الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَسَلِّحِينَ، فَهَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ، وَحَاوَلُوا التَّسَلُّلَ إِلَى مُعَسْكَرِ المُسْلِمِينَ لِيُصِيبُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، أَوْ يَجِدُوا مِنْهُمْ غِرَّةً (1)، غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ رضي الله عنه قَائِدَ حَرَسِ المُسْلِمِينَ كَانَ مُتيَقِّظًا، فَأَسَرُوا الثَّمَانِينَ رَجُلًا جَمِيعًا (2)، فَأَتَى بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ جِئْتُمْ في عَهْدِ أَحَدٍ، أَوْ هَلْ جَعَلَ لَكُمْ أَحَدٌ أَمَانًا؟ ".
قَالُوا: لَا، فَخَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبِيلَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ جَمِيعًا، رَغْبَةً مِنْهُ صلى الله عليه وسلم في الصُّلْحِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (3).
*
كِتَابَةُ الصُّلْحِ وَبُنُودُهُ:
وَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ بَعَثَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُهَيْلَ بنَ عَمْرٍو، وَمَعَهُ حُوَيْطِبُ بنُ عَبْدِ العُزَّى، وَمِكْرَزُ بنُ حَفْصٍ، وَقَالُوا لَهُ: ائْتِ مُحَمَّدًا فَصَالِحْهُ، وَلَا يَكُونُ في صُلْحِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا، فَوَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ العَرَبُ عَنَّا،
(1) غِرَّة: بكسر الغين أي غفلة. انظر النهاية (3/ 318).
(2)
في رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (16800). قال عبدُ اللَّه بن مغفل المُزَني رضي الله عنه: فثاروا في وجوهنا -أي هؤلاء الثمانون رجلًا من الكفار- فَدَعَا عليهم رَسُول اللَّهِ رضي الله عنه، فأخذ اللَّه عز وجل بأبصارهم، فقدمنا إليهم، فأخذناهم.
(3)
سورة الفتح آية (24) - والخبر أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب غزوة ذي قرد وغيرها - حيث رقم (1808) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (12227)(16800) - وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (60).
أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً (1) أَبَدًا.
فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ:"قَدْ سَهُلَ لَكُمْ أَمْرَكمْ، أَرَادَ القَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ"، فَلَمَّا انْتَهَى سُهَيْلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَكَلَّمَا، وَأَطَالَا الكَلَامَ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَرَاجَعَا بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:"تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ البَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ".
فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ العَرَبُ أنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً (2)، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى شُرُوطِ الصُّلْحِ.
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، لِيَكْتُبَ الكِتَابَ، فَقَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم:"اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فَقَالَ سُهَيْل: أَمَّا "الرَّحْمَنُ"، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هِيَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ"، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فَقَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم:"اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ".
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا مَا قَاضَى (3) عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بنَ عَمْرٍو"، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ البَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ (4)، وَلَكِنْ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ. . . . .
(1) عَنْوَة: أي قهرًا. انظر النهاية (3/ 284).
(2)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (5/ 694): ضُغْطة: بضم الضاد وسكون الغين: أي قهرًا.
(3)
في رواية أخرى في مسند الإمام أحمد - رقم الحديث (18910) قال: ما صالح.
(4)
في رواية الإمام مسلم في صحيحه - رقم الحديث (1784) قال سهيل: لو علمنا أنك رَسُول اللَّهِ لاتَّبَعْنَاك.
أَبِيكَ (1)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُوني"، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ:"امْحُهُ"، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَا وَاللَّهِ! لَا أَمْحَاهَا (2).
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرِنِي مَكَانَهَا"، فَمَحَاهَا بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ صلى الله عليه وسلم (3)، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه:"أَمَا إِنَّ لَكَ مِثْلَهَا، سَتَأْتِيهَا وَأَنْتَ مُضْطَرٌّ"(4).
وَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ رضي الله عنه مِنْ كِتَابَةِ الشُّرُوطِ، أَشْهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الكِتَابِ رِجَالًا مِنَ المُسْلِمِينَ وَهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ،
(1) في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (2731)(2732) قال سهيل: ولكن اكتب محمد بن عبد اللَّه.
(2)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (2699) قال علي رضي الله عنه: لا واللَّه لا أمحوك أبدًا.
وفي رواية أخرى في سنن النسائي الكبرى - رقم الحديث (8523) قال علي رضي الله عنه: هو واللَّه رَسُول اللَّهِ، وإن رغم أنفك، ولا واللَّه لا أمْحُهَا.
(3)
أخرج الحديث: البخاري في صحيحه - كتاب الصلح - باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان ابن فلان - رقم الحديث (2698)(2699) - وأخرجه في كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم الحديث (2731)(2732) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب صلح الحديبية - رقم الحديث (1783)(1784) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910)(18928).
(4)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 289): يشير صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع لعلي رضي الله عنه يوم الحَكَمَيْنِ مع معاوية رضي الله عنه، فكان كذلك. وأخرج ما وقع لعلي رضي الله عنه يوم الحكمين مع معاوية رضي الله عنه في مسنده الإمام أحمد - رقم الحديث (656) وإسناده حسن.
وأخرج هذه الرواية النسائي في السنن الكبرى - رقم الحديث (8523).