الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَلْقَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، وَهِيَ قَوْلُه تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ (1) إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (2).
*
تَمَنِّي عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه نُزُولَ الحِجَابِ:
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه بِحَسَاسِيَّتِهِ المُرْهَفَةِ كَانَ يَقْتَرِحُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الحِجَابَ، وَكَانَ يَتَمَنَّاهُ عَلَى رَبِّهِ، حَتَّى نَزَلَ القُرْآنُ الكَرِيمُ مُصَدِّقًا لِاقْتِرَاحِهِ مُجِيبًا لِحَسَاسِيَّتِهِ (3).
فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْهُ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِالحِجَابِ؟
(1) قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في تفسيره (6/ 454): حَظَرَ علي المؤمنين أن يدخلوا منازل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بغير إذْنٍ، كما كانوا قبل ذلك يصنَعُونَ في بُيُوتِهم في الجاهلية وابتداءِ الإسلام، حتى غارَ اللَّه تَعَالَى لهذ الأمَّة، فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تَعَالَى هذه الأمة، ولهذا قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إيَّاكم والدخول على النساء". أخرجه البخاري في صحيحه - رقم الحديث (5232) - ومسلم في صحيحه - رقم الحديث (2172).
(2)
سورة الأحزاب آية (53).
وأخرج ذلك: البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب سورة الأحزاب - رقم الحديث (4793)(4794) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (13025).
(3)
انظر في ظلال القرآن (5/ 2877) لسيد قطب رحمه الله.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ الحِجَابِ (1).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى المَنَاصِعِ (2) -وَهُوَ صَعِيدٌ (3) أفيحُ (4) - فَكَانَ عُمرُ رضي الله عنه يقُولُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: احْجِبْ (5) نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ.
فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ رضي الله عنها زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، عِشَاءً (6)،
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب سورة الأحزاب - رقم الحديث (4790) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (157).
(2)
المَنَاصِعُ: هي المواضع التي يُتخَلَّى فيها لقضاء الحاجة. انظر النهاية (5/ 56).
(3)
الصَّعِيدُ: وجهُ الأرض. انظر جامع الأصول (2/ 323).
(4)
أفْيَحُ: كل موضعٍ وَاسع. انظر النهاية (3/ 436).
(5)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (1/ 335): أي امنعهُنَّ من الخروج من بيوتهن، بدليل أن عمر رضي الله عنه بعد نزول آية الحجاب قال لسودة: ألا قد عَرَفْنَاكِ يا سَوْدَة.
ويحتمل أن يكون أراد أوَّلًا الأمر بسَتْرِ وجوهِهِنَّ، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد أحب أيضًا أن يحجب أشخاصهن مبالغة في التَّسَتُّرِ فلم يجب لأجل الضرورة، وهذا أظهَرُ الاحتمالين.
(6)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (4795) - ومسلم - رقم الحديث (2170)(17): قالت عائشة رضي الله عنها: خرَجَتْ سودَةُ بعدَمَا ضُرِبَ الحِجَاب لحاجتها.
قال الكرماني فيما نقله عنه الحافظ في الفتح (9/ 488): وقع هنا أنه كان بعدما ضُرِبَ الحجاب، وتقدم في الوُضُوء - من صحيح البخاري - أنه كان قبل الحجاب، فالجواب: لعله وقع مرَّتين.
وَقَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (9/ 488): بل المراد بالحِجَاب الأول غير الحجاب الثاني، والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نَفْرَة من اطلاع الأجانب علي الحَرِيمِ النبوي، حتى =
وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فنَادَاهَا عُمَرُ رضي الله عنه: أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجَابِ (1).
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى، وَالبُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ آكُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْسًا (2) في قَعْبٍ (3)، فَمَرَّ عُمَرُ رضي الله عنه، فَدَعَاهُ صلى الله عليه وسلم، فَأَكَلَ، فَأَصَابَتْ إِصْبَعُهُ إِصْبَعِي، فَقَالَ: حَسِّ (4)، لَوْ أُطَاعَ فِيكُنَّ مَا رَأَتْكُنَّ عَيْنٌ، فنَزَلَ الحِجَابُ (5).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: وَيُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ قِصَّةِ زَيْنَبَ، فَلِقُرْبِهِ مِنْهَا أُطْلِقَتْ نُزُولُ الحِجَابِ بِهَذَا السَّبَبِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الأَسْبَابِ (6).
= صَرّح بقوله له صلى الله عليه وسلم: -احجب نساءك-، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قَصَدَ بعد ذلك أن لا يُبدِينَ أشخاصهن أصلًا، ولو كنّ مُسْتَتِرَاث، فبالغ في ذلك، فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقَّة ورفعًا للحرج.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الوضوء - باب خروج النساء إلى البراز - رقم الحديث (146) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب السلام - باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان - رقم الحديث (2170)(18).
(2)
الحَيْسُ: هو الطعام المُتَّخَذُ من التمر والأقِطِ والسَّمْن. انظر النهاية (1/ 449).
(3)
القَعْبُ: هو القَدَح الضخم، الغليظ. انظر لسان العرب (11/ 235).
(4)
حَسِّ: بكسر السين والتشديد: كلمة يقولها الإنسان إذا أصابَهُ ما مَضَّهُ وأحرَقَهُ غَفْلَةً، كالجَمْرَةِ والضَّرْبَةِ، ونحوهما. انظر النهاية (1/ 370).
(5)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب التفسير - باب سورة الأحزاب - رقم الحديث (11355) - والبخاري في الأدب المفرد - رقم الحديث (808).
(6)
انظر فتح الباري (9/ 488).