الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أُنَيْسٍ رضي الله عنه لِقَتْلِ خَالِدٍ بنِ سُفْيَانَ الهُذَلِيِّ
وَفِي الخَامِسِ مِنْ مُحَرَّمٍ مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْهِجْرَةِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ أُنَيْسًا رضي الله عنه لِقَتْلِ خَالِدٍ بنِ سُفْيَانَ الهُذَلِيِّ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أُنَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ خَالِدَ بنَ سُفْيَانَ بنَ نُبَيْحٍ الهُذَلِيَّ، يَجْمَعُ لِيَ النَّاسَ لِيَغْزُونِي وَهُوَ بِعُرَنَه (1)، فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ (2) لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا رَأَيْتَهُ وَجَدْتَ لَهُ إِقْشَعْرِيرَةً"(3).
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتَهُ هِبْتَهُ وَفَرَقْتَ (4) مِنْهُ، وَذَكرْتَ الشَّيْطَانَ".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُنَيْسٍ رضي الله عنه: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا بِسَيْفِي (5) حَتَّى وَقَعْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِعُرَنَه مَعَ ظُعُنٍ (6) يَرْتَادُ (7) لَهُنَّ مَنْزِلًا، حِينَ كَانَ وَقْتُ العَصْرِ، فَلَمَّا
(1) عُرَنة: موضعٌ عندَ الموقِفِ بعَرَفَات. انظر النهاية (3/ 202).
(2)
النَّعْتُ: هو وصفُ الشَّيْءِ. انظر النهاية (5/ 68).
(3)
القَشْعَرِيرَةُ: الرِّعْدَة. انظر لسان العرب (11/ 174).
(4)
الفَرَق بالتحريك: الخَوْفُ والفَزَع. انظر النهاية (3/ 392).
(5)
تَوَشَّحَ السيف: أي لَبِسه. انظر لسان العرب (15/ 306).
(6)
الظُعُن: النساء، واحدتها ظَعِيَنة. انظر النهاية (3/ 143).
(7)
يَرْتَادُ: أي يطلب. انظر لسان العرب (5/ 356).
رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا وَصَفَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِقْشَعْرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُحَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ أُومِئُ بِرَأْسِيَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَلَمَّا انْتهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ ، قُلْتُ رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ سَمِعَ بِكَ وبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَكَ لِهَذَا، قَالَ: أَجَلْ أَنَا في ذَلِكَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُنيْسٍ رضي الله عنه: فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا أمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ حَتَّى قتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ، وَترَكْتُ ظَعَائِنَهُ مُكِبَّاتٍ (1) عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَآنِي، قَالَ:"أفْلَحَ الوَجْهُ"، قُلْتُ: قتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"صَدَقْتَ"، قَالَ: ثُمَّ قَامَ مَعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ بِي بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ:"أَمْسِكْ هَذِهِ عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ أُنَيْسٍ"، قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ العَصَا؟ .
قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا.
قَالُوا: أَوَلَا تَرْجعُ إلى رَسُولِ اللَّهِ فتَسْأَلهُ عَنْ ذَلِكَ؟ .
قَالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ العَصَا؟ .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "آيَةٌ (2) بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ
(1) أَكَبَّ على الشيء: أقبَلَ عليهِ ولَزِمَه. انظر لسان العرب (12/ 8).
(2)
الآية: العَلَامة. انظر النهاية (1/ 88).
المُتَخَصِّرُونَ (1) يَوْمَئِذٍ".
فَقَرَنَهَا (2) عَبْدُ اللَّهِ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزلْ مَعَهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ أُمِرَ بِهَا فَضمَّتْ مَعَهُ في كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا (3)
* * *
(1) المِخْصَرَة: ما يختَصِرُه الإنسان بيده فيمسِكُهُ من عصا، أو عُكَّازة، وقد يتَّكِئُ عليه. انظر النهاية (2/ 35).
(2)
قَرَنْتُ بين الشَّيْئَيْنِ: جمعتُهُمَا في حبلٍ وَاحد. انظر لسان العرب (11/ 139).
(3)
أخرج قصة قتل خالد بن سفيان الهذلي على يَدِ عبد اللَّه بن أُنَيْس رضي الله عنه: الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (16047) - وابن حبان في صحيحه - كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة - باب ذكر عبد اللَّه بن أنيس رضي الله عنه رقم الحديث (7160) - وأبو داود في سننه - كتاب الصلاة - باب صلاة الطالب - رقم الحديث (1249) - وابن سعد في طبقاته (2/ 275) - وإسنادها حسن كما قال الحافظ في الفتح (8/ 133).