الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخرة هو في برزخ، والبرزخ في كلام العرب الحاجز بين الشيئين.
ومن قوله تعالى: {وجعل بينهما برزخاً} أي: حاجزاً وكذلك هو في الآية من وقت الموت إلى البعث فمن مات فقد دخل في البرزخ وقوله تعالى: {ومن ورائهم برزخ} أي من أمامهم وبين أيديهم.
باب ذكر النفخ الثاني للبعث في الصور
وبيانه وكيفية البعث وبيانه.
وأول من تنشق عنه الأرض.
وأول من يحيى من الخلق.
وبيان السن الذي يخرجون عليه من قبورهم.
وفي لسانهم.
وبيان قوله تعالى {وألقت ما فيها وتخلت} قال الله عز وجل {يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة} وقال: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} وقال {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وقال {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً} وسماه الله تعالى أيضاً بالناقور في قوله تعالى {فإذا نقر في الناقور} .
قال المفسرون: الصور ينقر فيه مع النفخ الأول لموت الخلق على ما يأتي بيانه، قال الله تعالى مخبراً عن كفار قريش {ما ينظرون} أي ما ينظرون كفار آخر هذه الأمة الدائنون بدين أبي جهل وأصحابه ـ إلا صيحة واحدة ـ يعني النفخة الأولى التي يكون بها هلاكهم {تأخذهم وهم يخصمون} أي يختصمون في أسواقهم وحوائجهم.
قال الله: {لا تأتيكم إلا بغتة} {
فلا يستطيعون توصية} أي أن يوصوا {ولا إلى أهلهم يرجعون} أي من أسواقهم وحيث كانوا {إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون} ، {ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث} النفخة هي النفخة الثانية نفخة البعث.
والصور: قرن من نور يجعل فيه الأرواح يقال إن فيه من الثقب على عدد أرواح الخلائق على ما يأتي.
قال مجاهد هو كالبوق ذكره البخاري، فإذا نفخ فيه صاحب الصور النفخة الثانية ذهب كل روح إلى جسده {فإذا هم من الأجداث} أي القبور {ينسلون} أي يخرجون سراعاً يقال نسل ينسل وينسل بالضم أيضاً: إذا أسرع في مشيه فالمعنى يخرجون مسرعين وفي الخبر: أن بين النفختين أربعين عاماً.
وسيأتي.
وفي البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور} : الصور: قال: و [الراجفة] النفخة الأولى [والرادفة] الثانية.
وروي عن مجاهد أنه قال: للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور قاموا مذعورين عجلين ينظرون مايراد بهم لقوله تعالى:{ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وقد أخبر الله عز وجل عن الكفار أنهم يقولون {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} ؟ فيقول لهم الملائكة أو المؤمنون على اختلاف المفسرين {هذا
ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} وقيل إن الكفار هم القائلون: {هذا ما وعد الرحمن} وذلك أنهم لما بعثوا لما بعثوا قال بعضهم لبعض {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} ؟ صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به ثم قالوا: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} فكذبنا به أقروا حين لم ينفعهم الإقرار ثم يؤمر بحشر الجميع إلى الموقف للحساب.
وقال عكرمة: إن الذين يغرقون في البحر تقتسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شيء إلا العظام، فنلقيها الأمواج إلى الساحر فتمكث حيناً ثم تصير حائلة نخرة، ثم تمر بها الإبل فتأكلها ثم تسير الإبل فتبعر.
ثم يجيء قوم فينزلون فيأخذون ذلك البعر فيوقدونه.
ثم تخمد تلك النار فيجيء الريح فيلقي ذلك الرماد على الأرض فإذا جاءت النفخة {فإذا هم قيام ينظرون} يخرج أولئك وأهل القبور سواء {إن كانت إلا صيحة واحدة} أي نفخة واحدة {فإذا هم جميع لدينا محضرون} .
قال علماؤنا رحمهم الله: فالنفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور وغيرهم، فيعيد الله الرفات من أبدان الأموات، ويجمع ما تفرق منها في البحار وبطون السباع وغيرها، حتى تصير كهيئاتها الأولى، ثم يجعل فيها الأرواح فتقوم الناس كلهم أحياء حتى السقط، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن السقط ليظل محبنطئاً على باب الجنة.
ويقال له: ادخل الجنة فيقول لا حتى يدخل أبواي» وهذا السقط
هو الذي تم خلقه، ونفخ فيه الروح قال الله تعالى:{وإذا الموؤدة سئلت} فدل على أن المؤودة تحشر وتسأل، ومن قبرها تخرج وتبعث.
