الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّعْدَانِ وَمَنْ مَعَهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالُوا: عَضْلٌ وَالْقَارَةُ -أَيْ كَغَدْرِ قَبِيلَةِ عَضْلٍ، وَقَبِيلَةِ القارَةِ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُ أَكبَرُ، أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ"، ثُمَّ تَقَنَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبِهِ فَاضْطَجَعَ وَمَكَثَ طَوِيلًا، فَاشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ الْبَلَاءُ وَالْخَوْفُ حِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اضْطَجَعَ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَمْ يَأتِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ خَيْرٌ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:"أَبْشِرُوا بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ"(1).
*
اشْتِدَادُ الْخَوْفِ وَظُهُورُ النِّفاقِ:
وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَضَاقَ الْأَمْرُ وَخِيفَ عَلَى الذَّرَارِي وَالنِّسَاءِ، وَأَتَاهُمْ الْأَحْزَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، وَزَاغَتِ الْأَبْصَارُ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (2).
وَهَذَا الْمَقْطُعُ مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ يَتَوَلَّى تَشْرِيحَ حَدَثٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الضَّخْمَةِ فِي تَارِيخِ الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَفِي تَارِيخِ الْجَمَاعَةِ الْمسْلِمَةِ، وَيَصِفُ مَوْقِفًا مِنْ مَوَاقِفِ الامْتِحَانِ الْعَسِيرَةِ، وَهُوَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ. . . وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا النَّصَ
(1) انظر سيرة ابن هشام (3/ 244) - دلائل النبوة للبيهقي (3/ 429).
(2)
سورة الأحزاب آية (10 - 11).
الْقُرْآنِيَّ، وَطَرِيقَةَ عَرْضِهِ لِلْحَادِثِ، وَأُسْلُوبَهُ فِي الْوَصْفِ وَالتَّعْقِيبِ وَوُقُوفَهُ أَمَامَ بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَالْحَوَادِثِ، وَالْحَرَكَاتِ وَالْخَوَالِجِ، وَإِبْرَازَهُ لِلْقِيَمِ وَالسُّنَنِ. . . مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ نُدْرِكُ كَيْفَ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى يُرَبِّي هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالْأَحْدَاثِ وَالْقُرْآنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ (1).
أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ فَتًى مِنَّا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحِبْتُمُوهُ؟
قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي. قَالَ: فكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟
قَالَ حُذَيْفَةُ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ، قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، وَلَجَعَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَنْدَقِ. . .، فَقَالَ:"مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمَّ يَرْجعُ -يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجْعَةَ- أَسْأل اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ"، فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ القوْمِ، مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَشِدَّةِ الْجُوعِ، وَشِدَّةِ الْبَرْدِ (2).
وَنَجَمَ (3) النِّفَاقُ، وتَكَلَّمَ الذِينَ فِي قلوبِهِمْ مَرضٌ بِمَا فِي نُفُوسِهِم حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا
(1) في ظِلالِ القرآن (5/ 2832).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (23334) - وابن إسحاق في السيرة (3/ 255).
(3)
نَجَمَ: ظَهَرَ. انظر النهاية (5/ 20).