الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ ضَرْبَة أَصَابَتْهَا يَوْمَ خَيْبَرٍ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ، فَأُتِيَ بِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ، فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةَ (1).
وَاشْتَدَّ الصَّحَابَةُ حَتَّى انْهَارَتْ مُقَاوَمَةُ اليَهُودِ بَعْدَ مَقْتَلِ مَرْحَبٍ وإخْوَتِهِ، وَيَئِسُوا مِنْ مُقَاوَمَةِ المُسْلِمِينَ، فَتَسَلَّلُوا مِنْ هَذَا الحِصْنِ إِلَى حِصْنِ الصَّعْبِ، وَاقْتَحَمَ المُسْلِمُونَ حِصْنَ نَاعِمٍ فَفَتَحُوهُ (2).
*
فَتْحُ حِصْنِ الصَّعْبِ بنِ مُعَاذٍ:
وَكَانَ حِصنُ الصَّعْبِ الحِصْنَ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ القُوَّةِ وَالمَنَاعَةِ بَعْدَ حِصْنِ نَاعِمٍ، وَقَدْ تَسَلَّلَ إِلَيْهِ مَنْ فَرَّ مِنَ اليَهُودِ مِنْ حِصْنِ نَاعِمٍ، فبدَأَ الحِصَارُ عَلَيْهِ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللِّوَاءَ إِلَى الحبابِ بنِ المُنْذِرِ رضي الله عنه، فَأَقَامَ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
*
تَحْرِيمُ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ:
وَقَدْ أَصَابَ المُسْلِمِينَ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، فَذَبَحُوا حُمُرا مِنْ حُمُرِ الإِنْسِ، وَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، وَطَبَخُوا لُحُومَهَا فِي القُدُورِ، فَلَمَّا عَلِمَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة خيبر - رقم الحديث (4206) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (16514).
(2)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 364).
حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكْفِؤُوا (1) القُدُورَ، وَلَا يَأْكُلُوهَا، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا لُحُومَ البِغَالِ، وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطُّيُورِ، وَحَرَّمَ أَيْضًا المُجَثَّمَةَ (2)، والخُلْسَةَ (3)، والنُّهْبَةَ (4)، وحَرَّمَ عَلَيْهِمُ المُتْعَةَ (5).
رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَصَبنَا لِلْقَوْمِ حُمُرًا خَارِجَةً مِنَ المَدِينَةِ، فنَحَرْنَاهَا، فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي، إِذْ نَادَى مُنَادِي الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:"أَنِ اكْفَؤُوا القُدُورَ، وَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الحُمُرِ شَيْئًا"(6).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما أنَّهُ قَالَ: أمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ نَيْئَةً
(1) يُكْفِؤُوا: أي يميلوا القُدُور لِيُرَاقَ ما فيها. انظر فتح الباري (8/ 263).
(2)
المُجَثَّمَة: بضم الميم وتشديد الثاء: هي كل حيوان يُنصب ويُرمى للقتل. انظر النهاية (1/ 232).
(3)
الخُلسة: بضم الخاء: هي ما يُستخلص من السَّبُعِ فيمُوت قبل أن يُذَكَّى، من خلست الشيء واختلسته إذا سلبته. انظر النهاية (2/ 58).
(4)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (11/ 76): النُّهْبَة: بضم النون وسكون الهاء: أخذ مال المسلم قهرًا جهرًا، ومنه أخذ مال الغنيمة قبل القسمة اخْتِطَافًا بغير تَسْوِيَةٍ.
(5)
أي زواج المتعة.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة خيبر - رقم الحديث (4220) وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصيد والذبائح - باب تحريم أكل الحمر الأنسية - رقم الحديث (1937)(26).
وَنَضِيجَةً، ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ بَعْدُ (1).
وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ جَاءَ جَاءٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُكِلَتْ الحُمُرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُفْنِيَتِ الحُمُرُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبَا طَلْحَةَ (2) فنَادَى: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ (3)، فَإِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجِسٌ، قَالَ: فَأكفِئَتِ القُدُورُ بِمَا فِيهَا (4).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة خيبر - رقم الحديث (4226) وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصيد والذبائح - باب تحريم أكل لحم الحمر الأنسية - رقم الحديث (1938)(31).
(2)
في رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (17741) - والنسائي في السنن الكبرى - كتاب الصيد - باب تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية - رقم الحديث (4834) أن المنادي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولفظه: فأمر عبدَ الرحمن بن عوف، فأذّن في الناس:"ألا إن لحوم الحُمُرِ الإنس لا تحل لمن شهد أني رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم".
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (11/ 89): لعل عبد الرحمن نادى أولًا بالنهي مطلقًا، ثم نادى أبو طلحة بزيادة علي ذلك، وهو قوله:"فإنها رجس"، فأكفئت القدور باللحم.
(3)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (13/ 78): والصواب تحريم لحوم الحمر الإنسية، وقد قال بذلك الجماهير للأحاديث الصريحة.
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في البداية والنهاية (4/ 581): وقد اعتنى البخاري بهذا الفصل، فأورد النهي عنها -أي عن لحوم الحمر الإنسية- من طرق جيِّدة وتحريمها مذهب جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وهو مذهب الأئمة الأربعة.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصيد والذبائح - باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية - رقم الحديث (1940)(35).
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَة، فَأَخَذُوا الحُمُرَ الإِنْسِيَّةَ (1)، فَذَبَحُوهَا وَمَلَؤُوا مِنْهَا القُدُورَ، فبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم، قَالَ جَابِرٌ: فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَفَأْنَا القُدُورَ، فَقَالَ:"إِنَّ اللَّهَ سَيَأْتِيكُمْ بِرِزْقٍ هُوَ أَحَلُّ مِنْ ذَا، وَأَطْيَبُ مِنْ ذَا"، قَالَ: فكفَأنا يَوْمَئِذٍ القُدُورَ وَهِيَ تَغْلِي، فَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ الحُمُرَ الإِنْسِيَّةَ وَلُحُومَ البِغَالِ، وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطُّيُورِ، وَحَرَّمَ المُجَثَّمَةَ، والخُلْسَةَ، وَالنُّهْبَةَ (2).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ (3)، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ.
(1) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (11/ 87): الإنسِيَّة: بكسر الهمزة وسكون النون منسُوبَةً إلى الإنس.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (14463) - وأخرجه الترمذي في جامعه - كتاب الأطعمة - باب ما جاء في كراهية أكل المصبورة - رقم الحديث (1474) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب الأطعمة - باب ذكر الزجر عن أكل لحوم البغال - رقم الحديث (5272).
(3)
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في البداية والنهاية (4/ 582): وعلى هذا الحديث يقتضي تقييد تحريم نكاح المتعة بيوم خيبر، وهو مشكل من وجهين: أحدهما: أن يومَ خيبَرَ لم يكن ثَمَّ نساء يتمتَّعون بهِنَّ إذ قد حصل لهم الاستغناء بالسَّبَايَا عن نكاح المُتْعَةِ، الثاني: أنه قد ثبت في صحيح مسلم - رقم الحديث (1406)(21) من حديث الربيع بن سبرة، عن معبد، عن أبيه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أذن لهم في المتعة زمن الفَتْحِ، ثم لم يخرج من مكة حتى نهى عنها، وقال:"إن اللَّه قد حَرَّمَهَا إلى يوم القيامة"، فعلى هذا يكون قد نهى عنها، ثم أَذِنَ فيها، ثم حُرِّمَتْ فيلزم النسخ مرتين وهو بعيد. =