الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَتْ: فَلَمَّا لَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا احْتَجَزْتُ (1)، ثُمَّ أَخَذْتُ عَمُودًا، ثُمَّ نَزَلْتُ مِنَ الْحِصْنِ إِلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتَّى قتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْحِصْنِ، فَقُلْتُ: يَا حسَّانُ انْزِلْ إِلَيْهِ فَاسْلُبْهُ (2) فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعُنِي مِنْ سَلْبِهِ إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ، قَالَ: مَا لِي بِسَلْبِهِ مِنْ حَاجَةٍ (3).
*
اشْتِدَادُ الْحِصَارِ وَسَعْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُصَالَحَةِ غَطفانَ:
وَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ الْبَلَاءُ وَالْحِصَارُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ
= وقال ابنُ عبد البرِّ في الاستيعاب (1/ 405): وقال أكثرُ أهل الأَخبارِ والسِّيَرِ: إِنَّ حسانًا كان من أجبنِ النَّاس، وذكروا من جُبْنِهِ أشياءً مُسْتَشْنَعَةً، كَرِهْتُ ذِكْرَهَا لِنَكَارَتِها، ولَوْ كان حقًّا ما قَالُوا من أنَّه كَانَ جَبَانًا لهُجِيَ به.
قلتُ: وَأَمَّا مَوْقِفُهُ رضي الله عنه هذا معَ صفيَّةَ وعَدَمُ قتلِهِ لليهودي، فإنَّ ذلك كان بسببِ عجزِهِ لِكِبَرِ سِنِّهِ رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: إن النبي صلى الله عليه وسلم قدمَ المدينةَ ولِحَسَّانٍ سِتونَ سنةً، فيكون عمره خمسة وستون سنة يوم الخندق.
وقال الحافظ في الإصابة (2/ 56): والجمهور على أنه عاش مائة وعشرين سنة.
(1)
احْتَجَزَ الرجلُ بالإِزَارِ: إذا شَدَّهُ على وَسَطِهِ. انظر النهاية (1/ 332).
(2)
السَّلْبُ: هو ما يأخذُهُ أحدُ القَرينَيْنِ في الحربِ من قَرينِهِ ممَّا يكون عليه ومعه مِنْ سِلاح وثياب ودابة وغيرِها، انظر النهاية (2/ 348).
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب ذكر شجاعة صفية يوم الخندق - رقم الحديث (6952) - وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: عُرْوَةُ لم يُدْرِكْ صَفِيَّةَ - وأورده الحافظ في الفتح (6/ 378) - وقوى إسناده، وعزَاهُ إلى الإمام أحمد في المسند، ولم أجده في المسند المطبوع - وأخرجه ابن إسحاق في السيرة (3/ 252) - وابن سعد في طبقاته (8/ 263) - والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 442).
حِصْنٍ الفزَارِيِّ وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ الْمُرِيِّ -وَهُمَا قَائِدَا غَطفانَ- لِيُصَالِحَهُمَا عَلَى إِعْطَائِهِمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَبِلَا وَجَرَتِ الْمُرَاوَضَةُ (1) عَلَى ذَلِكَ.
فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعَثَ إِلَى السَّعْدَيْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنهما، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمْرًا تُحِبُّهُ فنَصْنَعُهُ؟ أَمْ شَيْئًا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ لابُدَّ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ؟ أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا لِأنَّنِي رَأَيْتُ الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ (2) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ (3) إِلَى أَمْرٍ مَا".
فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءَ الْقوْمِ عَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأَكُلُوا مِنْهَا ثمَرَةَ إِلَّا قِرًى (4) أَوْ بَيْعًا، أَفَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِكَ وَبِهِ
(1) المُرَاوَضَةُ: هو أَنْ تواصِفَ الرَّجُلَ بالسِّلْعَةِ ليسَتْ عِندَكَ. انظر النهاية (2/ 251).
(2)
يُقالُ: هم يَتَكَالَبُونَ على كذا: أي يَتَوَاثَبُونَ عليه. انظر لسان العرب (12/ 136).
(3)
الشَّوْكَةُ: شِدَّةُ البَأْسِ. انظر لسان العرب (7/ 240).
(4)
قَرَى الضَّيْفَ: أَضَافَهُ. انظر لسان العرب (11/ 149).