الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ خَرَصَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ عَامًا وَاحِدًا، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ في يَوْمِ مُؤْتَةَ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَانَهُ جَبَّارَ بنَ صَخْرٍ رضي الله عنه (1)، وَكَانَ خَارِصَ أَهْلِ المَدِينَةِ وَحَاسِبَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ (2).
*
غَدْرُ يَهُودِ خَيْبَرَ:
وَظَلَّ يَهُودُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُرَ مِنْهُمْ شَيْءٌ يَضُرُّ المُسْلِمِينَ حَتَّى عَدَوْا عَلَى ابْنِ مُحَيِّصَةَ (3) بنِ مَسْعُودٍ الأَوْسِيِّ الأَنْصَارِيِّ، فَقتَلُوهُ، وَذَلِكَ في حَيَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى وَالطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: إِنَّ ابْنَ مُحَيِّصَةَ الأَصْغَرَ أَصْبَحَ قَتِيلًا عَلَى أَبْوَابِ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَقِمْ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَنْ قتَلَهُ، أَدْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرُمتِهِ"(4)، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِنْ أَيْنَ أُصِيبُ شَاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا أَصْبَحَ قَتِيلًا عَلَى أَبْوَابِهِمْ؟ ! قَالَ صلى الله عليه وسلم:"فتَحْلِفُ خَمْسِينَ قَسَامَةً؟ "(5).
(1) هو جَبَّار بن صخر الأنصاري رضي الله عنه شهد العقبة وبدرًا وأحدًا، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، توفي رضي الله عنه سنة ثلاثين من الهجرة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو ابن ثنتين وستين سنة.
(2)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 385).
(3)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 223): مُحيِّصة: بضم الميم وتشديد الياء المكسورة.
(4)
الرُّمَةُ: بضم الراء: قِطْعَة حبل يُشد بها الأسير أو القاتل إذا قيد إلى القصاص: أي يُسلم إليهم بالحبل الذي شد به تمكينًا لهم منه لئلا يهرب. انظر النهاية (2/ 243).
(5)
القَسَامَة: بفتح القاف: اليمين، يُقْسِمُ من أولياء الدم خمسون نظرًا على استحقاقهم دم صاحبهم إذا وجدوه قتيلًا بين قوم ولم يُعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين أقْسَمَ =
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ أَحْلِفُ عَلَى مَا لَا أَعْلَمُ؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَتَسْتَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسِينَ قَسَامَةً".
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ نَسْتَحْلِفُهُمْ وَهُمُ اليَهُودُ.
فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِيتَهُ عَلَيْهِمْ، وَأَعَانَهُمْ بِنِصْفِهَا (1).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ أنَّهُ قَالَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلى خَيْبَرَ (2) مِنْ جَهْدٍ (3) أَصَابَهُمْ، فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قُتِلَ (4) وَطُرِحَ في فَقِيرٍ (5) أَوْ عَيْنٍ، فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قتلْتُمُوهُ. قَالُوا: مَا قتَلْنَاهُ وَاللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ
= الموجودون خَمْسِينَ يمينًا، ولا يكون فيهم صَبِي، ولا امرأة، ولا مجنونٌ، ولا عَبْدٌ، أو يُقْسِمُ بها المتهمون نفي القتل عنهم، فإن حلف المدعون استَحَقُّوا الدية، وإن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية. انظر النهاية (4/ 55).
قلت: وقد فَصّل ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في زاد المعاد (5/ 9) أمر القسامة تفصيلًا جيدًا، فراجعه.
(1)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى - رقم الحديث (6896) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (4586) - وأورده الحافظ في الفتح (14/ 225) وصحح إسناده.
(2)
زاد البخاري ومسلم في صحيحيهما في رواية أخرى: وهي يومئذ صُلْحٌ.
(3)
الجَهْدُ: بفتح الجيم: المشقة. انظر النهاية (1/ 308).
(4)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (3173): فأتى مُحيّصة إلى عبد اللَّه بن سهل وهو يتشحَّطُ في دمه قتيلًا.
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 224): يتشَحَّطُ: أي يضْطَرِبُ فيَتَمَرَّغ في دمه.
(5)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 224): الفَقِير: بفتح الفاء ثم قاف مكسورة: أي حُفيرة.