الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البُدْنَ (1)، فَابْعَثُوهَا لَهُ" (2)، فَبَعَثُوا الهَدْيَ، وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءَ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ البَيْتِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِعْظامًا لِمَا رَأَى، فَقَالَ لَهُمْ: رَأَيْتُ البُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ البَيْتِ (3). فَقَالُوا لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ لَا عِلْمَ لَكَ (4).
فَغَضِبَ الحِلْسُ بنُ عَلْقَمَةَ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! وَاللَّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ، وَلَا عَلَى هَذَا عَاقَدْنَاكُمْ، أَيُصَدُّ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ مَنْ جَاءَ مُعَظِّمًا لَهُ، وَالذِي نَفْسُ الحِلْسِ بِيَدِهِ لَتُخَلُّنَّ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ أَوْ لَأَنْفِرَنَّ (5) بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَقَالُوا لَهُ: مَهْ! كُفَّ عَنَّا يَا حِلْسُ حَتَّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا مَا نَرْضَى بِهِ (6).
*
ثَالِثُهُمْ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ:
فَقَامَ عِنْدَ ذَلِكَ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه وَكَانَ عَلَى الكُفْرِ في ذَلِكَ
(1) البُدْن: هي الإبل، سميت بَدَنَةً لعِظمها وسِمَنِها. انظر النهاية (1/ 108).
(2)
هذه رواية البخاري في صحيحه.
وفي رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910) قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هذا من قومٍ يتأَلَّهُون، فابعَثُوا الهديَ في وَجْهِهِ".
التألُّه: التنسُّك والتعبد. انظر لسان العرب (1/ 190).
(3)
هذه رواية البخاري في صحيحه.
وفي رواية أخرى في مسند الإمام أحمد - رقم الحديث (18910) قال: يا معشر قريش! قد رأيت ما لا يحل صده، الهدي في قلائده قد أُكل أوباره من طول الحبس عن مَحِلِّه.
(4)
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910) - وإسناده حسن.
(5)
الاستنفار: الاستنجاد والاستنصار. انظر النهاية (5/ 79).
(6)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 341) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 289).
الوَقْتِ- فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ تَبْعَثُونَ إِلَى مُحَمَّدٍ إِذَا جَاءَكُمْ مِنَ التَّعْنِيفِ وَسُوءِ اللَّفْظِ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّكُمْ وَالِدٌ وَأَنِّي وَلَدٌ (1)، وَقَدْ سَمِعْتُ بِالذِي نَابَكُمْ (2)، فَجَمَعْتُ مَنْ أطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِي، قَالُوا: صَدَقْتَ، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ (3).
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: فَإِنَّ هَذَا (4) قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ اقْبَلُوهَا، ودَعُونِي آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَخَرَجَ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عُرْوَةُ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: يَا مُحَمَّدُ! أَجَمَعْتَ أَوْبَاشَ (5) النَّاسِ، ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ لِبَيْضَتِكَ (6) لِتَفُضَّهَا (7)؟
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ عُرْوَةُ: أَيْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ
(1) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (5/ 688): أي أنكم حيٌّ قد ولدوني في الجملة لكون أمي منكم، وأمه هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف.
(2)
النائبة: المصيبة. انظر لسان العرب (14/ 318).
(3)
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910) وإسناده حسن - وأصله في صحيح البخاري - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم الحديث (2731) - (2732).
(4)
أي الرسول صلى الله عليه وسلم.
(5)
هذه رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910) وإسناده حسن - وفي رواية الإمام البخاري في صحيحه - رقم الحديث (2731)(2732): أشواب
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (5/ 689): الأوباشُ: الأخلاط من السَّفَلة.
والأشواب: الأخلاط من أنواع شتى، فالأوباش أخصُّ من الأشواب.
(6)
بيضَةُ الرجل: أهلُهُ وعشِيرَته. انظر النهاية (1/ 169).
(7)
لتَفُضَّهَا: أي لتَكْسِرَها. انظر النهاية (3/ 406).
وأخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910) وإسناده حسن.
قَوْمِكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ العَرَبِ اجْتَاحَ (1) أهْلَهُ قَبْلَكَ (2)؟
إِنَّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا العُوْذُ المَطَافِيلُ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنْ لَا تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا، وَأَيْمُ اللَّهِ، لَكَأَنِّي بِهَؤُلَاءَ (3) قَدِ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَدًا (4).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ عُرْوَةُ: فَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّي لَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا (5) أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ (6).
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، وَكَانَ جَالِسًا خَلْفَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ (7)، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ (8).
(1) اجتاحَ: استأصله. انظر لسان العرب (2/ 409).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم الحديث (2731) - (2732).
(3)
أي الصحابة رضي الله عنهم الذين مع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(4)
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910) وإسناده حسن.
(5)
خَليقًا: أي حريًا. انظر لسان العرب (4/ 197).
(6)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم الحديث (2731) - (2732).
(7)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (5/ 689): البَظْرُ: بفتح الباء وسكون الظاء: قطعَةٌ تبقى بعد الختان في فرج المرأة، واللَّات: اسم أحَدِ الأصنام التي كانت قُرَيش وثقيف يعبُدُونَها، وكانت عادةُ العرب الشَّتم بذلك لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر رضي الله عنه المبالغة في سَبِّ عروة بإقامة مَنْ كان يعبد مقام أُمِّه، وحمله علي ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفِرَار، وفيه جواز النُّطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زَجْرِ من بَدَا منه ما يستحق به ذلك.
(8)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم =
فَقَالَ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ"، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا يَدٌ (1) كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ (2) بِهَا لَأَجَبْتُكَ (3).
ثُمَّ جَعَلَ عُرْوَةُ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُكَلِّمُهُ، وَالمُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ رضي الله عنه وَاقِف عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ المِغْفَرُ (4)، فَقَرَعَ يَدَ عُرْوَةَ بِنَعْلِ (5) السَّيْفِ، ثُمَّ قَالَ: أَمْسِكْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَاللَّهِ لَا تَصِلُ إِلَيْكَ.
فَقَالَ عُرْوَةُ لِلْمُغِيرَةِ: وَيْحَكَ، مَا أَفَظَّكَ وَأَغْلَظَكً! فتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَاَل لَهُ عُرْوَةُ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا ابْنُ أَخِيكَ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ".
قَالَ عُرْوَةُ: أَيْ غُدَرُ (6)، وَهَلْ غَسَلْتَ سَوْأَتَكَ إِلَّا بِالْأَمْسِ (7).
= الحديث (2731) - (2732).
(1)
اليد أي نعمة. انظر فتح الباري (5/ 691).
(2)
لم أجْزِكَ بها: أي لم أكَافِئْكَ بها. انظر فتح الباري (5/ 691).
(3)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم الحديث (2731)(2732) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910).
(4)
المِغْفَر: ما يلبسُه الدارع على رأسه. انظر النهاية (3/ 336).
(5)
نَعْلُ السيف: هي الحَدِيدَة التي تكون في أسفَلِ القِراب. انظر النهاية (5/ 70).
(6)
غُدَر: بضم الغين بوزن عُمَر، وهي كلمة تستخدم في المبالغة في وصفه بالغدر. انظر فتح الباري (5/ 691).
(7)
هذه رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910) وإسناده حسن.