الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُمْرَةُ القَضَاءِ
(1)
لَمَّا دَخَلَ هِلَالُ ذِي القَعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلْهِجْرَةِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِالعُمْرَةِ، كَمَا وَقَعَ في بُنُودِ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، بِأَنْ يَعْتَمِرَ المُسْلِمُونَ في العَامِ المُقْبِلِ في ذِي القَعْدَةِ.
*
خُرُوجُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إلى العُمْرَةِ وَعِدَّةُ أَصْحَابِهِ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِمَّنْ شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ إِلَّا مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ في خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ مَجْمُوعُ مَنْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلفيْنِ سِوَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
(1) اختُلِف في سبب تسميتها عُمرة القضاء، فقيل: المرادُ ما وقع من المُقَاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، فالمرادُ بالقضاءِ الفَصْل الذي وقع، لا لأنها قضاء عن العمرة التي صُدّ عن البيت فيها، فإنَّها لم تكن فَسَدَتْ حَتَّى يجب قضاؤها، بل كانت عمرةً تامة، وتسمى عُمرة القَضِيَّة؛ لأن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قاضى قريش في الحديبية على أن يعتمر العام المقبل.
وتُسمى كذلك عمرةَ القِصَاص؛ لأن قريشًا صدّوا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عام الحديبية، فاقتصَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منهم، فاعتمر في الشهر الذي صدّوه فيه من العام المقبل.
قال السُّهيلي في الرَّوْض الأُنُف (4/ 114): وهذا الاسم أولى بها لقوله تَعَالَى في سورة البقرة آية (194): {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} ، وهذه الآية نزلت فيها، فهذا الاسم أولى بها. وانظر فتح الباري (8/ 285).
وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المَدِينَةِ عُوَيْفَ بنَ الأَضْبَطِ الدَّيْلِيِّ (1) رضي الله عنه، وَسَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتِّينَ بَدَنَةً (2)، وَجَعَلَ عَلَيْهَا نَاجِيَةَ بنَ جُنْدُبٍ الأَسْلَمِيَّ رضي الله عنه، يَسِيرُ بِهَا أَمَامَهُ، مَعَهُ أَرْبَعَةُ فِتْيَانٍ مِنْ أَسْلَمَ.
وَحَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السِّلَاحَ وَالدُّرُوعَ وَالرِّمَاحَ خَوْفًا مِنْ غَدْرِ أَهْلِ مَكَّةَ.
فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى ذِي الحُلَيْفَةِ (3)، قَدَّمَ الخَيْلَ أَمَامَهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ رضي الله عنه، وَأَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَابِ مَسْجِدِ الحُلَيْفَةِ وَلَبَّى، وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ يُلَبُّونَ.
وَمَضَى مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ رضي الله عنه، في الخَيْلِ، فَلَمَّا كَانَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ (4)، وَجَدَ بِهَا نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ مَجِيئِهِ بِالخَيْلِ، فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَبِّحُ هَذَا المَنْزِلَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَرَأَوْا سِلَاحًا كَثِيرًا، مَعَ بَشِيرِ بنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، فَخَرَجُوا سِرَاعًا حَتَّى أَتَوْا مَكَّةَ، فَأَخْبَرُوا قُرَيْشًا، فَفَزِعُوا وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَحْدَثْنَا حَدَثًا، وَإِنَّا عَلَى كِتَابِنَا وَهُدْنَتِنَا، فَفِيمَ يَغْزُونَا مُحَمَّد في أَصْحَابِهِ؟
وَلَمَّا وَصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى مَرَّ الظَّهْرَانِ نَزَلَ بِهِ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) هذه رواية ابن إسحاق في السيرة (4/ 17) - وفي رواية ابن سعد في طبقاته (2/ 310): أَبا رُهم الغفاري رضي الله عنه.
(2)
البَدَنة: الإبل، سميت بدنة لعظمها وسمنها. انظر النهاية (1/ 108).
(3)
قال الحافظ في الفتح (4/ 161): ذِي الحُليفة: بضم الحاء وفتح اللام مصغرًا، وهو ميقات أهل المدينة.
(4)
مر الظهران: واد بين مكة وعُسفان. انظر النهاية (3/ 152).
وَأَصْحَابَهُ أَنَّ قُرَيْشًا تَقُولُ عَنْهُمْ: مَا يَتَبَاعَثُونَ مِنَ العَجَفِ (1)، فَقَالَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَكَلْنَا مِنْ ظَهْرِنَا (2)، فَأَكَلْنَا مِنْ شُحُومِهَا، وَحَسَوْنَا مِنَ المَرَقِ، فَأَصْبَحْنَا غَدًا حَتَّى نَدْخُلَ عَلَى القَوْمِ وَبِنَا جَمَامٌ (3)؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا، وَلَكِنْ ائْتُونِي بِفَضْلِ أَزْوَادِكُمْ".
فَبَسَطُوا أَنْطَاعَهُمْ (4)، ثُمَّ جَمَعُوا عَلَيْهَا مِنْ أَطْعِمَاتِهِمْ كُلِّهَا، فَدَعَا لَهُمْ فِيهَا بِالبَرَكَةِ، فَأَكَلُوا حَتَّى تَضَلَّعُوا (5) شِبَعًا، فَأَكْفَتُوا (6) في جُرَبِهِمْ (7) فُضُولَ مَا فَضَلَ مِنْهَا (8).
ثُمَّ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السِّلَاحَ إلى بَطْنِ يَأْجَجَ (9) حَيْثُ يَنْظُرُ إلى أَنْصَابِ الحَرَمِ (10).
(1) العَجَف: الهزال. انظر النهاية (3/ 169).
(2)
الظَّهر: الإبل التي يحمل عليها وتركب. انظر النهاية (3/ 151).
(3)
الجَمَامة: أي راحة وشبع ورِيّ. انظر النهاية (1/ 290).
(4)
النَّطع: الجلد. انظر لسان العرب (14/ 186).
(5)
تضَلَّع الرَّجل: امتلأ ما بين أضلاعه شبعًا وريًّا. انظر لسان العرب (8/ 76).
(6)
أكفتوا: أي جمعوا وضموا ما زاد من الطعام. انظر لسان العرب (12/ 117).
(7)
الجِراب: بكسر الجيم: الوعاء. انظر لسان العرب (2/ 228).
(8)
أخرج ذلك ابن حبان في صحيحه - كتاب الحج - باب دخول مكة - رقم الحديث (3812) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2782) - وإسناده صحيح.
(9)
بطنُ يأجج: مكان من مكة على ثمانية أميال. انظر معجم البلدان (8/ 492).
(10)
أنصابُ الحرم: حدوده. انظر لسان العرب (14/ 155).