الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَوَاجُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها
وَفِي شَوَّالَ مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْهِجْرَةِ (1) تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، وَهِيَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيَّةُ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا وَابْنِ عَمِّهَا أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ رضي الله عنه، وَكَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ: سَلَمَةَ، وَعُمَرَ، وَزَيْنَبَ، وَدُرَّةَ.
وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أجُرْنِي في مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا".
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2).
أَخْرَجَ الإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ
(1) انظر سير أعلام النبلاء (2/ 210) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (8/ 287).
(2)
أخرج هذا الحديث الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الجنائز - باب ما يُقال عند المصيبة - رقم الحديث (918) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (26635) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (5754).
البُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، أَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: مَرْحبًا بِرَسُولِ اللَّهِ، إِنَّ فِيَّ خِلَالًا (1) ثَلَاثًا: أَنَا امْرَأَةٌ شَدِيدَةُ الغَيْرَةِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ (2)، وَأَنَا امْرَأَةٌ لَيْسَ مِنْ أَوْليَائِي أَحَدٌ شَاهِدًا يُزَوِّجُنِي.
فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ غَيْرَتِكِ، فَإِنِّي أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهَا عَنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ صِبيتِكِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَكْفِيهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ أنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدًا فَيُزَوِّجُكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدًا وَلَا غَائِبًا يَكْرَهُنِي".
فَقَالَتْ لِابْنِهَا (3):
(1) خِلَال: أي خِصَال. انظر لسان العرب (4/ 201).
(2)
مُصْبِيَة: بضم الميم وسكون الصاد وكسر الباء: أي ذات صبيان. انظر النهاية (3/ 11).
(3)
قلتُ: اختلف فيمن وَليَ زواجَ الرسول صلى الله عليه وسلم من أمِّ سلمة، فقيل عُمَرُ بن أبي سلمة، كما روى ذلك الطحاوي - رقم الحديث (5751) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (26669).
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 105): ظنَّ بعض الرواة أنه ابنها عمر، فرواه بالمعنى، وقال: فقالت لابنها، وذَهِلَ عن تعذُّر ذلك عليه لصِغَرِ سنه، إذ كان له من العمر يومئذ ثلاث سنين؛ لأن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تزوجها في سنة أربع، ومات صلى الله عليه وسلم ولعمر تسع سنين.
قلت: ومما يؤكد صغر سن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه ما أخرجه البخاري في صحيحه - رقم الحديث (5376) - ومسلم في صحيحه - رقم الحديث (2022) عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلامًا في حِجْرِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فقال لي:"يا غُلَام! سَمِّ اللَّه، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يَلِيك".
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (10/ 654): قوله (غلامًا): أي دون البلوغ، يُقال للصبي من =
زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فزَوَّجَهُ (1).
وَفِي رِوَايَةِ ابنِ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: جَاءَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطِبُنِي، فَقُلْتُ: مِثْلِي لَا يُنْكَحُ، أَمَّا أَنَّا، فَلَا وَلَدَ فِيَّ، وَأَنَا غَيُورٌ ذَاتُ عِيَالٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَنَا أَكبَرُ مِنْكِ، وَأَمَّا الغَيْرَةُ فيذْهِبُهَا اللَّهُ، وَأَمَّا العِيَالُ، فَإِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ"، فتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2).
وَكَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يأْتِيهَا لِيَدْخُلَ بِهَا، فَإِذَا رَأَتْهُ أَخَذَتْ بِنْتَهَا زَيْنَبَ فَجَعَلَتْهَا في حِجْرِهَا (3) لِتُرْضِعَهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيِيًّا كَرِيمًا يَسْتَحْيِي، فَيَنْصِرَفُ، فَجَاءَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه وَأَخَذَ زَيْنَبَ، فَدَخَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي
= حيثُ يُولد إلى أن يبلغ الحلم: غلام.
وقيل: زوجها لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابنها سلمة بن أبي سلمة رضي الله عنها.
قال الإمام الذهبي في السير (3/ 408): سلمة بن أبي سلمة، طال عمره، وما روى كلمة، وهو الذي زوج رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بأمه أم سلمة رضي الله عنها.
وذكر الحافظ في الإصابة (3/ 126) قول ابن إسحاق: بأن سلمة بن أبي سلمة هو الذي زوج رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بأمه أم سلمة رضي الله عنها، ثم قال الحافظ: وهذا أثبت من قول من قال: إن الذي زوج رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أم سلمة ابنها عمر بن أبي سلمة.
(1)
أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (5751) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (26669) - وصحَّحه الحافظ في الإصابة (8/ 405).
(2)
أخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب النكاح - باب ذكر وصف تزويج المصطفى صلى الله عليه وسلم أم سلمة - رقم الحديث (4065).
(3)
الحِجْر: الحِضْن: انظر النهاية (1/ 330).
سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: . . . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِيهَا، فَإِذَا جَاءَ أَخَذَتْ زَيْنَبُ، فَوَضَعَتْهَا في حِجْرِهَا لِتُرْضِعَهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيِيًّا كَرِيمًا، يَسْتَحْيِي، فَيَرْجِعُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَفَطِنَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه لِمَا تَصْنَعُ، فَأَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ وَجَاءَ عَمَّارُ، وَكَانَ أَخَاهَا لِأُمِّهَا (1)، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَانْتَشَطَهَا (2) مِنْ حِجْرِهَا، وَقَالَ: دَعِي هَذِهِ المَقْبُوحَةَ (3) المَشْقُوقَةَ التِي آذَيْتِ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ في البَيْتِ، وَيَقُولُ:"أَيْنَ زُنَابُ؟ مَا فَعَلَتْ زُنَابُ"؟
قَالَتْ: جَاءَ عَمَّارٌ، فَذَهَبَ بِهَا، قَالَ: فَبَنَى بِأَهْلِهِ (4).
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَابْنِ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ قَالَ: . . . فتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "إِنِّي آتِيكُمْ اللَّيْلَة"، قَالَتْ: فَأَخْرَجْتُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ كَانَتْ في جَرَّتِيْ (5)، وَأَخْرَجْتُ شَحْمًا، فَعَصَدْتُ (6) لَهُ، قَالَ: فَبَاتَ، ثُمَّ أَصْبَحَ، فَقَالَ
(1) في رواية ابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (2949) قال: وكان عمار بن ياسر أخاها من الرضاعة.
(2)
نَشط: أي جَذَبَها ورَفَعَها إليه. انظر النهاية (5/ 49).
(3)
مَقْبُوحًا: أي مُبْعدًا. انظر النهاية (4/ 4).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (26669) - وأخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب السير - باب الحال التي يختلف فيها حال النساء - رقم الحديث (8877) - وصحح إسناده الحافظ في الإصابة (8/ 405).
(5)
الجَرَّة: هي إناءٌ معروفٌ من الفخار. انظر النهاية (1/ 251).
(6)
العَصِيدة: هي دقيقٌ يُلَتُّ بالسَّمْنِ ويُطبخ. انظر النهاية (3/ 222).