الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الغَزْوَةِ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَدَخَلَ المَدِينَةَ لِهِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ (1).
*
الحَادِثُ الثَّانِي: حَادِثُ الإِفْكِ:
وَفِي هَذِهِ الغَزْوَةِ وَقَعَ حَادِثُ الإِفْكِ الذِي كَانَ أَعْظَمَ فِتْنَةٍ حَاكَهَا المُنَافِقُونَ، وَاسْتَبَاحَ ابْنُ سَلُولٍ لِنَفْسِهِ أَنْ يَرْمِيَ بِالفَحْشَاءَ سَيِّدَةً مِنْ خِيرَةِ النِّسَاءِ، وَهِيَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها (2).
وَلنَتْرُكِ الصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، تَرْوِي لَنَا حَدِيثَ الإِفْكِ كَامِلًا، كَمَا رَوَاهُ أَئِمَّةُ الحَدِيثِ وَأَصْحَابُ السِّيَرِ وَالمَغَازِي، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ.
فَلَمَّا كَانَ غَزْوَةُ بَنِي المُصْطَلِقِ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ مَعَهُ، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَمَا نَزَلَ الحِجَابُ (3)، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي (4) وَأَنْزِلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ
= الحديث (3602) - وقال الترمذي: حديث حسن صحيح - وابن سعد فِي الطبقات الكبرى (2/ 282).
(1)
قاله ابن سعد في طبقاته (2/ 282).
(2)
انظر فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص 288.
(3)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 392): أي بعد ما نزل الأمر بالحجاب، والمراد حجاب النساء عن رؤية الرجال لهن.
(4)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 392): الهودج: بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة: هو =
تِلْكَ، وَقَفَلَ (1) رَاجِعًا إِلَى المَدِينَةِ (2) نَزَلَ فِي بَعْضِ المَنَازِلِ فَبَاتَ بِهِ بَعْضَ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ أَذِنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ (3) حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ (4) لِي مِنْ جَزْعِ (5) ظفَارٍ (6) قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ أَلْتَمِسُ عِقْدِي وَحبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ (7) لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ (8) عَلَى بَعِيرِي الذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا تَأْكُلُ العُلْقَةَ (9) مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ (10)
= محمل له قبة تستر بالثياب ونحوه، يوضع على ظهر البعير يركب عليه النساء ليكون أستر لهن.
(1)
قفل: رجع. انظر النهاية (4/ 82).
(2)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 393): أي أن قصَّتَها وقعَتْ حالَ رُجوعهم من الغزوة قُرب دخولهم المدينة.
(3)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 393): أي لتقضِيَ حاجَتَها منفردة.
(4)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 393): العِقْد: بكسر العين قِلادَة تعلَّق فِي العُنُق للتزيين بها.
(5)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 393): الجَزْع: بفتح الجيم وسكون الزاي، خرَزٌ معروف في سواده بياض كالعُرُوق.
(6)
قَالَ الحَافِظ فِي الفَتْحِ (9/ 393): فأما ظفَار: بفتح الظاء ثم فاء بعدها راء مبنية على الكسر: هي مدينة باليمن، وقيل: جبل.
(7)
قَالَ الحَافِظ فِي الفَتْحِ (9/ 394): يرحلون: بفتح أوله والتخفيف، رحلت البعير إذا شددت عليه الرحل.
(8)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 394): رحلوه: أي وضعوه.
(9)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 395): العُلْقة: بضم العين: أي القليل.
(10)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 395): أي أنها مع نحافَتِهَا صغيرةُ السن، فذلك أبلغ في =
فَبَعَثُوا (1) الجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ (2)، فَأَمَّمْتُ (3) مَنْزِلِي الذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، وَقَدْ تَلَفَّفْتُ بِجِلْبَابِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ (4)
= خِفَّتِها، ويستفاد من ذلك: أن الذين كانوا يرحلون بعيرها كانوا فِي غايَةِ الأدب معها، والمبالغة فِي ترك التنقيب عما فِي الهَوْدَج بحيث أنها لم تكن فيه، وهم يظنُّون أنها فيه، وكأنهم جَوَّزُوا أنها نائمة.
