الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَتْ رضي الله عنها: لِتَقْرُبَ عَلَيْهِ عِيَادَتُهُ (1).
*
رُفَيْدَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ رضي الله عنها تُدَاوِي الْجَرْحَى:
وَكَانَتِ التِي تُدَاوِي الْجَرْحَى رُفَيْدَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ رضي الله عنها، فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ أَكْحَل سَعْدٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَثقُلَ، حَوَّلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ، يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى (2).
*
اسْتِمْرَارُ الْقِتَالِ وَفَوَاتُ الصَّلَاةِ:
وَلَمَّا طَالَ الْمُقَامُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ اتَّعَدُوا (3) أَنْ يَغْدُوا (4) جَمِيعًا وَلَا يَتَخَلَّفَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَبَاتُوا يُعَبِّؤُونَ (5) أَصْحَابَهُمْ، ثُمَّ وَافَوا (6) الْخَنْدَقَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَخَذُوا يُفَرِّقُونَ كَتَائِبَهُمْ حَوْلَهُ، فَعَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ، وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ إِنْ صَبَرُوا، فَأَحْدَقَ (7) الْمُشْرِكُونَ بِكُلِّ وَجْهٍ مِنَ الْخَنْدَقِ،
(1) أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (5007).
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (863) - وأخرجه ابن سعد في طبقاته (3/ 227).
(3)
اتَّعَدُوا: أي تَوَاعَدُوا. انظر لسان العرب (15/ 342).
(4)
الْغُدْوَةُ: هو السَّيْرُ أولَ النَّهار. انظر النهاية (3/ 311).
(5)
عَبَّأْتُ الجَيْشَ: أي رَتَّبْتُهُم في مواضِعِهم وهَيَّأتُّهم للحربِ. انظر لسان العرب (9/ 6).
(6)
يُقال: وَفِيَ الشَّيْءُ، ووفَّى: إذا تَمَّ وكَمُلَ. انظر النهاية (5/ 183).
(7)
كلُّ شيء استدارَ بشيء وأحاط به، فقد أَحْدَقَ به. انظر لسان العرب (3/ 87).
وَوَجَّهُوا عَلَى قُبَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَتِيبَةً غَلِيظَةً فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَليدِ رضي الله عنه، فَقَاتَلُوهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ اللَّيْلِ، مَا يَقْدِرُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَزُولُوا مَوَاضِعَهُمْ، وَلَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ الْعَصْرَ إِلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ مُتَفَرِّقِينَ إِلَى مَنَازِلهِمْ وَعَسْكَرِهِمْ، وَانْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى قُبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رضي الله عنه عَلَى الْخَنْدَقِ فِي مِائتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَرَّ (1) خَالِدُ بْنُ الْوَليدِ رضي الله عنه فِي خَيْلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَطْلُبُونَ غِرَّةَ (2) الْمُسْلِمِينَ، فَنَاوَشُوهُمْ (3) سَاعَةً، فزَرَقَ (4) وَحْشِيُ بْنُ حَرْبٍ الطُّفيْلَ بْنَ النُّعْمَانِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِمِزْرَاقَةٍ (5) فَقتَلَهُ، وَانْكَشَفُوا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ قِتَالٌ حَتَّى انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ، لَكِنَّهُمْ لَا يَدَعُونَ الطَّلَائِعَ (6) بِاللَّيْلِ يَطْمَعُونَ فِي الْغَارَةِ (7).
فَلَمَّا صَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّتِهِ جَمَعَ أَصْحَابَهُ فَصَلَّى بِهِمُ الْعَصْرَ، ثُمَّ الْمَغْرِبَ (8).
(1) كَرَّ: رَجَعَ. انظر لسان العرب (12/ 64).
(2)
الغِرَّةُ: الغَفْلَةُ. انظر النهاية (3/ 319).
(3)
الْمُنَاوَشَةُ في القتال: تَداني الفَريقَيْنِ، وأَخْذُ بعضِهِمْ بَعْضًا. انظر النهاية (5/ 112).
(4)
زَرَقهُ: طَعَنَهُ أو رَمَاهُ. انظر لسان العرب (6/ 39).
(5)
الْمِزْرَاقُ: الرُّمْحُ القصيرُ. انظر لسان العرب (6/ 39).
(6)
الطَّلائعُ: هم القومُ الذين يُبعَثُونَ لِيَطَّلِعُوا على العدو كَالجَواسيسِ. انظر لسان العرب (8/ 185).
(7)
الإِغَارُة: النَّهْبُ. انظر لسان العرب (10/ 142).
(8)
انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 283) - دلائل النبوة للبيهقي (3/ 402).
رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا"، فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ (1) فتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ (2).
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، أَوْ اصْفَرَّتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى (3) صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا"، أَوْ قَالَ:"حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا"(4).
(1) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (2/ 267): بُطْحَانُ: بضمِّ أولِّهِ وسُكُونُ ثانيه: وَادٍ بالمدينةِ.
(2)
أخرجه البخاري - كتاب الصلاة - باب من صلى بالناس جماعةً بعد ذهاب الوقت - رقم الحديث (596) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر - رقم الحديث (631) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب الصلاة - باب صلاة الخوف - رقم الحديث (2889) - والبغوي في شرح السنة - رقم الحديث (396).
(3)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (9/ 55): وكونُ الصلاة الوسطى هي صلاة العصر هو المُعْتَمَدُ، وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه.
وقال الترمذي في جامعه (1/ 229): هو قول أكثر علماء الصحابة.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر - رقم الحديث (628).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: ثُمَّ صَلَّاهَا -أَيْ صَلَاةَ الْعَصْرِ- بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءَ (1).
وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّ الذِي فَاتَهُمْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ، وَأَنَّهُمْ صَلُّوهَا بَعْدَ هَوِيٍّ (2) مِنَ اللَّيْلِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} (3)، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بِلَالًا، فَأَقَامَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَصَلَّاهَا، وَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ، فَصَلَّاهَا، وَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، قَالَ: وَذَلِكُمْ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (4).
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدْ ضَعِيفٍ لِانْقِطَاعِهِ لَكِنَّهُ يَرْتَقِي إِلَى
(1) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر - رقم الحديث (627)(205).
(2)
الْهَوِيُّ من اللَّيْلِ: الحينُ الطَّويل من الزَّمان، وقيل: هو مُخْتَصٌّ بالليل. انظر النهاية (5/ 245).
(3)
سورة الأحزاب آية (25).
(4)
سورة البقرة آية (239) - والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (11465) - وابن حبان في صحيحه - كتاب الصلاة - باب صلاة الخوف - رقم الحديث (2890).