الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
رَمَلُ المُسْلِمِينَ:
فَاسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ (1) وَاضْطَبَعَ (2) بِثَوْبِهِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الطَّوَافِ، وَكَانَ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ لَمَّا سَمِعُوا بِقُدُومِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ إلى رُؤُوسِ الجِبَالِ غَيْظًا وَحَسَدًا، وَبِسَبَبِ مَا أَشَاعُوهُ مِنْ أَنَّ المُسْلِمِينَ قَدْ أَصَابَتْهُمُ الحُمَّى فَأَوْهَنَتْهُمْ (3)، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِالرَّمَلِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الحُمَّى (4)، قَالَ: فَأَطْلَعَ اللَّهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا (5)، وَقَعَدَ
(1) المِحْجَن: عصا معقفة الرأس. انظر النهاية (1/ 353).
(2)
الاضْطِبَاع: هو أن يأخذ الإزارُ، فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، ويُلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظهره، وسُمي بذلك لإبداء الضبعين. انظر النهاية (3/ 68).
والضَّبُعُ: هو العَضُد. انظر لسان العرب (8/ 16).
(3)
وهنتهم: أي أضعفتهم. انظر فتح الباري (8/ 297).
(4)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (1602): حُمّى يثرب.
قال الحافظ في الفتح (4/ 269): ويؤخذ منه: جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابًا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم.
(5)
في روايةِ ابن إسحاق في السيرة (4/ 18) قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رحِمَ اللَّه امرأً أراهم اليوم من نفسه قُوَّة".
وفي رواية الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2782) - وابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (3812) - بسند صحيح - قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَرى القوم فيكم غَمِيزة" والغميزة بفتح الغين: أي ضعف. انظر لسان العرب (1/ 120).
قال الإِمام ابن قدامة في المغني (5/ 217 - 220): الرَّمَلُ سُنَّة في الأشواط الثلاثة =
المُشْرِكُونَ نَاحِيَةَ الحِجْرِ (1) يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَرَمَلُوا وَمَشَوْا مَا بَيْنَ الرّكْنَيْنِ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الذِينَ تَزْعُمُونَ أَنَّ الحُمَّى وَهَنَتْهُمْ؟ ! هَؤُلَاءَ أَقْوَى مِنْ كَذَا وَكَذَا (2)، وَلَمْ يَمْنَعْهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَهُمْ -أَيْ أَصْحَابَهُ- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا إِبْقَاءً (3) عَلَيْهِمْ (4).
وَلَمَّا فَرِغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الطَّوَافِ، صَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَهُ مَنْ يَسْترهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ سَعَى صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَة عَلَى رَاحِلَتِهِ،
= الأُول من طواف القدوم، ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافًا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثًا ومشى أربعًا، رواه جابر، وابن عباس، وابن عمر، وأحاديثهم متفق عليها.
فإن قيل: إنما رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لإظهار الجَلَدِ للمشركين، ولم يَبْقَ ذلك المعنى، إذ قد نفى اللَّه المشركين.
قلنا: قد رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واضطبع في حجَّة الوداع بعد الفتح، فثبت أنها سُنَّة ثابثة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: رمل النبي صلى الله عليه وسلم في عُمَرِه كلها، وفي حجه، وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعده. رواه أَحْمد في مسنده بسند صحيح - رقم الحديث (1972).
(1)
في روايةِ البخاري في صحيحه - رقم الحديث (4256): والمشركون من قِبَل قُعيقعان.
وقعيقعان: بضم القاف الأولى: جبل بمكة. انظر النهاية (4/ 78).
(2)
في رواية ابن حبان في صحيحه: قالوا: كأنهم الغِزْلان.
وفي رواية أخرى في مسند الإِمام أحمد: قالوا: إنهم لَيَنقُزُون نَقْزَ الظِّباء.
(3)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (4/ 269): الإبقاء: بكسر الهمزة: الرفق والشفقة.
(4)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب كيف كان بدء الرمل؟ رقم الحديث (1602) - وأخرجه في كتاب المغازي - باب عمرة القضاء - رقم الحديث (4256) - ومسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة - رقم الحديث (1266) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2639)(2782) - وابن حبان في صحيحه - كتاب الحج - باب دخول مكة - رقم الحديث (3812) - وأبو داود في سننه - كتاب المناسك - باب في الرمل - رقم الحديث (1885).