الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِسْلامُ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ وَعَمْرِو بنِ العَاصِ وَعُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ رضي الله عنهم
وَفِي صَفَرَ مِنَ السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ قَدِمَ خَالِدُ بنُ الوَليدِ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ، وَعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ رضي الله عنهم إِلَى المَدِينَةِ لِيُسْلِمُوا، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ:"رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلَاذِ (1) أَكبَادِهَا"(2).
وَلْنَتْرُكْ عَمْرَو بنَ العَاصِ رضي الله عنه يَرْوِي لَنَا خَبَرَ إِسْلَامِهِ كَمَا رَوَاهَا عَنْهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، قَالَ عَمْرٌو رضي الله عنه: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الأَحْزَابِ عَنِ الخَنْدَق، جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَرَوْنَ مَكَانِي، وَيَسْمَعُونَ مِنِّي، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَعْلَمُونَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو الأُمُورَ عُلوا كَبِيرًا، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، فَمَا ترَوْنَ فِيهِ؟
قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ؟
قَالَ: رَأَيْتُ أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ، فَنَكُونَ عِنْدَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى
(1) الأفلاذُ: جمع فِلَذ، والفِلَذ: جمع فِلْذَة، وهي القِطعة المقطوعة طولًا، وخص الكبد، لأنها من أطايب الجزور، ومعنى هذا الحديث: أراد صميم قريش ولُبَابها وأشرافها، كما يقال: فلان قلب عشيرته؛ لأن الكبد من أشرف الأعضاء. انظر النهاية (3/ 422).
(2)
انظر دلائل النبوة للبيهقي (4/ 346 - 347).
قَوْمِنَا، كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا، فَلَنْ يَأْتِينَا مِنْهُمْ إِلَّا خَيْرًا.
فَقَالوا: إِنَّ هَذَا الرَّأْيُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ: فَاجْمَعُوا لَهُ مَا نُهْدِي لَهُ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الأُدُمُ (1)، فَجَمَعْنَا لَهُ أُدُمًا كَثِيرًا، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعِنْدَهُ إِذْ جَاءَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرَ وَأَصْحَابِهِ.
قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَأَلتهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَجَدْتُ له كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ.
فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي، أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بِلَادِكَ شَيْئًا؟
قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ أَيّها المَلِكُ، قَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ أُدُمًا كَثِيرًا.
قَالَ: ثُمَّ قَدَّمْتُهُ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ.
(1) الأُدُمُ: جمع أديم وهو: الجلد. انظر لسان العرب (1/ 97).
ثُمَّ قُلْتُ له: أَيُّهَا المَلِكُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوِّ لَنَا، فَاَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا.
قَالَ عَمْرٌو: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَوْ انْشَقَّتْ لِيَ الأَرْضُ لَدَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا (1) مِنْهُ.
ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ، وَاللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ.
فَقَالَ: أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الأَكْبرُ (2) الذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى لِتَقْتُلَهُ؟ !
فَقَالَ عَمْرٌو: أَيُّهَا المَلِكُ، أَكَذَاكَ هُوَ؟
فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو، أَطِعْنِي وَاتْبَعْهُ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَعَلَى الحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ.
فَقَالَ عَمْرٌو: فَبَايِعْنِي له عَلَى الإِسْلَامِ.
قَالَ: نَعَمْ، فَبَسَطَ يَدَهُ وَبَايَعْتُهُ عَلَى الإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي، وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَكتَمْتُ أَصْحَابِي إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُسْلِمَ، فَلَقِيتُ خَالِدَ بنَ الوَليدِ، وذَلِكَ قُبَيْلَ الفَتْحِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟
(1) الفَرَق: بالتحريك: الخوف والفزع. انظر النهاية (3/ 392).
(2)
النامُوس الأكبر: صاحب سِرِّ الخير، وأراد به جبريل عليه السلام. انظر النهاية (5/ 104).
قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقَامَ المَنْسِمُ (1)، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ، أَذْهَبُ وَاللَّهِ أُسْلِمُ، فَحَتَّى مَتَى؟
قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأُسْلِمَ.
قَالَ عَمْرٌو: فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَ خَالِدُ بنُ الوَليدِ، فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ، ثُمَّ دَنَوْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي. (2)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَمْرُو، بَايع، فَإِنَّ الإِسْلَامَ يَجُبُّ (3) مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الهِجْرَةُ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا".
قَالَ عَمْرٌو رضي الله عنه: فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ (4)
عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمَ النَّاسُ، وَآمنَ عَمْرُو بنُ العَاصِ"(5).
(1) المنسم: معناه تبين الطريق. انظر النهاية (5/ 42).
(2)
في رواية أخرى في مسند الإمام أحمد بسند صحيح - رقم الحديث (17827) قال عمرو رضي الله عنه: لا أبايعكَ يا رَسُول اللَّهِ حتى تَغْفِرَ لي ما تقدم من ذنبي.
(3)
يَجُبُّ: أي يقطع ويمحو ما كان قبله من الكفر والمعاصي والذنوب. انظر النهاية (1/ 227).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (17777) - والحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب ذكر إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه رقم الحديث (5345)(5966) - وابن إسحاق في السيرة (3/ 303).
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو رضي الله عنه في نهاية الحديث: "الإسلام يجب ما قبله. . " أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب كون الإسلام يهدم ما قبله. . رقم الحديث (121).
(5)
هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (17413) - والترمذي في جامعه - كتاب المناقب - باب مناقب عمرو بن العاص - رقم الحديث (4179) - وإسناده حسن.