الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - كِتَابُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى هَوْذَةَ بنِ عَلِيٍّ مَلِكِ اليَمَامَةِ
وَبَعَثَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم سَلِيطَ بنَ عَمْرٍو العَامِرِيَّ رضي الله عنه، إِلَى هَوْذَةَ بنِ عَلِيٍّ الحَنَفِيِّ صَاحِبِ اليَمَامَةِ يَدْعُوهُ إلى الإِسْلَامِ، وَكتَبَ مَعَهُ كِتَابًا هَذَا نَصُّهُ:
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلى هَوْذَةَ بنِ عَلِيٍّ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، وَاعْلَمْ أَنَّ دِينِي سَيَظْهَرُ إلى مُنْتَهَى الخُفِّ (1) وَالحَافِرِ (2)، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَجْعَلُ لَكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ".
فَلَمَّا قَدِمَ سَلِيطٌ رضي الله عنه عَلَى هَوْذَةَ بنِ عَلِيٍّ بِكِتَابِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، أَنْزَلَهُ وَحَيَّاهُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فَلَمْ يَرُدَّ هَوْذَةُ بنُ عَلِيٍّ كِتَابَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَكتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا قَالَ فِيهِ: مَا أَحْسَنَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَأَجْمَلَهُ، وَأَنَا شَاعِرُ قَوْمِي، وَخَطِيبُهُمْ، وَالعَرَبُ تَهَابُ مَكَانِي، فَاجْعَلْ لِي بَعْضَ الأَمْرِ أَتْبَعْكَ.
ثُمَّ إِنَّهُ أَجَازَ سَلِيطًا رضي الله عنه بِجَائِزَةٍ، وَكَسَاهُ أَثْوَابًا مِنْ نَسْجِ هَجَرٍ (3)، فَقَدِمَ سَلِيطٌ رضي الله عنه بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قُرِئَ كِتَابُ هَوْذَةَ بنِ عَلِيٍّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ سَأَلَنِي سَيَابَةً (4) مِنَ الأَرْضِ مَا فَعَلْتُ،
(1) أراد بالخُف الإبل. انظر النهاية (2/ 53).
(2)
الحاَفرِ من الدواب: يكون للفرس، لأن الفرس بشدة دوسها تحفر الأرض. انظر النهاية (1/ 390) - لسان العرب (3/ 237).
ومعنى كلامه صلى الله عليه وسلم أن دينه الإِسلام سيبلغ ما بلغَ الفرس والإبل.
(3)
هَجَر: هي اليوم منطقة الإحساء.
(4)
السَّيابة: بفتح السين: البَلَحَة. انظر النهاية (2/ 387).
بَادَ وَبَادَ مَا فِي يَدَيْهِ". وَمَاتَ هَوْذَةُ بنُ عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ عِنْدَمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ (1).
هَذِهِ هِيَ الكُتُبُ السِّتَّةُ التِي بَعَثَ بِهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم رُسُلَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَقَدْ كتَبَ رَسُولُ اللَّهِ كتبًا أُخْرَى بَعَثَ بِهَا إِلَى مُلُوكِ عُمَانَ، وَالبَحْرَيْنِ، وَاليَمَنِ، سَنَذْكُرُهَا فِي حِينِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَيُلَاحَظُ عَلَى هَذِهِ الكُتُبِ الخِبْرَةُ الدَّقِيقَةُ بِنُفُوسِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ، وَحُسْنُ تَخَيُّرِ الأَلْفَاظِ المُنَاسِبَةِ لِلْكُلِّ، وَالمُثِيرَةِ لِلْعَوَاطِفِ وَالمَشَاعِرِ، كَمَا يُلَاحَظُ أَنَّ بَعْضَ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ كَانَ رَدُّهُ رَدًّا جَمِيلًا رَقِيقًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الإِسْلَامِ وَسَطْوَتِهِ، وَسَمَاحَةِ دَعْوَتِهِ، فَلَا تَعْقِيدَ فِيهَا وَلَا غُمُوضَ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ الذِينَ حَمَلُوا الكِتَابَ كَانُوا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ، وَوَفَّوْا بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الإِقْدَامِ، كَمَا كَانَ عَجِيبًا أَنْ لَمْ يُقْتَلْ مِنَ الرُّسُلِ عَلَى كَثْرَتِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ العَالَمَ حِينَئِذٍ كَانَ يَسْتَشْرِفُ إِلَى دِينٍ جَدِيدٍ سَمْحٍ، يُنْقِذُهُ مِنَ الحَضِيضِ الذِي هَوَى إِلَيْهِ، فَكَانَ هَذَا الدِّينُ هُوَ الإِسْلَامُ (2).
* * *
(1) انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (1/ 126) - زاد المعاد (3/ 607).
(2)
انظر السِّيرة النَّبوِيَّة (2/ 36) للدكتور محمد أبو شهبة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.