الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ، وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي، فَرَجَعُوا عَنْهُ.
*
خُرُوجُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِ القَوْمِ:
وَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صِيَاحُ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه، صَرَخَ بِالمَدِينَةِ:"الفَزَعَ الفَزَعَ"، فتَرَامَتِ (1) الخُيُولُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ مِنَ الفُرْسَانِ: المِقْدَادُ بنُ عَمْرٍو حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، ثُمَّ عَبَّادُ بنُ بِشْرٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَسَعْدُ بنُ زَيْدٍ أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَأُسَيْدُ بنُ ظَهِيرٍ، وَعُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ، وَمُحْرِزُ بنُ نَضْلَةَ ويُعْرَفُ بِالأَخْرَمِ الأَسَدِيِّ، وَأَبُو قَتَادَةَ الحَارِثُ بنُ رِبْعِيٍّ فَارِسُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو عَيَّاشٍ عُبَيْدُ بنُ زَيْدِ بنِ الصَّامِتِ، رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّرَ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بنَ زَيْدٍ الأَشْهَلِيَّ، وَقِيلَ: المِقْدَادَ بنَ عَمْرٍو (2)، ثُمَّ قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:"اخْرُجْ فِي طَلَبِ القَوْمِ حَتَّى أَلْحَقَكَ فِي النَّاسِ".
قَالَ سَلَمَةُ رضي الله عنه: فَمَا بَرِحْتُ (3) مَقْعَدِي ذَلِكَ حَتَّى نَظَرْتُ إلى فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ، وَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِيُّ، وَهُوَ مُحْرِزُ بنُ نَضْلَةَ
(1) ترامت: تتابعت وازدادت. انظر لسان العرب (5/ 329).
(2)
قال ابن سعد في طبقاته (2/ 290): والثبتُ عندنا أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمّر على هذه السرية سعد بن زيد الأشهلي، ولكن الناس نسبوها إلى المقداد لقول حسان بن ثابت رضي الله عنه: غداة فوارس المقداد.
(3)
فما بَرِح: أي فما زال. انظر لسان العرب (1/ 361).
-رضي الله عنه، وَعَلَى أَثَرِهِ أَبُو قتَادَةَ فَارِسُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى أَثَرِ أَبِي قتَادَةَ رضي الله عنه المِقْدَادُ بنُ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: فَوَلَّى المُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ، وَنَزَلْتُ مِنَ الجَبَلِ، فَأَخَذْتُ بِعَنَانِ (1) فَرَسِ الأَخْرَمِ، وَقُلْتُ لَهُ: يَا أَخْرَمُ! احْذَرِ القَوْمَ لَا يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَاُبهُ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنَانَ فَرَسِهِ، وَلَحِقَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُيَيْنَةَ، فَأَدْرَكَهُ فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ، فَعَقَرَ الأَخْرَمُ فَرَسَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ (2)، فتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الأَخْرَمِ.
فَلَحِقَ أَبُو قتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، وَغَشَّاهُ (3) بُرْدَهُ، ثُمَّ تَحَوَّلَ أَبُو قتَادَةَ عَلَى فَرَسِ الأَخْرَمِ، ثُمَّ لَحِقَ القَوْمَ.
فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ القَتِيلَ مُسَجًّى (4) بِبُرْدَةِ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه اسْتَرْجَعُوا، وَقَالُوا: قُتِلَ أَبُو قتَادَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ: "لَيْسَ بِأَبِي قَتَادَةَ، وَلَكِنَّهُ قَتِيلٌ لِأَبِي قَتَادَةَ وَضَعَ عَلَيْهِ بُرْدَهُ، لِتَعْرِفُوا أَنَّهُ صَاحِبَهُ".
(1) العَنَان: سَيْر اللجام. انظر النهاية (3/ 283).
(2)
روى ابن سعد في طبقاته (3/ 52) عن محرز بن نضلة رضي الله عنه أنه قال: رأيت في منامي أن سماءَ الدنيا أُفرِجت لي حتى دخلتُها حتى انتهجت إلى السماء السابعة ثم انتهيتُ إلى سدرة المنتهى فقيل في: هذا منزلك، فعرضتها على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان مِنْ أعْبَرِ الناس، فقال: أبْشِرْ بالشهادة، فُقتل بعد ذلك بيومٍ في غزوة الغابة، وهي غزوة ذي قَرَد.
(3)
غشَّاه: بفتح الغين وتشديد الشين أي غطاه. انظر النهاية (3/ 331).
(4)
مُسَجّى: أي مغطى. انظر النهاية (2/ 310).
