الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّجَلُّدَ (1)، مَعَهُمُ الدُّفُوفُ وَالمَزَامِيرُ، وَالقِيَانُ (2) يَعْزِفْنَ خَلْفَهْمُ.
فَسَارَ أَكْثَرُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ كَسَلَّامِ بنِ أَبِي الحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بنُ الرَّبِيعِ، وَحُيَيُّ بنُ أَخْطَبٍ، إلى خَيْبَرَ، فَلَمَّا نَزَلُوهَا دَانَ (3) لَهُمْ أَهْلُهَا، وَسَارَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إلى الشَّامِ (4).
*
أُخُوّةُ الأَنْصَارِ وَاليَهُودِ قَبْلَ الإِسْلَامِ:
وَكَانَ في بَنِي النَّضِيرِ مِنْ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ؛ لِأَنَّ المَرْأَةَ مِنْهُمْ كَانَتْ إِذَا لَمْ يَعِشْ لَهَا وَلَدٌ تَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنَّ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ.
فَقَدْ أَخْرَجَ ابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ، وَالطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (5)، قَالَ: كَانَتِ المَرْأَةُ مِنَ الأَنْصَارِ لَا يَكَادُ يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فتَحْلِفُ: لَئِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُهَوِّدَنَّهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ إِذَا فِيهِمْ نَاسٌ مِنْ أَبْنَاءَ الأَنْصَارِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْنَاؤُنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيةَ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} .
(1) الجَلَدُ: القُوَّة والصبر. انظر النهاية (1/ 275).
(2)
القِيَان: الإماء المُغَنِّيَاتُ. انظر النهاية (4/ 118).
(3)
دَانَ لهم أهلُهَا: أي أطاعتْهُم وخضَعَتْ لهم. انظر لسان العرب (4/ 459).
(4)
انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 278) - دلائل النبوة للبيهقي (3/ 359).
(5)
سورة البقرة آية (256).
قَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: فَمَنْ شَاءَ لَحِقَ بِهِمْ، وَمَنْ شَاءَ دَخَلَ في الإِسْلَامِ (1).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ في شَرْحِ المُشْكِلِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا مَعَهُمْ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيِّرُوا أَصْحَابَكُمْ، فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ، فَهُمْ مِنْكُمْ، وَإِنِ اخْتَارُوهُمْ، فَهُمْ مِنْهُمْ"، قَالَ: فَأَجْلَوْهُمْ مَعَهُمْ (2).
* أَوَّلُ فَيْءٍ (3) في الإِسْلَامِ:
وَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا ترَكُوهُ مِنَ الأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ، فَوَجَدَ خَمْسِينَ دِرْعًا وَخَمْسِينَ بَيْضَةً (4)، وَثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَيْفًا، وَكَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ وَأَرْضُهُمْ وَدِيَارُهُمْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ، وَلَمْ يُخَمِّسْهَا؛ لِأَنَّ اللَّه أَفَاءَهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجِفِ (5) المُسْلِمُونَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ (6).
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب الإيمان - باب التكليف - رقم الحديث (140) - وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (4279).
(2)
أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (4280).
(3)
الفَيْءُ: هو ما حَصَلَ للمسلمين من أموال الكُفَّار من غير حَرْبٍ ولا جِهَاد. انظر النهاية (3/ 434).
(4)
البَيْضَةُ: الخُوذَةُ. انظر النهاية (1/ 169).
(5)
الإيجَافُ: سرعَةُ السَّير، وقد أوجف دابته: إذا حثها. انظر النهاية (5/ 137).
(6)
قال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه فقه السيرة ص 193: اتَّفق الأئمة =
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} (1).
فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أكْثَرَهَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ خَاصَّةً لِفَقْرِهِمْ، وَبِذَلِكَ أَغْنَى اللَّهُ تَعَالَى المُهَاجِرِينَ، وَأَزَالَ فَاقتهُمْ (2)، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِمَّا بَقِيَ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ في السِّلَاحِ وَالكُرَاعِ (3) عُدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ (4).
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ في السِّلَاحِ وَالكُرَاعِ عُدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ (5).
= على أن ما غنمه المسلمون من أعدائهم بدون قِتَال، (وهو الفَيْءُ) يعود النظر والتصرُّف فيه إلى ما يراه الإِمام من المصلحة، وأنه يجب عليه تقسِيمُه بين الجيش كما تقسم عليهم الغنائم التي غَنِمُوها بعد قتال وحرب، مسَتِدِّلين على ذلك بِسِيَاسَتِهِ صلى الله عليه وسلم في تقسيم فيءِ بني النضير، وقد نَزَل القرآن مُصَوِّبًا لذلك.
(1)
سورة الحشر آية (6).
(2)
الفاقَةُ: الحاجة والفقر. انظر النهاية (3/ 432).
(3)
الكُرَاع: بضم الكاف هي: الخيل. انظر النهاية (4/ 143).
(4)
انظر الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 278).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب المجن ومن يترس بترس صاحبه - رقم الحديث (2904) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير -=
قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ رضي الله عنه: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ: أَيْ يَعْزِلُ لَهُمْ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُنْفِقُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ في وُجُوهِ الخَيْرِ، فَلَا تَتِمُّ عَلَيْهِ السَّنَةُ، وَلِهَذَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عَلَى شَعِيرٍ اسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ (1)، وَلَمْ يَشْبَعْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا (2)، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِكَثْرَةِ جُوعِهِ صلى الله عليه وسلم وَجُوعِ عِيَالِهِ (3).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّخْلَاتِ، حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدّ عَلَيهِم (4).
= باب حكم الفيء - رقم الحديث (1757)(48) - وأخرج الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (4352).
(1)
أخرج الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (2916) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: توفي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير.
(2)
أخرج الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الرقائق - باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رقم الحديث (6454) - ومسلم في صحيحه - كتاب الزهد والرقائق - رقم الحديث (2970)(21) - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعًا من خبز بُر، حتى مضى لسبيله.
(3)
انظر كلام الإمام النووي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في شرح صحيح مسلم (12/ 61).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب حديث بني النضير - رقم الحديث (4030) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم - رقم الحديث (1771)(71) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (13291).