الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَرِيَّةُ غَالِبِ بنِ عَبد اللَّهِ إِلَى بَنِي المُلَوِّحِ
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَفَرَ سَنَةَ ثَمَانٍ لِلْهِجْرَةِ غَالِبَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثيَّ رضي الله عنه فِي بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا إِلَى بَنِي المُلَوِّحِ بِالكَدِيدِ (1)، وَهُمْ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، فَخَرَجَ المُسْلِمُونَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِقُدَيْدٍ (2) لَقُوا الحَارِثَ بنَ مَالِكٍ، وَهُوَ ابْنُ البَرْصَاءَ اللَّيْثِيُّ، فَأَسَرُوهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ أُرِيدُ الإِسْلَامَ، فَقَالُوا لَهُ: إِنْ تَكُ مُسْلِمًا فَلَنْ يَضُرَّكَ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ اسْتَوْثَقْنَا مِنْكَ، فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، وَخَلَّفُوا عَلَيْهِ رَجُلًا أَسْوَدَ كَانَ مَعَهُمْ، وَقَالُوا له -أَيْ لِلْعَبْدِ الأَسْوَدِ-: امْكُثْ مَعَهُ حَتَّى نَمُرَّ عَلَيْكَ، فَإِنْ نَازَعَكَ، فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ.
قَالَ جُنْدُبُ بنُ مَكِيثٍ (3) الجُهَنِيُّ رضي الله عنه: ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى أَتيْنَا بَطْنَ الكَدِيدِ، فَنَزَلْنَا عُشَيْشِيَّةٍ (4) بَعْدَ العَصْر، فبعَثَنِي أَصْحَابِي رَبيئَةً (5) لَهُمْ، فَعَمَدْتُ إِلَى تَلٍّ
(1) الكَدِيد: بفتح الكاف وكسر الدال الأولى: موضع على اثنين وأربعين ميلًا من مكة. انظر معجم البلدان (7/ 123).
(2)
قُدَيد: بضم القاف مصغرا: موضع بين مكة والمدينة. انظر النهاية (4/ 20).
(3)
قال الحافظ في الإصابة (2/ 370): مَكِيث: بفتح الميم بوزن عظيم، شهد بيعة الرضوان، وكان أحد من حمل ألوية جُهينة يوم الفتح.
(4)
عُشيشية: تصغير عشية. انظر النهاية (3/ 220).
(5)
الربيئة: هو العينُ والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل، أو شرف ينظر منه. انظر النهاية (2/ 165).
يُطْلِعُنِي عَلَى الحَاضِرِ (1)، فَانْبَطَحْتُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ المَغْرِبُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَنَظَرَ، فَرَآنِي مُنْبَطِحًا عَلَى التَلِّ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى عَلَى هَذَا التَّلِّ سَوَادًا مَا رَأَيْتُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَانْظُرِي لَا تَكُونُ الكِلَابُ اجْتَرَّتْ بَعْضَ أَوْعِيَتِكِ، قَالَ: فنَظَرَتْ، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا: فنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ مِنْ كِنَانَتِي، قَالَ: فَنَاوَلتهُ، فَرَمَانِي بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِي جَنْبِي، قَالَ فنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، ثُمَّ رَمَانِي آخَرَ، فَوَضَعَهُ فِي رَأْسِ مَنْكبِي، فَنَزَعْتُهُ، فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ لَقَدْ خَالَطَهُ (2) سَهْمَايَ، وَلَوْ كَانَ زَائِلَةً (3) لَتَحَرَّكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِي سَهْمَيَّ، فَخُذِيهِمَا، لَا تَمْضَغُهُمَا عَلَيَّ الكِلَابُ.
قَالَ جُنْدُبُ بنُ مَكِيثٌ الجُهَنِيُّ رضي الله عنه: وَأَمْهَلْنَاهُمْ حَتَّى رَاحَتْ رَائِحَتُهُمْ (4)، حَتَّى إِذَا احْتَلَبُوا وَعَطَّنُوا (5)، أَوْ سَكَنُوا، وَذَهَبَتْ عَتَمَةٌ (6) مِنَ اللَّيْلِ، شَنَنَّا عَلَيْهِمُ الغَارَةَ، فَقتَلْنَا مَنْ قَتَلَنَا مِنْهُمْ، وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، فتَوَجَّهْنَا قَافِلِينَ، وَخَرَجَ صَرِيخُ القَوْمِ إِلَى قَوْمِهِمْ مُغَوِّثًا، وَخَرَجْنَا سِرَاعًا، حَتَّى نَمُرَّ بِالحَارِثِ بنِ البَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، وَأَدْرَكَنَا القَوْمُ حَتَّى قَرُبُوا مِنَّا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ
(1) الحاضِرُ: القومُ النُّزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه. انظر النهاية (1/ 384).
(2)
خالَطَهُ: أصابه. انظر لسان العرب (4/ 178).
(3)
الزائِلَةُ: كل شيء من الحيوان يزول عن مكانه ولا يستقر. انظر النهاية (2/ 288).
(4)
راحتْ رائحَتُهُمْ: أي ردت إبلهم وغنمهم إلى مأواها الذي تأوي إليه ليلًا. انظر لسان العرب (5/ 362).
(5)
يقال: إبل عُطَّان وعَطَّنت: سقاها ثم أناخها وحبسها عند الماء. انظر لسان العرب (9/ 273).
(6)
عَتَمَةُ الليل: هي ظلمته. انظر النهاية (3/ 164).
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إِلَّا بَطْنُ الوَادِي، أَقْتلَ سَيْل حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ شَاءَ، مَا رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مَطَرًا وَلَا سَحَابًا، فَجَاءَ بِمَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ، فَلَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ وُقُوفًا يَنْظُرُونَ إِلَيْنَا مَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يتقَدَّمَ، وَنَحْنُ نَسُوقُ نَعَمَهُمْ مَا يَسْتَطِيعُ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يُجِيزَ إِلَيْنَا، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا (1) سِرَاعًا حَتَّى فُتَنَاهُمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى طَلَبِنَا، فَقَدِمْنَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ (2).
* * *
(1) حدَا الإبلَ: زَجَرَهَا خلفها وساقها. انظر لسان العرب (3/ 89).
(2)
أخرج قصة هذه السرية: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (15844) - وأبو داود في سننه - كتاب الجهاد - باب في الأسير يوثق - رقم الحديث (2678) - وابن إسحاق في السيرة (4/ 265) - وإسنادها ضعيف.