الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذِهِ الغَزْوَةُ هِيَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ بَطَلُ هَذِهِ الغَزْوَةِ سَلَمَةَ بنَ الأَكْوَعِ رضي الله عنه.
*
سَبَبُهَا:
كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِشْرُونَ لَقْحَةً (1) تَرْعَى بِالغَابَةِ، وَكَانَ عَلَيْهَا رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ الفَزَارِيُّ، فَقَتَلُوا الرَّجُلَ وَأَسَرُوا امْرَأتَهُ، وَاسْتَاقُوا اللِّقَاحَ.
*
تَحَرُّكُ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه
-:
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَمِعَ بِهِمْ سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ خَرَجَ هُوَ وَرَبَاحٌ غُلَامُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ نَحْوَ الغَابَةِ مُتَوَشِّحًا قَوْسَهُ وَنَبْلَهُ، ومَعَهُ فَرَسٌ لِطَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يَقُودُهُ، فَلَقِيَهُ غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ رضي الله عنه: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانٌ.
فَقَالَ سَلَمَةُ رضي الله عنه لِرَبَاحٍ غُلَامِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَبَاحُ خُذْ هَذَا الفَرَسَ فَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ (2)، ثُمَّ
= الحديبية، وأما ابن إسحاق في السيرة (3/ 308): فإنه لم يحدد لها تاريخًا بالضبط، وإنما جعلها في أحداث السنة السادسة للهجرة قبل الحديبية.
(1)
اللِّقْحة: بكسر اللام وفتحها: هي الناقة الغزيرة اللبن. انظر النهاية (4/ 225).
(2)
السَّرْحُ: هي الماشية. انظر النهاية (2/ 322).
وَقَفَ سَلَمَةُ رضي الله عنه عَلَى تَلٍّ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ قِبَلَ المَدِينَةِ، ثُمَّ نَادَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ.
فَأَسْمَعَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ المَدِينَةِ (1)، قَالَ سَلَمَةُ رضي الله عنه: ثُمَّ اتَّبَعْتُ القَوْمَ مَعِيَ سَيْفِي ونَبْلِي، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ، وَأَعْقِرُ (2) بِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَمَيْتُ، فَلَا يُقْبِلُ عَلَيَّ فَارِسٌ إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ، وَأَنَا أَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ
…
وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ (3)
فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَرْمِيهِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّجُلِ حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ، فَقُلْتُ: خُذْهَا
وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ
…
وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَإِذَا كُنْتُ فِي الشَّجَرِ أَحْرَقْتُهُمْ بِالنَّبْلِ، حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الجَبَلُ، فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ، عَلَوْتُ الجَبَلَ، فَجَعَلْتُ أُرْدِيهِمْ (4) بِالحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَاكَ شَأْنِي
(1) قال الإِمام النووي في شرح مسلم (9/ 115): لا بَتَي المدينة: هما الحَرَّتَان واحدتهما لابة، وهي الأرض الملبسة حجارة سوداء، وللمدنية لابتانِ شرقِيَّة وغربية، وهي بينهما. وَقَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 235): فيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جِدًا، ويحتمل أن يكون ذلك من خَوَارِقِ العادات.
(2)
أعقر بهم: أي أقتل مَرْكُوبَهُم. انظر النهاية (3/ 246).
(3)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 235): الرُّضَّع: بضم الراء وتشديد الضاد، جمع راضع وهو اللئيم، فمعناه اليوم يوم هلاك اللئام.
(4)
أرديهم: أي أرمِيهِم. انظر النهاية (2/ 198).
شَأْنِي وَشَأْنْهُمْ أَتْبَعُهُمْ فَأَرْتَجِزُ (1)، حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ظَهْرِ (2) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، فَاسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلقوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا، وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً (3) يَسْتَخِفُّونَ مِنْهَا، وَلَا يُلْقُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ أَرَامًا (4) مِنْ حِجَارَةٍ، يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَاُبهُ، حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ (5) فَجَلَسُوا يَتَغَدَّوْنَ، وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ (6)، فَأَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ بنُ بَدْرٍ الفَزَارِيُّ مَدَدًا لَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الذِي أَرَى؟
قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا البَرْحَ (7)، مَا فَارَقَنَا بِسَحَرٍ (8) حَتَّى الآنَ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا، وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَوْلَا أَنَّ هَذَا يَرَى أَنَّ وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَكُمْ، لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ، فَصَعَدُوا فِي الجَبَلِ، فَلَمَّا أَسْمَعْتُهُمُ الصَّوْتَ، قُلْتُ: أَتَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا
(1) الرجز: بحرٌ من بحور الشعر معروف، ونوع من أنواعه. انظر النهاية (2/ 182).
(2)
الظهر: الإبل. انظر النهاية (3/ 151).
(3)
البُردة: نوع من الثياب معروف. انظر النهاية (1/ 116).
(4)
الَارَامُ: الأعلام وهي حجارة تُجمع وتُنصب في المَفَازَة -أي الصحراء- يُهتدى بها. انظر النهاية (1/ 44).
(5)
الثَّنِيَّة في الجبل: هو الطريق العالي فيه. انظر النهاية (1/ 220).
(6)
قَرْن الجبل: بفتح القاف وسكون الراء أعلاه. انظر لسان العرب (11/ 135).
وفي رواية الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (16539) قال سلمة رضي الله عنه: ثم علوت الجبل.
(7)
البَرْحُ: الشدة. انظر النهاية (1/ 113).
(8)
في رواية الإِمام مسلم في صحيحه قالوا: ما فارقنا منذ غَلَس.
والغَلَس: ظلمة آخر الليل، وهو وقت السحر. انظر النهاية (3/ 339).