وأما من لم ينفخ فيه الروح فهو سائر الأموات سواء قاله الحاكم أبو الحسين بن الحسن الحليمي رحمه الله في كتاب منهاج الدين له.
وبالحقيقة إنما خروج الخلق بدعوة الحق قال الله تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} فتقومون فتقولون: سبحانك اللهم وبحمدك.
قالوا: فيوم القيامة يوم يبدأ بالحمد، ويختم به.
قال الله تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} وقال في آية أخرى {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} .
الترمذي، «عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لصور؟ قال: قرن ينفخ فيه» قال هذا حديث حسن.
«و
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ» ؟ فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: قولوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل} قال حديث حسن.
«وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماأطرق صاحب الصور منذ وكل به مستعداً بحذاء العرش مخافة أن يؤمر بالصيحة قبل أن يرتد طرفه كأن عينيه كوكبان دريات» أخرجه أبو الحسن بن صخر في فوائده وغيره.
«وخرج ابن المبارك ومؤمل بن إسماعيل وعلي بن معبد عن ابن مسعود حديثاً ذكر فيه قال: ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه، والصور قرن فلا يبقى لله خلق في السموات والأرض إلا مات إلا ما شاء ربك.
ثم يكون بين النفختين ماشاء الله أن يكون، فليس من بني آدم خلق إلا وفي الأرض شيء منه» زاد «مؤمل بن إسماعيل قال سفيان ـ يعني
الثوري ـ عجب الذنب قال: فيرسل الله ماء من تحت العرش: منياً كمني الرجال فتنبت جثمانهم ولحمانهم كما تنبت الأرض من الثرى» ثم قرأ عبد الله {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور} قال: «ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فينطلق كل نفس إلى جسدها حتى تدخل فيه ثممون فيجيبون إجابة رجل واحد قياماً لرب العالمين» وقال ابن المبارك ومؤمل: «ثم يقومون فيحيون تحية واحدة» .
وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود قال:[فيقومون فيحيون تحية رجل واحد قياماً لرب العالمين] قوله [فيحيون] التحية تكون في حالين:
أحدهما: أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم وهذا هو المعنى الذي في هذا الحديث ألا تراه يقول: [قياماً لرب العالمين] .
والوجه الآخر: أن ينكب على وجهه باركاً وهذا هو الوجه المعروف عند الناس، وقد حمله بعض الناس على قوله [فيخرون سجداً لرب العالمين] فجعل السجود هو التحية وهذا هو الذي يعرفه الناس من التحية.
«و
روي عن علي بن معبد عن أبي هريرة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في طائفة من أصحابه وساق الحديث بطوله إلى قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه {لله الواحد القهار} ثم {تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} فيبسطها بسطاً ثم يمدها مد الأديم العكاظي {لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً} ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى: من كان في بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها.
ثم ينزل الله عليكم ماء من تحت العرش يقال له: ماء الحياة فتمطر السماء عليكم أربعين سنة حتى يكون الماء من فوقكم اثني عشر ذراعاً.
ثم يأمر الله عز وجل الأجساد فتنبت كنبات الطراثيث.
وكنبات البقل حتى إذا تكلمت أجسادكم فكانت كما كانت يقول الله عز وجل: ليحى حملة العرش فيحيون.
ثم يقول: ليحى جبريل وميكائيل وإسرافيل فيأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور، ثم يدعو الله تعالى الأرواح فيؤتى بها.
تتوهج أرواح المسلمين نوراً والأخرى مظلمة فيأخذها الله فيلقيها في الصور.
ثم يقول لإسرافيل انفخ نفخة البعث فينفخ فتخرج الأرواح كلها كأمثال النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي ليرجع كل روح إلى جسده
فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد
…
ثم تدخل في الخياشيم فتمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم.
وأنا أول من تنشق الأرض عنه فتخرجون منها شباباً كلكم أبناء ثلاث وثلاثين واللسان يومئذ بالسريانية سراعاً إلى ربهم ينسلون {مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر} {ذلك يوم الخروج} {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً} فتوقفون في موقف عراة غلفاً غرلاً مقدار سبعين عاماً ويعرقون حتى تبلغ منهم الأذقان، ويلجمهم فيضجون ويقولون: من يشفع لنا إلى ربنا» ؟ وساق الحديث بطوله في الشفاعة.
وسيأتي حديث الشفاعة في صحيح مسلم وغيره إن شاء الله تعالى.
