الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
بَعْثُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم حُذَيْفَةَ رضي الله عنه لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَحْزَابِ:
فَلَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَحَزاب الرِّيحَ، أَرَادَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبْعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ لَيْلًا؛ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَحْزَابِ، فَأَرْسَلَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ فَتًى مِنَّا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحِبْتُمُوهُ؟
قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ، قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، وَلَجَعَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَنْدَقِ، وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ هَويًّا (1)، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ:"مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ -يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَرْجعُ- أَدْخَلهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ (2) "، فَمَا قَامَ رَجُلٌ، ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ:"مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمَّ يَرْجعُ -يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجْعَةَ- أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رِفِيقِي فِي الْجَنَّةِ"، فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ مَعَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْجُوعِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَكُنْ لِيُ بدٌّ مِنَ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي، فَقَالَ:"يَا حُذَيْفَةُ! فَاذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُونَ، وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا".
(1) الْهَوِيُّ: بالفتح: الحِينُ الطويلُ من الزَّمانِ، وهو مُخْتَصٌّ بالليلِ. انظر النهاية (5/ 245).
(2)
في رواية الإمام مسلم في صحيحه: قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "جعله اللَّه معي يوم القيامة".
قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ (1)، وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لِيَنْظُرِ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الذِي إِلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ (2)، وَأَخْلفتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمُ الذِي نَكْرَهُ، وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، وَاللَّهِ مَا تَطْمَئِنُّ لَنَا قِدْرٌ، وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ، وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ (3) فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ عَلَى ثَلَاثٍ، فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ، وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي"، ثُمَّ شِئْتُ لقتلْتُهُ بِسَهْمٍ (4).
(1) في رواية الإمام مسلم في صحيحه: قال حذيفة رضي الله عنه: فلما وليت من عنده جَعلتُ كأنما أمشي في حَمّام، حتى أتيتهم.
قال الإمام النووي في شرح مسلم (12/ 123): يعني أنه لم يجد البرد الذي يجده الناس من تلك الريح الشديدة شيئًا، بل عافاه اللَّه تَعَالَى منه ببركة إجابته للنبي صلى الله عليه وسلم وذهابه فيما وجهه له، ودعائه صلى الله عليه وسلم له.
(2)
الكُرَاعُ: اسم لجميعِ الخيلِ. انظر النهاية (4/ 143).
(3)
مَعْقُولٌ: أي مَشْدُودٌ بالعِقَالِ، والعِقَالُ: هو الحَبْلُ الذي يُرْبَطُ بِهِ البَعِيرُ. انظر النهاية (3/ 254).
(4)
في رواية الإمام مسلم في صحيحه قال حذيفة رضي الله عنه: فرأيت أبا سفيان يَصْلِي ظهرَهُ بالنار، فوضعت سهمًا في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ولا تذعرهم عليّ" ولو رميته لأصبته.