الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقال: إن الكعبة لم تخل من طواف طائف يطوف بها إلا يوم مات المغيرة بن حكيم، فإنها خلت لانحشار الناس لجنازته تبركاً بها ورغبة في الصلاة عليه.
وقد شوهد من جنائز الصالحين من يشيعها الطير ويسير معها حيث سارت منهم: أبو الفيض ذو النون المصري، وأبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي حدث بذلك الثقات: قاله أبو محمد عبد الحق في كتاب العاقبة له.
باب منه في صفة أهل الجنة وأهل النار
مسلم «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» قال الحافظ ابن دحية أبو الخطاب الرواية بالياء بلا خلاف وتحكم أبو اليد الكتاني فرواه بالثناء المثلثة وهي المنتصبة وهذا خطأ منه وتصحيف.
وخرجه مسلم أيضاً «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير» .
فصل: للعلماء في تأويل هذا الحديث وجهان:
أحدهما: أنها مثلها في الخوف والهيبة والطير أكثر الحيوانات خوفاً حتى قالوا أحذرمن غراب، وقد غلب الخوف على كثير من السلف حتى انصدعت قلوبهم فماتوا.
الثاني: أنه مثلها في الضعف والرقة كما جاء في الحديث الآخر في أهل اليمن هم أرق قلوباً وأضعف أفئدة.
قلت: ويحتمل وجهاً ثالثاً أنها مثلها خالية من كل ذنب سليمة من كل عيب لا خبرة لهم بأمور الدنيا، كما روي «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الجنة البله» وهو حديث صحيح أي البله عن معاصي الله والله أعلم.
قال الأزهري: الأبله في كلامهم على وجوه: يقولون عيش أبله إذا كان ناعماً ومنه أخذ بلهنية العيش.
قال بعضهم: وطالما عشت في بلهنية.
والأبله الذي لا عقل له، والأبله الذي طبع على الخير وهو غافل عن الشر لا يعرفه، وقال هذا هو المراد بالحديث.
وقال العتبي: البله هم الذين غلب عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس وأنشد:
ولقد لهوت بطفلة ميالة
…
بلهاء تطلعني على أسرارها
يعني أنها أغراء لا دهاء فيها:
قلت: ونظير ما ذكرناه وما قاله هؤلاء من الكتاب قوله تعالى {إلا من أتى الله بقلب سليم} وقوله عليه السلام وقد سئل أي الناس أفضل؟ قال: «الصادق اللسان المخموم القلب قالوا: أما الصادق اللسان فقد عرفناه أنه ذلك فما المخموم القلب؟ قال: النقي الذي لا غل فيه ولا حسد» ذكره أبو عبيده والعرب تقول خممت البيت أي كنسته ومنه سميت الخمامة وهي مثل القمامة والكناسة.
وقال بعض العلماء في البله وجهاً آخر لطيفاً وهو: أنهم سموا بذلك لقصورهم عن كمال المعرفة بحق الله تعالى ورؤية استحقاقه العبادة وإيثار طلبه والشغف بحبه وخدمته، وطلب رضاه الذي هو جنة الخلد إذا وقفوا بخواطرهم على الجنة ونعيمها، وعبدوه، وأطاعوا في نيل درجاتها ولذاتها غافلين عن مراقبة جلاله وملاحظة كماله بعكوف همهم على نيل نعمه وأفضاله، فهم بله أيضاً بالإضافة إلى العقلاء عن الله عز وجل ذوي الألباب المقبلة على مشاهدة عظمة الله تعالى، المتوجهين بكليتهم إليه المشغولين به عما لديه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في سياق قوله:«أكثر أهل الجنة البله وعليون لأولي الألباب» وفي الخبر: أن طائفة من العقلاء بالله عز وجل تزفهم الملائكة إلى الجنة