الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه إِلَى إِضَمٍ
(1)
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا قَتَادَةَ الحَارِثَ بنَ رِبْعِيٍّ رضي الله عنه فِي سَرِيَّةٍ إِلَى إِضَمٍ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فِيهِمْ: عَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي حَدْرَدٍ رضي الله عنه، وَمُحَلِّمُ بنُ جَثَّامَةَ بنِ قَيْسٍ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ لِلْهِجْرَةِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَطْنِ إِضَمٍ مَرَّ بِهِمْ عَامِرُ بنُ الأَضْبَطِ الأَشْجَعِيُّ عَلَى قَعُودٍ (2) لَهُ، وَمَعَهُ مُتَيِّعٌ (3) لَهُ وَوَطْبٌ (4) مِنْ لَبَنٍ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِتَحِيَّةِ الإِسْلَامِ، فَأَمْسَكَ عَنْهُ القَوْمُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بنُ جَثَّامَةَ، فَقتَلَهُ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ قَعُودَهُ وَمُتَيِّعَهُ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَلَمْ يَلْقَوْا جَمْعًا، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرُوهُ الخَبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُحَلِّمِ بنِ جَثَّامَةَ:"أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالِ إِنِّي مُسْلِمٌ"، قَالَ: إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا (5)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ بَطْنِهِ فَعَلِمْتَ مَا فِي قَلْبِهِ؟ ".
(1) إضَم: بكسر الهمزة وفتح الضاد: اسم موضع. انظر النهاية (1/ 55).
(2)
القَعُودُ من الإبل: ما أمكنَ أن يُركب، وأدناه أن يكون له سنتان. انظر النهاية (4/ 77).
(3)
متيِّع: تصغير متاع.
(4)
الوَطْب: بفتح الواو وسكون الطاء: هو الوعاء الذي يكون فيه السمن واللبن. انظر النهاية (5/ 176).
(5)
مُتَعوذًا: أي إنما قالها ليدفع عنه القتل. انظر النهاية (3/ 287).
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ شَقَقْتُ بَطْنَهُ لَكُنْتُ أَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ! .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلَا أَنْتَ قَبِلْتَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَلَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ".
فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ". وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (1).
فَلَمْ يَلْبَثْ مُحَلِّمٌ إِلَّا سَبْعًا حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا دَفَنُوهُ، لفَظَتْهُ (2) الأَرْضُ، ثُمَّ عَادُوا فَدَفَنُوهُ، فَلَفَظَتْهُ الأَرْضُ، ثُمَّ عَادُوا فَدَفَنُوهُ، فَلَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَلَمَّا غُلِبَ قَوْمُهُ عَمَدُوا إِلَى صُدَّيْنِ (3) فَسَطَّحُوهُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَضَمُوا (4) عَلَيْهِ الحِجَارَةَ حَتَّى
(1) سورة النساء آية (94).
قلتُ: وقع في رواية الإمام البخاري في صحيحه - رقم الحديث (4591) - ومسلم في صحيحه - رقم الحديث (3025) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنيمته، فأنزل اللَّه هذه الآية.
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 135): ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معًا.
(2)
لفظته: أي قذفته ورمته. انظر النهاية (4/ 223).
(3)
الصَّدُّ والصُّدُّ: الجبل. انظر لسان العرب (7/ 298).
(4)
رَضْم الحجارة: جعل بعضها على بعض. انظر لسان العرب (5/ 235).
وَارُوهُ (1)، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"وَاللَّهِ إِنَّ الأَرْضَ لَتُطَابِقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ مَا بَيْنَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ".
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا إِنَّهَا -أَي الأَرْضُ- تَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَوْعِظَةً لَكُمْ لِكَيْلَا يُقْدِمَ رَجُلٌ مِنْكُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ يَقُولَ: إِنِّي مُسْلِمٌ"(2).
قُلْتُ: وَقَعَ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قِصَّةٌ أُخْرَى لِرَجُلٍ لفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ، فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَكتَبَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَقْرَأُ مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ عز وجل، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، وَأَعَادُوا دَفْنَهُ، فَلَفَظَتْهُ الأَرْضُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (3).
* * *
(1) وَرّيت الشيء واريته: أخفيته. انظر لسان العرب (15/ 283).
(2)
أخرج القصة دون ذكر لفظ الأرض لمحلّم بن جَثّامة: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (23881) - وأخرجها مع ذكر لفظ الأرض لمحلّم بن جَثّامة: ابن إسحاق في السيرة (4/ 282) - والبيهقي في دلائل النبوة (4/ 309 - 310) - وإسناده حسن.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الإسلام - رقم الحديث (3617) - ومسلم في صحيحه - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - رقم الحديث (2781) - وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (3211).