الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي تَرْجَمَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها في الإِصَابَةِ (1) قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: وَلَمَّا تَنَصَّرَ زَوْجُهَا عُبَيْدُ اللَّهِ، وَارْتَدَّ عَنِ الإِسْلَامِ فَارَقَهَا، فَأَخْرَجَ ابنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بنِ عَمْرِو بنِ سعيد الأُمَوِيُّ قَالَ. . .، وَذَكَرَ القِصَّةَ التِي رَوَاهَا ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَسَبَقَتْ.
وَفِي تَرْجَمَتِهَا في التَّهْذِيبِ (2)، قَالَ: هَاجَرَتْ إلى الحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ فتَنَصَّرَ هُنَاكَ، وَمَاتَ، فتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ هُنَاكَ، سَنَةَ سِتٍّ، وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ في السِّيَرِ في تَرْجَمَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها: قَالَ ابنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا. . .، وَذَكَرَ رُؤْيَاهَا رضي الله عنها وَرِدَّةَ زَوْجِهَا، ثُمَّ قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَهِيَ مُنْكَرَةٌ (3).
وَلَمْ يبيِّنْ رحمه الله وَجْهَ النَّكَارَةِ.
*
الرَّاجِحُ أَنَّ خَبَرَ الرِّدَّةِ غَيْرُ صَحْيِحٍ:
وَمِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّ خَبَرَ رِدَّتِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ: أَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ في نِكَاحِهِ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، وَالطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثارِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ
(1) انظر الإصابة (8/ 140).
(2)
انظر تهذيب التهذيب (4/ 673).
(3)
انظر سير أعلام النبلاء (2/ 221).
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ، وَكَانَ آتى النَّجَاشِيَّ فَمَاتَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ وَهِيَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، زَوَّجَهَا إِيَّاهُ النَّجَاشِيُّ، وَأَمْهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ (1).
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: هَاجَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، وَهِيَ امْرَأتهُ إلى أَرْضِ الحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ الحَبَشَةَ، مَرِضَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، أَوْصَى إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّ حَبِيبَةَ، وَبَعَثَ مَعَهَا النَّجَاشِيُّ شُرَحْبِيلَ بنَ حَسَنَةٍ (2).
فَلَوْ كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلَامِ، وَمَاتَ نَصْرَانِيًّا، لَمَا أَوْصَى بِزَوْجَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، خَاصَّةً وَأَنَّهُ كَانَ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَسُبُّ الإِسْلَامَ -كَمَا يَذْكُرُ أَهْلُ المَغَازِي-.
مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ قِصَّةَ رِدَّةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ لَمْ تَثْبُتْ، لِعِدَّةِ أَدِلَّةٍ؛ مِنْهَا:
1 -
أَنَّهَا لَمْ تُرْوَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ، فَالمَوْصُولُ مِنْ طَرِيقِ الوَاقِدِيِّ،
(1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (27408) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (5061).
(2)
أخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب الوصية - باب ذكر إباحة وصية المرء وهو في بلد ناءٍ - رقم الحديث (6027).
وَالمُرْسَلُ جَاءَ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَحْتَجَّ بِالمُرْسَلِ (عِنْدَ مَنْ يَرَى الِاحْتِجَاجَ بِهِ) في مَسْأَلةٍ كَهَذِهِ؛ فِيهَا الحُكْمُ عَلَى أَحَدِ السَّابِقِينَ الأَوَّلينَ رضي الله عنهم بِالرِّدَّةِ.
2 -
أَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ في زَوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ حَبِيبَةَ لَمْ تَذْكُرْ رِدَّةَ زَوْجِهَا السَّابِقِ، كَمَا في الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ.
3 -
أَنَّهُ يبْعُدُ أَنْ يَرْتَدَّ أَحَدُ السَّابِقِينَ الأَوَّلينَ لِلْإِسْلَامِ عَنْ دِينهِ، وَهُوَ مِمَّنْ هَاجَرَ فِرَارًا بِدِينهِ مَعَ زَوْجِهِ، إلى أَرْضٍ بَعِيدَةٍ غَرِيبَةٍ، وَخَاصَّةً أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بنَ جَحْشٍ مِمَّنْ هَجَرَ مَا عَلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَالْتِمَاسِهِ مَعَ وَرَقَةَ وَغَيْرِهِ الحَنِيفِيَّةَ، كَمَا في رِوَايَةِ ابنِ إِسْحَاقَ -بِدُونِ سَنَدٍ- الوَارِدَةِ أَوَّلَ هَذَا البَحْثِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ عَنِ الوَاقِدِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَانَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ قَبْلَ الإِسْلَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ البِشَارَةَ ببعْثَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ يَهُودِ، وَنَصَارَى، فكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ رَجُلٍ يَتَرَقَّبُ الدِّينَ الجَدِيدَ أَنْ يَعْتَنِقَهُ ثُمَّ يَرْتَدَّ عَنْهُ لِدِينٍ مَنْسُوخٍ؟ !
كَمَا أَنَّ زَوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ حَبِيبَةَ كَانَ في سَنَةِ سِتٍّ، وَقِيلَ سَبْعٍ، وَرِدَّةُ عُبَيْدِ اللَّهِ المَزْعُومَةُ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، وَهِيَ مَرْحَلَةٌ كَانَ الإِسْلَامُ قَدْ عَلَا فِيهَا وَظَهَرَ حَتَّى خَارجَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، بَلْ أَصْبَحَ هُنَاكَ مَنْ يُظْهِرُ الإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الكُفْرَ، كَحَالِ المُنَافِقِينَ.
4 -
في حِوَارِ هِرَقْلَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ إِذْ ذَاكَ مُشْرِكًا أَنَّهُ سَأَلهُ -ضِمْنَ سُؤَالَاتِهِ-: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَأَجَابَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا (1).
وَلَوْ كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ قَدْ تَنَصَّرَ لَوَجَدَهَا أَبُو سُفْيَانَ فُرْصَةً لِلنَّيْلِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَعْوَتِهِ، كَمَا فَعَلَ لَمَّا سُئِلَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا؟
قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الكَلِمَةَ (2).
وَلَا يُمْكِنُ القَوْلُ بِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِرِدَّةِ عُبَيْدِ اللَّهِ -لَوْ صَحَّتْ-، لأَنَّهُ وَالِدُ زَوْجِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ.
وَبَعْدُ، فَالْمَسْأَلةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَحَدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بَلْ وَمِنَ السَّابِقِينَ الأَوَّلينَ، فَإِنْ صَحَّ السَّنَدُ بِخَبَرِ رِدَّتِهِ فَلَا كَلَامَ، وَإِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مِعْقَلٍ. أَمَا وَالسَّنَدُ لَمْ يَثْبُتْ، فَإِنَّ نُصُوصَ الشَّرِيعَةِ حَافِلَةٌ بِالذَّبِّ عَنْ عِرْضِ المُسْلِمِ؛ فكَيْفَ إِذَا كَانَ هَذَا المُسْلِمُ صَحَابِيًّا، بَلْ وَمِنَ السَّابِقِينَ؟ ! وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي - باب رقم (6) - رقم الحديث (7) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل. . . - رقم الحديث (1773).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي - باب رقم (6) - رقم الحديث (7) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل. . . - رقم الحديث (1773).