيم كأعظم ما يكون البلدان.
عليها سور يحيط بها عليه شرافات كشرافات الحصون وأبراج ومآذن ويرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دوي كدوي الرعد، يأخذ الصخور والجبال بين يديه، وينتهي إلى البحرة محط الركب العراقي، فأجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم وانتهت النار إلى قرب المدينة، وكان يلي المدينة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم نسيم بارد ويشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر، وانتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها.
قال لي بعض أصحابنا: ولقد رأيتها صاعدة في الهواء من جحر مسيرة خمسة أيام من المدينة.
قلت: وسمعت أنها رئيت من مكة ومن جبال بصرى من بعد هذه النار أخرى أرضية بحرم المدينة أحرقت جميع الحرم، حتى إنها أذابت الرصاص التي عليها العمد، فوقعت ولم يبق غير
السور واقفاً، ونشأ بعد ذلك أخذ بغداد يتغلب التتر عليها، فقتل من كان فيها وسباه وذلك عمود الإسلام وماؤه، فانتشر الخوف وعظم الكرب وعم الرعب وكثر الحزن، فانتشار التتر في البلاد وبقي الناس حيارى سكارى بغير خليفة ولا إمام ولا قضاء فزادت المحنة وعظمت الفتنة لم يتدارك الله سبحانه بالعفو والفضل والمنة.
أما قوله: وستخرج نار من حضرموت أو من نحو حضرموت قبل القيامة فلعلها النار التي جاء ذكرها في حديث حذيفة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لتقصدنكم اليوم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له برجوت يغشى الناس فيها عذاب أليم تأكل الأنفس والأموال، تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام تطير طير الريح والسحاب حرها بالليل أشد من حرها بالنهار، ولها بين الأرض والسماء دوي كدوي الرعد القاصف.
هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش قلت: يا رسول الله هي يومئذ على المؤمنين والمؤمنات؟ قال: وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ؟ هم شر من الحمر يتسافدون كما تتسافد البهائم وليس فيهم رجل يقول: مه مه» كذا رواه أبو نعيم الحافظ في باب مكحول أبي عبد الله إمام أهل الشام عن أبي سلمة عنه عن حذيفة.
وقوله: عذبة سوطه.
يريد السير المعلق في طرف السوط.
وفي هذين الحديث ما يرد على كفرة الأطياء والزنادقة الملحدين، وأن الكلام ليس مرتبطاً بالهيبة والبله، وإنما الباري جلت قدرته يخلقه متي شاء في أي شاء من جماد أو حيوان على ما قدره الخالق الرحمن، فقد كان الحجر والشجر يسلمان عليه صلى الله عليه وسلم تسليم من نطق وتكلم.
ثبت ذلك في غير ما حديث، وهو قول أهل أصول الدين في القديم والحديث، وثبت باتفاق
حديث البقرة والذئب، وأنهما تكلما على ما أخبر عنهما صلى الله عليه وسلم في الصحيحين.
قاله ابن دحية.
وقوله: حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً.
إخبار عن خروج عادتهم من إنتاج الكلأ ومواضع العشب بحفر الأنهار وغرس الأشجار وبناء الديار.
باب منه آخر
أبو عمر بن عبد البر، «عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بين يدي الساعة التسليم على الخاصة وفشو التجارة، حتى تعيب المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام، وفشو القلم وظهور شهادة الزوور وكتمان شهادة الحق» قال أبو عمر ابن عبد البر: أما قوله: وفشو القلم، فإنه أراد ظهور الكتاب وكثرة الكتاب.
خرجه أبو جعفر الطحاوي بلفظه ومعناه، إلا أنه قال: حتى تعين المرأة بدل تعيب ولم يذكر وقطع الأرحام.
ذكره أبو محمد عبد الحق.
وخرج أبو داود الطيالسي يقال: «حدثنا ابن فضالة عن الحسن قال: قال
عمرو بن ثعلبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة، وإن من أشراط الساعة أن تكثر التجارة ويظهر القلم» .
وذكر ابن المبارك بن فضالة «عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم ويفيض المال ويظهر القلم وتكثر التجارة» قال الحسن: لقد أتى علينا زمان إنما يقال تاجر بني فلان وكاتب بني فلان ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد والكاتب الواحد، وذكره أبو داود الطيالسي، عن عبد الله بن مسعود قال: كان يقال إن من أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقاً وأن يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة، وأن يتجر الرجل وامرأته جميعاً، وأن تغلو مهور النساء والخيل، ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة.
باب منه
أخرجه مسلم من حديث أنس.
فصل
قوله: «ويرى الرجل يتبعه أربعون امرأة» يريد والله أعلم أن الرجال يقتلون في الملاحم وتبقى نساؤهم أرامل، فيقبلن على الرجل الواحد في قضاء حوائجهن ومصالح أمورهن، كما قال في الحديث الآخر قبله: حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد الذي يسوسهن ويقوم عليهن من بيع وشراء وأخذ وعطاء، وقد كان هذا عندنا أو قريباً منه بالأندلس.
وقيل: إن لقلة الرجال وغلبة الشبق على النساء يتبع الرجل الواحد أربعون امرأة كل واحدة تقول أنكحني أنكحني، والأول أشبه، ويكون معنى يلذن يستترن ويتحرزن من الملاذ الذي هو السترة لا من اللذة.
ولقد أخبرني صاحبنا أبو القاسم رحمه الله أخو شيخنا أبو العباس أحمد ابن عمر رحمه الله: أنه ربط نحواً من خمسين امرأة واحدة بعد أخرى في حبل واحد مخافة سبي العدو حتى خرجوا من قرطبة أعادها الله.
وأما ظهور الزنا، فذلك مشهور في كثير من الديار المصرية.
من ذلك مأثور، ومن ذلك إظهار الخمر والمأخوذ