الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَيْفِيَّاتٌ حَمَلَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَحَمَلَهَا آخَرُونَ عَلَى التَّوَسُّعِ وَالتَّخْيِيرِ (1).
وَبِذَلِكَ شُرِعَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ التِي تَدُلُّ عَلَى يُسْرِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاحَتِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ (2).
*
انْحِرَافُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَنْ طَرِيقِ المُشْرِكِينَ وَنُزُوُلهُ بِالحُدَيْبِيَةِ:
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَفَادَى الِاصْطِدَامَ وَالِاشْتِبَاكَ مَعَ خَيْلِ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:"مَنْ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِمْ التِي هُمْ بِهَا؟ ".
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا وَعِرًا أَجْرَلَ (3) بَيْنَ شِعَابٍ (4)، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْهُ، وَقَدْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَأَفْضَوْا (5) إِلَى أَرْضٍ سَهْلَةٍ عِنْدَ مُنْقَطَعِ الوَادِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ:"قُولُوا نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ"، فَقَالُوا ذَلِكَ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"وَاللَّهِ إِنَّهَا لَلْحِطَّةُ التِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَقُولُوهَا"(6).
(1) انظر فتح الباري (8/ 188).
(2)
انظر السِّيرة النَّبوِيَّة (2/ 323) للدكتور محمّد أبو شهبة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(3)
الجَرَلُ: الخَشِنُ من الأرض الكثير الحجارة. انظر لسان العرب (2/ 256).
(4)
الشِّعب: بكسر الشين: ما انفَرَجَ بين جبلين. انظر لسان العرب (7/ 128).
(5)
أفْضَى: بلغ بهم. انظر لسان العرب (10/ 283).
(6)
قال اللَّه تَعَالَى في سورة البقرة آية (58): {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} . =
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المُسْلِمِينَ فَقَالَ: "اسْلُكُوا ذَاتَ اليَمِينِ"، بَيْنَ ظَهْرَيْ الحَمْضِ فِي طَرِيقٍ تُخْرِجُهُمْ عَلَى ثَنِيَّةِ (1) المِرَارِ (2) مَهْبَطِ الحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَسَلَكَ الجَيْشُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا رَأَتْ خَيْلَ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ (3) الجَيْشِ قَدْ خَالفوا عَنْ طَرِيقِهِمْ، نَكَصُوا رَاجِعِينَ إِلَى قُرَيْشٍ (4).
وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا وَصَلَ إِلَى ثَنِيَّةِ المِرَارِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "مَنْ يَصْعَدُ (5) الثَّنِيَّةَ، ثَنِيَّةَ المِرَارِ، فَإِنَّهُ يَحُطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ"(6).
= قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في تفسير هذه الآية (1/ 275): وحاصِلُ الأمر: أنهم أُمِرُوا أن يخضَعُوا للَّه تَعَالَى عند الفتح بالفعل والقولِ، وأن يعتَرِفُوا بذنوبهم ويستغفروا منها. . . وإذا فعلتم ما أمَرْنَاكم من الاستغفار والشكر غفرنا لكم الخطيئات وضاعفنا لكم الحسنات. لكنهم لم يفعلوا ما أُمِروا به فذهب عليهم الأجر من اللَّه تَعَالَى.
(1)
الثنِيَّة: هو الطريق العالي في الجبل. انظر النهاية (1/ 220).
(2)
المِرارُ: بكسر الميم، وبضمها: موضعٌ بين مكة والمدينة من طريق الحديبية. انظر النهاية (1/ 220).
(3)
القَتَرَة: بفتح القاف: الغُبَارُ. انظر النهاية (4/ 11).
(4)
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910) - وابن إسحاق في السيرة (3/ 338) وإسناده حسن.
(5)
قال ابن الأثير في النهاية (1/ 220): وإنما حثَّهُم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم علي صُعُودها لأنها عَقَبَة شاقّة وصَلُوا إليها ليلًا، فرغبهم في صعودها.
(6)
الذي حُط عن بني إسرائيل هو ذنوبهم، قال تَعَالَى في سورة البقرة آية (58):{وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} . وانظر النهاية (1/ 220).