الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَرِيَّةُ غَالِبِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ إِلَى المِيفَعَةِ
الذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ السَّرِيَّةَ هِيَ التِي بَعَثَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَةِ (1) في حَدِيثِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما -وَهِيَ عِنْدَ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ في صَحِيحَيْهِمَا- وَكَانَتْ في رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ لِلْهِجْرَةِ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَالِبَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيَّ رضي الله عنه، في مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا إلى بَنِي عُوَالٍ وَبَنِي عَبْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ، وَهُمْ بِالمِيفَعَةِ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ المَدِينَةِ ثَمَانِيَةُ بُرُدٍ (2) بِنَاحِيَةِ نَجْدٍ، وَدَلِيلُهُمْ يَسَارٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَجَمُوا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَوَقَعُوا وَسْطَ مَحَالِّهِمْ، فَقتَلُوا مَنْ أَشْرَفَ لَهُمْ، وَاسْتَاقُوا نَعْمًا وَشَاءً، وَرَجَعُوا إلى المَدِينَةِ، وَلَمْ يَأْسِرُوا أَحَدًا.
*
قَتْلُ أُسَامَةَ رضي الله عنه مِرْدَاسَ بنَ نَهِيكٍ:
وَفِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ قَتَلَ أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما، الرَّجُلَ الذِي قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ مِرْدَاسُ بنُ نَهِيكٍ حَلِيفًا لِبَنِي مُرَّةَ مِنَ الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ،
(1) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 308): الحُرَقة: بضم الحاء وفتح الراء، نسبة إلى الحرقة، واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن جهينة، تَسمى الحُرَقة؛ لأنه حرق قومًا بالقتل فبالغ في ذلك.
(2)
البُرد: بضم الباء: وهي ستة عشر فرسخًا، والفرسخ ثلاثة أميال. انظر النهاية (1/ 116).
قَالَ أُسَامَةُ رضي الله عنه: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ (1) رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ (2) قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي (3) حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي:"يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ ".
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ مُتعَوِّذًا (4) فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"فَهَلَّا شقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَهَا فَرَقًا (5) مِنَ السِّلَاحِ؟ كيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ ، كيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ ".
(1) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 176): لم أقف على اسم الأنصاريِّ المذكور في هذه القصة.
(2)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 176): غشيناه: بفتح الغينِ والشين: أي لحقنا به حَتَّى تغطى بنا.
(3)
وقع في رواية مسلم في الصحيح - رقم الحديث (97)(160) - في حديث جندب قال: فلما رَفَع عليه السيف قال: لا إله إِلَّا اللَّه، فقتله.
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 176): ويجمع بأنه رفع عليه السيف أولًا، فلما لم يتمكن من ضربه بالسيف طعنه بالرمح.
(4)
متعوِّذًا: أي إنما أقرّ بالشهادة لاجئًا إليها ومعتصمًا بها ليدفع عنه القتل، وليس بِمُخْلص في إسلامه. انظر النهاية (3/ 287).
وفي رواية مسلم في الصحيح - رقم الحديث (97)(160) - قال أسامة رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْجَعَ في المسلمين، وقتل فلانًا وفلانًا، وسمى له نفرًا، وإني حملت عليهِ، فلما رأى السيف: قال: لا إله إِلَّا اللَّه.
(5)
الفَرَق: بالتحريك: الخوف والفزع. انظر النهاية (3/ 392).
قَالَ أُسَامَةُ رضي الله عنه: فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ (1).
زَادَ ابنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ: قَالَ أُسَامَةُ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُعَاهِدُ اللَّه أَنْ لَا أُقَاتِلَ أَحَدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (2).
قَالَ ابنُ بَطَّالٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الحَافِظُ في الفَتْحِ: كَانَتْ هَذِهِ القِصَّةُ سَبَبَ حَلِفِ أُسَامَةَ أَنْ لَا يُقَاتِلَ مُسْلِمًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ تَخَلَّفَ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه في الجَمَلِ وَصِفِّينَ، وَكَانَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه يَقُولُ: لَا أُقَاتِلُ مُسْلِمًا حَتَّى يُقَاتِلَهُ أُسَامَةُ (3).
* * *
(1) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (14/ 177): أي أن إسلامي كان ذلك اليوم؛ لأن الإِسلام يَجُبُّ ما قبله.
وأخرج ذلك كله البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات - رقم الحديث (4269) - وأخرجه في كتاب الديات - باب قوله تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} - رقم الحديث (6872) - ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إِلَّا اللَّه - رقم الحديث (96)(158) - (97)(160) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (21745) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (3227)(3228).
(2)
انظر الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 309).
(3)
انظر فتح الباري (14/ 178) - وأخرج قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: الإِمام مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إِلَّا اللَّه - رقم الحديث (96)(158).