الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيْلَ أُمِّ سَعْدٍ سَعْدًا
…
حَزَامَةً (1) وَجِدًّا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ إِلَّا أُمُّ سَعْدٍ"(2).
ثُمَّ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَ سَعْدٍ رضي الله عنه فِي حِجْرِهِ، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ إِنَّ سَعْدًا قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِكِ، وَصَدَّقَ رُسُلَكَ، وَقَضَى الذِي عَلَيْهِ، فَاقْبَلْ رُوحَهُ بِخَيْرِ مَا تَقَبَّلْتَ بِهِ الْأَرْوَاحَ"(3).
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَبَطَ يَوْمَ مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَى الْأَرْضِ، لَمْ يَهْبِطُوا قَبْلَ ذَلِكَ"(4).
*
اهْتِزَازُ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه
-:
رَوَى النَّسَائيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى وَابْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا الذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ ألفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً (5)،
(1) الْحَيْزُومُ: هو الصَّدْرُ، وهذا الكلام كناية عن التَّشْمِيرِ للأمرِ والاستعدادِ لَهُ. انظر لسان العرب (3/ 156).
(2)
أخرجه ابن سعد في طبقاته (3/ 227) - وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة - رقم الحديث (1158) وصحح إسناده.
(3)
أخرج ذلك الإمام في فضائل الصحابة - رقم الحديث (1499) وإسناده صحيح.
(4)
أورد الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 512) وعزاه إلى البزار، وقال: وهذا إسناد جيد.
(5)
قال الإمام الذهبي في السير (1/ 290): هذه الضَّمَّةُ ليسَتْ من عذاب القبر في شيء، =
ثُمَّ فرَجَ عَنْهُ"، يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ (1)
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شرْحِ مُشْكِلِ الْآثَارِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه صَاحَتْ أُمُّهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَلَا يَرْقَأُ (2) دَمْعُكِ وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ، فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ"(3).
= بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألمَ فقدِ ولدِهِ وحميمِهِ في الدنيا، وكما يجد مِنْ أَلَمِ مَرَضِهِ، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك، فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد، وماهي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق اللَّه به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه، قال تَعَالَى في سورة مريم آية (39):{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} ، وقال تَعَالَى في سورة غافر آية (18):{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} ، فنسأل اللَّه تَعَالَى العفو واللطف الخفى، ومع هذه الهزات، فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء رضي الله عنه.
(1)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب الجنائر - باب ضَمَّةِ القبرِ - رقم الحديث (2193) - وابن سعد في طبقاته (3/ 228) - وأخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة - رقم الحديث (1497).
(2)
يُقَالُ رَقَأَ الدَّمْعُ: إذا سَكَنَ وانْقَطَعَ. انظر النهاية (2/ 226).
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (27581) - والحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب أول من ضحك اللَّه إليه: سعد بن معاذ رضي الله عنه رقم الحديث (4978) - وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (4170) - وأورده الهيثمي في المجمع (9/ 309)، وقال: رجاله رجال الصحيح.
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: جَاءَ حَدِيثُ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه عَنْ عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (1)، فَلَا مَعْنى لِإِنْكَارِهِ (2).
وَقَالَ الْإِمَامُ الذَّهَبِيُّ: وَالْعَرْشُ خَلْقٌ للَّهِ مُسَخَّرٌ إِذَا شَاءَ أَنْ يَهْتَزَّ اهْتَزَّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَجَعَلَ فِيهِ شُعُورًا لِحُبِّ سَعْدٍ رضي الله عنه، كَمَا جَعَلَ تَعَالَى شُعُورًا فِي جَبَلِ أُحُدٍ، ، بِحُبِّهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (3)، وَقَالَ تَعَالَى:{يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (4)، وَقَالَ سبحانه وتعالى:{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ} (5)، ثُمَّ عَمَّمَ سبحانه وتعالى فَقَالَ:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (6)، وَهَذَا حَق، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ (7)، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ سَبِيلُهُ الْإِيمَانُ (8).
(1) في صحيح البخاري - كتاب المناقب - باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه رقم الحديث (3803) - وصحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه رقم الحديث (2466).
(2)
انظر فتح الباري (7/ 502).
(3)
أخرج الإمام البخاري في صحيحه - رقم الحديث (4083) - ومسلم في صحيحه - رقم الحديث (1393) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ".
(4)
سورة سبأ آية (10).
(5)
سورة الإسراء آية (44).
(6)
سورة الإسراء آية (44).
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الإسلام - رقم الحديث (3579).
(8)
انظر كلام الإمام الذهبي رحمه الله في سِيَرِ أعلامِ النبلاء (1/ 297).