ويحتمل أن تكون أشارت بذلك إِلَى بيان عُذْرِها فيما فعلته من الحرص على العقد الذي انقطع، ومن استقلالها بالتَّفْتِيشِ عليه فِي تلك الحال وترك إعلام أهلها بذلك، وذلك لِصِغَرِ سنها، وعدم تجاربها للأمور بخلاف ما لو كانت ليست صغيرة لكانت تتفطن لعاقبة ذلك، وقد وقع لها بعد ذلك فِي ضياع العقد أَيضًا أنها أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بأمرِهِ، فأقام بالنَّاس على غير ماءٍ حَتَّى وجدته، ونزلت آية التيمم بسبب ذلك، فظهر تفاوت حال من جرب الشيء، ومن لم يجرِّبه.
قلت: كان عُمْرُ عائشة رضي الله عنها فِي هذه الغزوة خمس عشرة سنة.
(1)
فبعثوا الجَمَل: أي أثاروه. انظر النهاية (1/ 137).
(2)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 396): فإن قيل: لِمَ لَمْ تستصحب عائشة معها غيرها؛ ليكون أدعى لأمنها مما يَقَعُ للمنفرد، ولكانت لما تأخرت للبحث عن العقد تُرسل من رافقها لينتظروها إن أرادوا الرحيل؟
والجواب: أن هذا من جملة ما يستفاد من قولها: "حديثة السن"؛ لأنها لم تقع لها تَجْرِبة مثل ذلك، وقد صارت بعد ذلك إذا خرجت لحاجتها تستصحِبُ، كما سيأتي فِي قصتها مع أم مسطح.
(3)
أَمَّه: أي قصده. انظر النهاية (1/ 70).
(4)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 397): يحتمل أن يكون سببُ النَّوم شِدَّةُ الغَمِّ الذي حصل لها فِي تلك الحالة، ومن شأن الغم -وهو وقوع ما يكره- غلبة النوم، أو أن اللَّه سبحانه وتعالى لطف بها، فألقى عليها النوم لتَسْتَرِيح من وحشة الانفراد فِي البرية بالليل.
وَكَانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ (1) مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَدْلَجَ (2) فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي (3)، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ (4) حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ (5) وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا، فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ (6) فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّاسُ قَالُوا مَا قَالُوا، وَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ.
(1) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 397): صفوانُ بن المعطَّل بفتح الطاء المهملة المشددة، وكان صحابيًا فاضلًا، أول مشاهده عند الواقدي الخندق، وعند ابن الكلبي المريسيع.
(2)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 397): أدْلَجَ: بسكون الدال في روايتنا، وهو كادّلج بتشديدها، وقيل: بالسكون سار فِي أوله، وبالتشديد سارَ من آخِرِه، وعلى هذا فيكون الذي هنا بالتشديد؛ لأنه كان فِي آخر الليل، وكأنه تأخر فِي مكانه حَتَّى قرب الصبح فركب ليظهر له ما يسقط من الجيش مما يُخْفِيه الليل.
(3)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 398): هذا يشعر بأن وجْهَهَا انكشف لما نَامَتْ؛ لأنه تقدم أنها تلفَّفت بجلبابها ونامَتْ، فلما انتبهت باسترجاع صفوان بادرت إِلَى تغطية وجهها.
(4)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 399): أي بقوله: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، وكأنه شَقَّ عليه ما جَرَى لعائشة، أو أنَّه اكتفى بالاسترجاع رافعًا به صوته عن مُخَاطَبَتِهَا بكلامٍ آخر صيانة لها عن المخاطبة فِي الجملة، وقد كان عمر رضي الله عنه يَستعمِلُ التكبير عند إرادة الإيقاظ، وفيه دلالة على فِطْنَةِ صفوان وحُسْنِ أدبه رضي الله عنه.
(5)
خمَّرْتُ: أي غَطَّيْتُ. انظر النهاية (2/ 73).
(6)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 400): مُوغِرِين: بضم الميم وكسر الغين: أي نازِلِين فِي وقتِ الوَغْرَة بفتح الواو وسكون الغين، وهي شِدَّةُ الحَرِّ لما تكون الشَّمس فِي كَبِدِ السماء.
ثُمَّ قَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ (1) فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ (2) الذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي (3)، إِنَّمَا يدخلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ:"كَيْفَ تِيكُمْ؟ "، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الذِي يُرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ (4)، فَخَرَجَتْ مَعِيَ أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ (5)، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ (6) قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ، فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ (7) بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وابْنُهَا مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ (8)، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا،
(1) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 401): يُفِيضُون: بضم أوله: أي يخوضون.
(2)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 401): اللُّطف: بضم أوله وسكون ثانيه، والمراد الرِّفْق.
(3)
أشْتَكِي: أي أمرض. قاله الحافظ في الفتح (9/ 401).