وخرج الختلي أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم في كتاب الديباج له: «حدثني أبو بكر بن الحارث بن خليفة، حدثنا محمد بن جعفر المدائني، عن سلام بن مسلم الطويل، عن عبد الحميد، عن نافع، عن ابن عمر، عن
النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت} قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول من تنشق عنه الأرض فأجلس جالساً في قبري، فينفتح لي باب إلى السماء بحيال رأسي حتى أنظر إلى العرش، ثم يفتح لي باب من تحتي حتى أنظر إلى الأرض السابعة، حتى أنظر إلى الثرى، ثم يفتح لي باب عن يميني حتى أنظر إلى الجنة ومنازل أصحابي، وإن الأرض تحركت تحتي فقلت: ما بالك أيتها الأرض؟ قالت: أن ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي، وأن أتخلى فأكون كما كنت إذ لا شيء في فذلك قوله عز وجل:{وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت} أي سمعت وأطاعت وحق لها أن تسمع وتطيع {يا أيها الإنسان} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ذلك الإنسان» .
وروي في تفسير قوله تعالى {يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية} إن هذا خطاب للأرواح بأن ترجع إلى أجسادها {إلى ربك} أي صاحبك كما تقول: رب الغلام، ورب الدار، ورب الدابة، أي صاحب الغلام وصاحب الدار وصاحب الدابة {فادخلي في عبادي} أي في أجسادهم من مناخرهم كما ورد في الخبر المتقدم.
وقد روي أن الله تعالى خلق الصور حين فرغ من خلق السموات والأرض.
وأن عظم دارته كغلظ السماء والأرض،
وفي حديث أبي هريرة: «والذي نفسي بيده إن أعظم دارة فيه لكعرض السماء والأرض» وسيأتي.
وروي: «أن له رأسين رأساً بالمشرق ورأساً بالمغرب» .
فالله أعلم.
فصل: الصور: بالصاد قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء، وهي نفخة الصعق ويكون معها نقر لقوله تعالى:{فإذا نقر في الناقور} أي في الصور فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر والنفخ لتكون الصيحة أشد وأعظم.
ثم يمكث الناس أربعيم عاماً، ثم ينزل الله ماء كمني الرجال على ما تقدم، فتكون منه الأجسام بقدرة الله تعالى، حتى يجعلهم بشراً كما روي في قصة الذين يخرجون النار قد صاروا حمماً.
إنهم يغتسلون من نهر بباب الجنة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل.
وعن ذلك عبر في حديث أبي هريرة المتقدم في صحيح مسلم وغيره «فينبتون نبات البقل» فإذا تهيأت الأجسام، وكملت نفخ في الصور نفخة البعث من غير نقر، لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها لا تنقيرها من أجسادها فالنفخة الأولى للتنقير، وهي نظير صوت الرعد الذي قد يقوى فيمات منه ونظير الصيحة: الصيحة الشديدة التي يصيحها الرجل بصبي فيفزع منه
فيموت، فإذا نفخ للبعث من غير نقر كما ذكرنا خرجت الأرواح من المجال التي هي فيه فتأتي كل روح إلى جسدها فيحييها الله.
كل ذلك في لحظة كما قال تعالى: {فإذا هم قيام ينظرون} {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} وعند أهل السنة أن تلك الأجساد الدنيوية تعاد بأعيانها وأعراضها بلا خلاف بينهم.
قال بعضهم: بأوصافها.
فيعاد الوصف أيضاً كما يعاد الجسم واللون.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: وذلك جائز في حكم الله وقدرته وهين عليه جميعه.
ولكن لم يرد بإعادة الوصف خبر.
قلت: فيه أخبار كثيرة في هذا الباب بعد هذا.
فصل: وليس الصور جمع صورة كما زعم بعضهم أي ينفخ في صور الموتى بدليل الأحاديث المذكورة، والتنزيل يدل على ذلك.
قال الله تعالى: {ثم نفخ فيه أخرى} ولم يقل: فيها، فعلم أنه ليس جمع صورة.
قال الكلبي: لا أدري ما الصور؟ ويقال: هو جمع صورة مثب بسرة وبسر أي ينفخ فيصور الموتى: الأرواح وقرأ الحسن: {يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة} .
قلت: وإلى هذا التأويل في أن الصور بمعنى الصور جمع صورة.
ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى وهو مردود بما ذكرنا.
وأيضاً لا ينفخ في
الصور للبعث مرتين بل ينفخ مرة واحدة، وإسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور الذي هو القرن والله سبحانه يحيي الصور فينفخ فيها الروح كما قال تعالى:{فنفخنا فيه من روحنا} و {نفخت فيه من روحي} .
