الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
مَقْتَلُ خُبَيْبِ بنِ عَدِيٍّ رضي الله عنه
-:
وَأَمَّا خُبَيْبُ بنُ عَدِيٍّ رضي الله عنه فَاشْتراهُ بَنُو الحَارِثِ بنِ عَامِرِ بنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ الذِي قَتَلَ الحَارِثَ بنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا.
قَالَتْ بِنْتُ الحَارِثِ: فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى قتلِهِ اسْتَعَارَ مِنِّي مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، قَالَتْ: فَغَفُلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي، فَدَرَجَ (1) إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي، وَفِي يَدِهِ المُوسَى، فَقَالَ: أَتخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ (2) عِنَبٍ، وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ في الحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقًا رَزَقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.
فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الحَرَمِ، وَهُوَ في الحَدِيدِ، حَتَّى انْتَهَوْا بِهِ إلى التَّنْعِيمِ، وَخَرَجَ مَعَهُ الصِّبْيَانُ، وَالنِّسَاءُ، وَالعَبِيدُ، وَجَمَاعَةُ أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى صَلْبِهِ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ رضي الله عنه: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فترَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهُمَا وَأَحْسَنَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَوِّلَ فِيهِمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى القَوْمِ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا طَوَّلْتُ جَزَعًا مِنَ المَوْتِ لَزِدْتُ، أَوْ قَالَ: لَطَوَّلْتُهُمَا، فَكَانَ خُبَيْبٌ رضي الله عنه أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ لِكُلِّ مَسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا.
(1) دَرَجَ: أي مشى. انظر لسان العرب (4/ 319).
(2)
القِطْفُ بكسر القاف: العُنْقُودُ. انظر النهاية (4/ 74).
ثُمَّ قَالَ رضي الله عنه: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا (1)، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (2).
قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ في السِّيرَةِ: فَكَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما يَقُولُ: حَضَرتُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَنْ حَضَرَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُلْقِينِي إلى الأَرْضِ فَرَقًا (3) مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُعِيَ عَلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ لِجَنْبِهِ زَالَتْ عَنْهُ (4).
ثُمَّ أَنْشَدَ خُبَيْبٌ رضي الله عنه:
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
…
عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ في اللَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ في ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ
…
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ (5) شِلْوٍ (6) مُمَزَّعِ (7)
(1) بِدَدا: يروى بِكسر الباء، جمع بُدَّة وهي الحِصَّة والنَّصِيبُ، أي اقتُلْهُم حِصصًا مُقَسَّمة لكِلِّ واحد حِصَّته ونصيبه، ويروي بفتح الباء، أي مُتفرِّقين في القتل واحدًا بعد واحد. انظر النهاية (1/ 105).
(2)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة الرجيع - رقم الحديث (4086) - وابن إسحاق في السيرة (3/ 192).
(3)
الفَرَق بالتحريك: الخوف والفزع. انظر النهاية (3/ 392).
(4)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 192).
(5)
الأوصال: جمع وَصَل، وهو العضو. انظر النهاية (5/ 168).
(6)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 137): الشِلو بكسر الشين: الجَسَد، وقد يطلق على العُضْوِ، ولكن المراد به هنا الجسد.
(7)
قال الحافظ في الفتح: (8/ 137): المُمَزَّع: المُقَطَّع.=
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ فَقتَلَهُ (1)
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى في صَحِيحِ البُخَارِيِّ: أَنَّ الذِي قتلَ خُبَيْبًا رضي الله عنه هُوَ: أَبُو سَرْوعَةَ (2).
قَال الحَافِظُ في التَّهْذِيبِ: أَطْبَقَ أَهْلُ الحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أَبَا سَرْوعَةَ هُوَ عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ (3)، وَقَوْلُهُمْ أَوْلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ (4).
وَرَوَى ابنُ إِسْحَاقَ في السِّيرَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ قَالَ: مَا أَنَا وَاللَّهِ قتلْتُ خُبَيْبًا؛ لِأنِّي كُنْتُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ أبَا مَيْسَرَةَ العَبْدَرِيِّ أَخَذَ الحَرْبَةَ، فجَعَلَهَا في يَدِي، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَبِالحَرْبَةِ، ثُمَّ طَعَنَهُ بِهَا حَتَّى قَتَلَهُ (5).
وَقَدْ رَثَا حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه خُبَيبًا رضي الله عنه فَقَالَ:
= وأخرج ذلك: البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب هل يستأسر الرجل؟ - رقم الحديث (3045) - وأخرجه في كتاب المغازي - باب غزوة الرجيع - رقم الحديث (4086) - والطيالسي في مسنده - رقم الحديث (2720).
(1)
أخرج مقتل خبيب رضي الله عنه على يَدِ عُقبة بن الحارث: البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة الرجيع - رقم الحديث (4086).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة الرجيع - رقم الحديث (4087).
(3)
أسلم عقبة بن الحارث رضي الله عنه يوم الفتح، وحسن إسلامه.
(4)
انظر تهذيب التهذيب (3/ 122).
(5)
أخرج ذلك ابن إسحاق في السيرة (3/ 192) - وصحح إسناده الحافظ في الفتح (8/ 139).
مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَرْقَا (1) مَدَامِعُهَا
…
سَحًّا (2) عَلَى الصَّدْرِ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ الفَلِقِ (3)
عَلَى خُبَيْبٍ وَفِي الرَّحْمَنِ مَصْرَعُهُ
…
لَا فَشِلٍ (4) حِينَ تَلْقَاهُ وَلَا نَزَقِ (5)
وَقَالَ أَيْضًا رضي الله عنه:
يَا عَيْنُ جُودِي بِدَمْعٍ مِنْكِ مُنْسَكِبٍ (6)
…
وَابْكِي خُبَيْبًا مَعَ الغَادِينَ لَمْ يَؤُبِ (7)
صَقْرًا تَوَسَّطَ في الأَنْصَارِ مَنْصِبُهُ
…
حُلْوُ السَّجِيَّةِ (8) مَحْضًا (9) غَيْرَ مُؤْتَشِبِ (10)
(1) يُقال: رقَأَتْ دمعَتُه: أي جفَّت وانقَطَعَتْ. انظر لسان العرب (5/ 278).
(2)
سَحًّا: دائِمَةَ الصَّبِّ والهَطْلِ. انظر النهاية (2/ 311).
(3)
الفَلِقِ: المُنْشَقُّ. انظر لسان العرب (10/ 321).
(4)
الفَشِل: الرَّجل الضعيف الجبان. انظر لسان العرب (10/ 268).
(5)
النَّزَق: خِفَّة في كل أمرٍ وعَجَلة في جهل وحُمق. انظر لسان العرب (14/ 110). وانظر الأبيات في: ديوان حسّان بن ثابت رضي الله عنه ص 173.
(6)
سَكَبَ: صب. انظر لسان العرب (6/ 302).
(7)
الأوبُ: الرُّجوع. انظر لسان العرب (1/ 257).
(8)
السَّجِيَّة: الطبِيعَة والخُلُق. انظر لسان العرب (6/ 180).
(9)
المَحْضُ: الخَالِصُ. انظر لسان العرب (13/ 37).
(10)
الشَّوْبُ: الخَلْطُ. انظر لسان العرب (7/ 231).
ومنه قوله تعالى في سورة الصافات - آية (67): {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} .