الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الذِي أَخْرَجَنِي، فَدَخَلَ فَإِذَا حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ مُنْطَوَيةٌ عَلَى الْفِرَاشِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ، فَانتظَمَهَا بِهِ (1)، ثُمَّ خَرَجَ، فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ، فَمَا أَدْرِي أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَوِ الْفَتَى، فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ عز وجل يُحْيِيهِ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ"، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ بِالْمَدِينهِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"(2).
*
إِصَابَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه
-:
اسْتَمَرَّتِ الْمُنَاوَشَاتُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، فَرَمَى حِبَّانُ بْنُ العَرِقَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رضي الله عنه بِسَهْمٍ، فَأَصَابَهُ بِأَكْحَلِهِ (3).
فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو (4) آثَارَ النَّاسَ، فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه، وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، يَحْمِلُ مِجَنَّةً (5)، فَجَلَسْتُ
(1) انْتَظَمَ الصَّيْدَ: إذا طَعَنَهُ أو رماهُ حتى يُنْفِذَهُ. انظر لسان العرب (14/ 197).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب قتل الحيات وغيرها - باب قتل الحيات - رقم الحديث (2236) - وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (2938).
(3)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 174): الأَكْحَل: بفتح الهمزة والمهملة بينهما كاف ساكنة وهو عِرْقٌ في وَسَطِ الذِّرَاعِ.
(4)
أَقْفُوا: أَتْبَعُ. انظر لسان العرب (11/ 263).
(5)
المِجَنُّ: التِّرْسُ. انظر النهاية (4/ 256).
فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ، فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ، فَأنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ، قَالَتْ: وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلهِمْ، فَمَرَّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ يَقُولُ:
لَبِّثْ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا (1) حَمَلْ
…
مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ
قَالَتْ رضي الله عنها: . . . وَرَمَى سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ، فَقَطَعَهَا (2).
وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ رضي الله عنه عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ، وَالطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ مُشْكِلِ الْآثَارِ -وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: . . . فَحَسَمَهُ (3) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فتَرَكَهُ، فنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى، فَانْتفَخَتْ يَدُهُ، فَلَمَّا رَأَى سَعْدٌ ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي (4) حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي (5) مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ،
(1) الْهَيْجَا: الحُرُوبُ. انظر النهاية (5/ 247).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (25097) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب مناقب الصحابة - باب ذكر وصف دعاء سعد بن معاذ رضي الله عنه رقم الحديث (7028).
(3)
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (14/ 164): حَسَمَهُ: أي كَوَاهُ ليقطعَ دَمَهُ، وأَصْلُ الحَسْمِ القَطْعُ.
(4)
في رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (25097) - وابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (7028) قالت عائشة رضي الله عنها قال سعد: اللهم لا تمتني.
(5)
تُقِرَّ عَيْنِي: أي تُسِرَّها بذلك وتُفْرِحَهَا، وقيل معنى أَقَرَّ اللَّهُ عينَكَ: بَلَّغَكَ أُمْنِيَتَكَ حتى ترضى نفسُك وتسكن عينُك. انظر النهاية (4/ 35).
وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ (1)، فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ رضي الله عنه (2).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَةَ وَليِّهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَأَقرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، فَحَكَمَ فِيهِمْ بِقُدْرَتِهِ وَتَيْسِيرِهِ، وَجَعَلَهُمْ هُمُ الذِينَ يَطْلُبُونَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، فَحَكَمَ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ فَوْقَ سَبْعِ أَرْقِعَةٍ"(3).
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُحْمَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه إِلَى الْمَسْجِدِ لِيُطَبَّبَ فِيهِ، وَليَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ: رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ (4).
(1) في رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (25097) - وابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (7028) قالت عائشة رضي الله عنها: فَبَرِأَ كَلْمُهُ.
والكَلْمُ: الجُرْحُ. انظر النهاية (4/ 173).
(2)
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب السلام - باب لكل داء دواء - رقم الحديث (2208) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (3579).
(3)
انظر البداية والنهاية (4/ 492) - وقوله صلى الله عليه وسلم: "أَرْقِعَةٍ" يعني سبعَ سمواتٍ، وكل سَماءٍ يُقال لها رَقِيعٌ، والجمع: أَرْقِعَةُ. انظر النهاية (2/ 228).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب - رقم الحديث (4122) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب جواز قتال من نقض العهد - رقم الحديث (1769).