(4)
نقِهَ المريضُ: بفتح النون وفتح القاف وقد تكسر إذا بَرِئ وأفاق. انظر النهاية (5/ 97).
(5)
المَنَاصع: هي المواضع التي يُتَخَلَّى فيه لقضاء الحاجة. انظر النهاية (5/ 56).
(6)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 402): الكُنُف: بضمتين جمع كنيف، وهو الساتر، والمراد به هنا المكان المتخذ لقضاء الحاجة.
(7)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 402): رُهمٍ: بضم الراء وسكون الهاء.
(8)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 402): مِسْطَح: بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء، وهو لقب واسمه عوف وقيل عمر، والأول هو المعتمد، وقد أخرج الحاكم من حديث ابن عباس قال: قال أبو بكر يُعاتب مسطحًا فِي قصة عائشة: =
فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا (1)، فَقَالَتْ: تَعِسَ (2) مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ! ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟
فَقَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ (3) أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ (4).
قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟
قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ (5)، . . . .
= يا عوف ويحك هل لا قلتَ عارفة
…
من الكلام ولم تبتغ به طمعًا
وَكَانَ هو وأمُّه من المهاجرين الأولين، وشهد مِسْطَح بدرًا، وكان أبوه مات وهو صَغِير، فكفله أبو بكر رضي الله عنه لِقَرَابة أمِّ مِسطح منه، وكانت وفاة مِسطح سنة أربع وثلاثين، وقيل سنة سبع وثلاثين بعد أن شهد صفين مع علي رضي الله عنه.
(1)
المِرْط: بكسر الميم: هو كساء من صوف. انظر النهاية (4/ 273).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 403): وهذه ظاهره أنها عَثَرَتْ بعد أن قضت عائشة حاجتها ثم أخبرتها الخبر بعد ذلك، لكن وقع فِي رواية هشام بن عروة فِي صحيح البخاري: أنها عثَرَتْ قبل أن تقضي عائشة حاجتها، وأنها لما أخبرتها الخبر رجعت كأن الذي خرجت له لا تَجِدْ منه لا قَلِيلًا ولا كثيرًا، وكذا وقع فِي رواية ابن إسحاق في السيرة (3/ 327)
قالت: فواللَّه ما قدرت أن أقضي حاجتي.
ويجمع بينهما بأن معنى قولها: . "وقد فَرَغْنَا من شأننا": أي من شأن المَسِيرِ، لا قضاء الحاجة.
(2)
تَعِسَ: بفتح التاء وكسر العين: إذا عَثِرَ وانْكَبَّ لوجهه، وهو دُعَاءٌ عليه بالهلاك. انظر النهاية (1/ 186).
(3)
قال الإِمام النووي في شرح مسلم (17/ 90): هَنْتَاهُ: بفتح الهاء وسكون النون أي يَا هَذِهِ، وقيل: يَا امرَأَه.
(4)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (4757) قالت: إن مسطح: واللَّه ما أسُبُّه إِلَّا فيكِ.
(5)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (4757) قالت عائشة: فَبَقَرَتْ لِيَ الحديث.
فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي (1).
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ:"كَيْفَ تِيكُمْ؟ ".
فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ ، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ، مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟
قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ (2)، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطٌّ وَضِيئَةٌ (3) عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا (4).
(1) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 404): وعند الطبراني بإسناد صحيح قالت عائشة: لما بلغني ما تكلموا به همَمْتُ أن آتي قَلِيبًا فأطرَحَ نَفْسِي فيه.
(2)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (4757) قالت أم رومان: يَا بُنَيَّة
خفِّضي عليك الشأن.
(3)
وضِيئَة: بوزن عظيمة من الوَضَاءَة أي حسنة جميلة. قاله الحافظ في الفتح (9/ 404).
وفي رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (4757) قالت أم رومان: فإنَّه واللَّه لَقَلَّما كانت امرأة قَطٌّ حسناء.
(4)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 404): أي القول فِي عَيْبِها.
وفي رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (4757) قالت أم رومان: إِلَّا حَسَدْنَها وقيل فيها.
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 404): وفي هذا الكلام من فِطْنة أمها، وحُسْنِ تأتيها فِي تربيتها ما لا مَزِيد عليه، فإنَّها علمت أن ذلك يَعْظُم عليها فهوَّنت عليها الأمر بإعلامها بأنها لم تنفرد بذلك؛ لأن المرء يتَأَسَّى بغيره فيما يقع له، وأدمَجَتْ فِي ذلك ما تُطَيِّب به خاطرها من أنها فائِقَة فِي الجمال والحظوة.