الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَرَجَةِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ لِشَوَاهِدِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يوْمَ الْخَنْدَقِ عِنْ أَرْبَعِ (1) صَلَوَاتٍ، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ طَافَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَا عَلَى الْأَرْضِ عِصَابَةٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عز وجل غَيْرُكُمْ"(2).
*
إِسْلَامُ نُعَيمِ بْنِ مَسْعُودٍ وَخِدَاعُهُ الْمُشْرِكِينَ:
وَبَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الشِّدَّةِ، وَهَذَا الْخَوْفِ الذِي وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي
(1) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (2/ 267): وفي قوله رضي الله عنه: "أربع" تَجَوُّزٌ؛ لأنَّ العشاء لم تكن فاتت. قال اليعمري: من الناس من رجّح ما في الصحيحين، وصرح بذلك ابن العربي، فقال: إن الصحيح أن الصلاة التي شُغِل عنها واحدة، وهي العصر.
قلت (القائل الحافظ): ويؤيده حديث علي رضي الله عنه في صحيح مسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر"، قال: ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أيامًا، فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام، قال: وهذا أولى.
قلت (القائل الحافظ): ويقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر رضي الله عنه، بل فيهما أن قضاءه للصلاة وقع بعد خروج وقت المغرب.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (3555) - وأخرجه الترمذي في جامعه- كتاب الصلاة - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟ - رقم الحديث (177) - وأخرجه الطيالسي في مسنده - رقم الحديث (331) - وأخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب أبواب قضاء الفوائت - باب كيف يقضي الفائت من الصلاة - رقم الحديث (1602) - قال الترمذي: حديث عبد اللَّه ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد اللَّه.
قلت: لكنه يتقوى بكثرة شواهده، منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي مرَّ قبل قليل.
كِتَابِهِ، مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، وَرَمْيِهِمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، إِذْ يُحْدِثُ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَمْرًا وَهُوَ: إِسْلَامُ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه.
وَدَعُونَا نَتْرُكُ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُحَدِّثُنَا بِنَفْسِهِ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، قَالَ رضي الله عنه: لَمَّا سَارَتِ الْأَحْزَابُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، سِرْتُ مَعَ قَوْمِي وَأَنَا عَلَى دِينِي ذَلِكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِي عَارِفًا، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ فكَتَمْتُ ذَلِكَ قَوْمِي، وَخَرَجْتُ حَتَّى أتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَآنِي جَلَسَ ثُمَّ قَالَ:"مَا جَاءَ بِكَ يَا نُعَيْمُ؟ ".
قُلْتُ: إِنِّي جِئْتُ أُصَدِّقُكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِي فِي الدَّلَائِلِ: قَالَ نُعَيْمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنْ قَوْمِي فَمُرْنِي أَمْرَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ (1) عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ: فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ"(2).
(1) تَخَاذَلَ القومُ: تَدَابَرُوا. انظر لسان العرب (4/ 45).
(2)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (6/ 269): أَصْلُ الخَدْعِ: إِظْهَارُ أمرِ وإِضْمَارُ خلافِهِ، وفي هذا الحديث: التحريض على أخذ الحَذَرِ في الحرب، والندب إلى خِدَاعِ الكفار، وأن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه، وفيه الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب.
وقال الإمام النووي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في شرح مسلم (12/ 40): واتفقوا على جواز خِدَاعِ الكفار في الحرب كيفما أمكن، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة" أخرجه البخاري في صحيحه - رقم الحديث (3030) - =
قَالَ نُعَيْمٌ: وَلَكِنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ائْذَنْ لِي فَأَقُولُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"قُلْ مَا بَدَا لَكَ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ"، فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا (1) فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ! قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ، وَخَاصَّةً مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: صَدَقْتَ، لَسْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَأَنْتُمْ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ، فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تُحَوِّلُوا مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وِإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ قَدْ جَاؤُوا لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ ظَاهَرتُمُوهُمْ (2) عَلَيْهِ، وَبَلَدُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بِغَيْرِهِ، فَلَيْسُوا كَأَنْتُمْ، فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً (3) أَصَابُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَحِقُوا ببلَادِهِمْ وَخَلُّوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ بِبَلَدِكُمْ، وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ إِنْ خَلَا بِكُمْ، فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا (4) مِنْ أَشْرَافِهِمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمَّدًا، حَتَّى تُنَاجِزُوهُ (5)، فقالوا له: لقد أَشَرْتَ بِالرَّأي.
ثُمَّ خَرَجَ نُعَيْمٌ رضي الله عنه، حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ
= وأخرجه مسلم في صحيحه - رقم الحديث (1739).
(1)
النَّدِيمُ: هو الذي يُرافقُك ويُشاربُك. انظر لسان العرب (14/ 95).
(2)
تَظَاهَرُوا عليه: تَعَاونوا. انظر لسان العرب (8/ 277).
(3)
النّهْزَةُ: الفُرْصَةُ، وانتهَزْتُهَا: اغْتَنَمْتُهَا. انظر النهاية (5/ 119).
(4)
الرَّهْنُ: ما وُضِعَ عند الإنسان مما ينوب منابَ مَا أُخِذَ منه. انظر لسان العرب (5/ 348).
(5)
الْمُنَاجَزَةُ في الحرب: الْمُبارَزَةُ. انظر النهاية (5/ 18).