قال ابن زيد: يخلق الله الناس في الأرض الخلق الآخر ثم يأمر السماء فتمطر عليهم أربعين يوماً فينبتون فيها حتى تنشق عن رؤوسهم كما تنشق عن رأس الكمأة.
فمثلها يومئذ مثل الماخض تنتظر أن يأتيها أمر الله فتطرحهم على ظهرها.
فلما كانت تلك النفخة طرحتهم.
قال علماؤنا: والأمم مجمعون على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام.
قلت: قد جاء حديث يدل على أن الذي ينفخ في الصور غير إسرافيل خرجه أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أحمد بن القاسم قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن عبد الله بن الحارث قال: كنت عند عائشة وعندها كعب الأحبار فذكر كعب إسرافيل فقالت عائشة: يا كعب أخبرني عن إسرافيل؟ فقال كعب عندكم العلم.
قالت: أجل فأخبرني.
فقال: «له أربعة أجنحة جناحان في الهواء،
وجناح قد تسربل به وجناح على كاهله، والعرش على كاهله، والقلم على أذنه، فإذا نزل الوحي كتب القلم ثم درست الملائكة، وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه، وقد نصب الأخرى، ملتقم الصور، محنياً ظهره، شاخصاً ببصره، ينظر إلى إسرافيل، وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور» قالت عائشة؟ هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
غريب من حديث كعب لم يروه عنه إلا عبد الله بن الحارث، ورواه خالد الحذاء عن الوليد أبي بشر عن عبد الله بن رباح عن كعب نحوه.
فصل: قلت: وما خرجه أبو عيسى الترمذي وغيره يدل على أن صاحب الصور إسرافيل عليه السلام ينفخ فيه وحده.
وحديث أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه يدل على أن معه غيره.
وقد خرج أبو بكر البزار في مسنده، وأبو داود في كتاب الحروف من كتاب السنن «من حديث عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل» فلعل لأحدهما قرناً آخر ينفخ فيه والله أعلم.
وذكر أبو السري عناد بن السري التيمي الكوفي.
قال: حدثنا
أبو الأحوص، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرو قال:[ما من صباح إلا وملكان يقولون: يا طالب الخير أقبل، ويا طالب الشر أقصر، وملكان موكلان يقولان: اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً، وملكان موكلان يقولان سبحان الملك القدوس، وملكان موكلان بالصور] قال: وحدثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال: [ما من صباح مثله سواء] وزاد بعد قوله: [وملكان موكلان بالصور: ينتظران متى يؤمران فينفخان] وعطية لا يحتج أحد بحديثه على ماذكره أبو محمد عبد الحق وغيره.
فصل: واختلف في عدد النفخات: فقيل ثلاث: نفخة الفزع لقوله تعالى {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين} ونفخة الضعف ونفخة البعث، لقوله تعالى:{ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وهذا اختيار ابن العربي وغيره.
وسيأتي.
وقيل: هما نفختان.
ونفخة الفزع هي نفخة الصعق، لأن لا زمان لها أي فزعوا ماتوا منه.
والسنة الثابتة على ما تقدم من
حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمر وغيرهما يدل على أنهما نفختان لا ثلاث وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.
قال الله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} فاستثنى هنا كما استثنى في نفخة الفزع فدل على أنهما واحدة.
وقد روي ابن المبارك «عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بين النفختين أربعون سنة.
الأولى: يميت الله تعالى بها كل حي.
والأخرى: يحيى الله بها كل ميت» وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
وقال الحليمي جهنم اتفقت الروايات على أن بين النفختين أربعين سنة.
وذلك بعد أن يجمع الله تعالى ما تفرق من أجساد الناس من بطون السباع، وحيوانات الماء وبطن الأرض، وما أصاب النيران منها بالحرق، والمياه بالغرق، وما أبلته الشمس، وذرته الرياح.
فإذا جمعها وأكمل كل بدن منها.
ولم يبقى إلا الأرواح جمع الأرواح في الصور، وأمر إسرافيل عليه السلام فأرسلها بنفخة من ثقب الصور، فرجع كل ذي روح إلى جسده بإذن الله تعالى.
وجاء في بعض الأخبار ما يبين أن من أكله طائر أو سبع: حشر من جوفه.
وهو ما رواه الزهري «عن أنس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة يوم أحد وقد جذع ومثل به فقال: لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع والطير»