وَأَدْرَكَ عُكَّاشَةُ بنُ مُحْصِنٍ رضي الله عنه أَوْبَارًا (1) أَوِ ابْنَهُ عَمْرَو بنَ أَوْبَارٍ، وَهُمَا عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ، فَانْتَظَمَهُمَا بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُمَا جَمِيعًا.
قَالَ سَلَمَةُ رضي الله عنه: ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ فِي أَثَرِ القَوْمِ حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، حَتَّى يَعْدِلُوا (2) قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو قَرَدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ، وَهُمْ عِطَاشٌ، فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فَعَطَفُوا (3) عَنْهُ، فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً، وَاشْتَدُّوا فِي الثَّنِيَّةِ -ثَنِيَّةِ ذِي نَثْرٍ- وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَأَرْمِيهِ، فَقُلْتُ: خُذْهَا
وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ
…
وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَأَصَابَهُ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ كَتِفَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ:
يَا ثُكَلَ أُمِّ (4)، أَكْوَعُ بُكْرَةَ (5)، فَقَالَ سَلَمَةُ: نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ سَهْمًا آخَرًا، فَعَلِقَ بِهِ سَهْمَانِ، ويُخَلِّفُونَ فَرَسَيْنِ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَحِقَنِي عَامِرٌ بِسَطْحِيَّةٍ (6) فِيهَا مَذْقَةٌ (7) مِنْ لَبَنٍ، وَسَطْحِيَّةٌ فِيهَا
(1) هذه رواية ابن إسحاق في السيرة (3/ 312) - وفي رواية ابن سعد في طبقاته (2/ 290): أثار، فاللَّه أعلم.
(2)
عدل: رجع. انظر لسان العرب (9/ 86).
(3)
عطف: انصرف. انصرف. لسان العرب (9/ 268).
(4)
ثكِلَتْكَ أُمُّك: أي فقدتك. انظر النهاية (1/ 212).
(5)
أكوع بكرة: أي أنت الأكوع الذي كان قد تبعنا بُكرة هذا النهار. انظر النهاية (4/ 182).
(6)
قال الإِمام النووي في شرح مسلم (12/ 151): السَّطْحِيّة: إناء من جلود سطح بعضها على بعض.
(7)
قال الإِمام النووي في شرح مسلم (12/ 151): المَذْقَة: بفتح الميم وإسكان الذال: قليل من لبن ممزوج بماء.
مَاءٌ، فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى المَاءِ الذِي حَلّأتُهُمْ (1) عَنْهُ بِذِي قَرَدٍ، فإِذا بِنَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَمْسِ مِئةٍ، وَإِذا بِلَالٌ قدْ نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَّفْتُ، فَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! خَلِّنِي فَأَنْتَخِبُ (2) مِنْ أَصْحَابِكَ مِئَةَ رَجُلٍ، فَأَتْبَعَ القَوْمَ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَلِكَ يَا سَلَمَةُ".
قَالَ رضي الله عنه: نَعَمْ، وَالذِي أَكْرَمَكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ (3) فِي ضَوْءَ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:"يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأسْجِحْ (4)، إِنَّهُمْ الآنَ لَيُقْرَونَ (5) فِي أَرْضِ غَطَفَانَ".
قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ: مَرُّوا عَلَى فُلَانٍ الغَطَفَانِيِّ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا، فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ (6) جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا، فَقَالُوا: أَتَاكُمُ القَوْمُ، فتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هَارِبِينَ.
(1) حلأتهم: أي صدَدْتُهم ونَفَيْتُهم عنه، يقصد الذين كان يلحقهم. انظر النهاية (1/ 404).
(2)
الانتِخَابُ: الاختيار والانتقاء. انظر النهاية (5/ 26).
(3)
قال الإِمام النووي في شرح مسلم (12/ 152): النواجذ من الأضراس: أي الأنياب.
(4)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 237): بهمزة قطع وجيم مكسورة: أي سَهّل، والمعنى قدرتَ فاعْفُ، والسَّجَاحَة: السهولة.
(5)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 237): يُقْرَون: بضم الياء وسكون القاف وفتح الراء وسكون الواو من القِرى وهي الضيافة.
وفي رواية ابن إسحاق في السيرة (3/ 312): قال صلى الله عليه وسلم: "إنهم الآن ليغبقون".
وهو بضم الغين، من الغُبُوقِ وهو شرب أول الليل، والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم، ونزلوا عليهم، فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم.
(6)
كَشَطَ: رفع وقلع وكشف. انظر النهاية (4/ 152).