الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ
قَالَ ابْنُ الْقيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا قُرَيْظَةُ، فَكَانَتْ أَشَدَّ الْيَهُودِ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَغْلَظَهُمْ كُفْرًا، وَلِذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَجْرِ عَلَى إِخْوَانِهِمْ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَالنَّضِيرِ (1).
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ: فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ مِنَ الْبَأْسِ الشَّدِيدِ، مَعَ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَذَلِكَ لِكُفْرِهِمْ وَنَقْضِهِمُ الْعُهُودَ التِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمُمَالَأَتِهِمُ الْأَحْزَابَ عَلَيْهِ، فَمَا أَجْدَى (2) ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولهِ، وَالصَّفَقَةِ الْخَاسِرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (3).
ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ نَقَضُوا الْعَهْدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَتَآمَرُوا مَعَ الْأَحْزَابِ عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَأْدِيبِهِمْ عَلَى هَذَا الْغَدْرِ.
فَفِي الْيَوْمِ الذِي رَجَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ
(1) انظر زاد المعاد (3/ 117).
(2)
فَمَا أَجْدَى: أي فما أَغْنَى. انظر لسان العرب (2/ 215).
(3)
انظر البداية والنهاية (4/ 499).
وَوَضَعُوا السِّلَاحَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِصُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ رضي الله عنه يَأْمُرُهُ بِقِتَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ.
فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ، وَوَضَعَ السِّلَاحَ، وَاغْتَسَلَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ.
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "فَإِلَى أَيْنَ؟ " قَالَ: هَهُنَا وَأَشَارَ إِلَى قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ (1).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى جِبْرِيلَ عليه السلام مِنْ خَلَلِ (2) الْبَابِ قَدْ عَصَبَ (3) رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ (4).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا فَسَلَّمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَنَحْنُ فِي الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا فَقُمْتُ فِي أَثَرِهِ فَإِذَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ (5)، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا جِبْرِيلُ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب - رقم الحديث (4117).
(2)
الخَلَلُ: الفُرْجَةُ بينَ الشيئَيْنِ، والخَلَّةُ: الثُّقْبَةُ الصَّغيرةُ. انظر لسان العرب (4/ 199).
(3)
عَصَبَ رأسَهُ من الغُبَارِ: أي رَكِبَهُ وعَلِقَ بِهِ. انظر النهاية (3/ 221).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (24994).
(5)
هو دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه صحابي مشهور، أول مشاهده أُحد، ولم يشهد بدرًا، =