الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ مَشَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَى، وَلَيْلَتَهُمْ حَتَّى أَصْبَحَ، وَصَدْرَ (1) يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى آذَتْهُمُ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الأَرْضِ، فَوَقَعُوا نِيَامًا.
وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِيَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الحَدِيثِ الذِي كَانَ بِالأَمْسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ (2).
وَبِهَذَا التَّصَرُّفِ البَالِغِ الغَايَةَ فِي السِّيَاسَةِ الرَّشيدَةِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الفِتْنَةِ قَضَاءً مُبْرَمًا، وَلَمْ يَدَعْ مَجَالًا لِلْحَدِيثِ فِيمَا قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ (3).
*
نُزُولُ سُورَةِ المُنَافِقُونَ:
قَالَ زَيْدُ بنُ أَرْقَمٍ رضي الله عنه: فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَفَقْتُ (4) بِرَأْسِي مِنَ الهَمِّ، إِذْ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَكَ (5) أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ بِهَا الخُلْدَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَحِقَنِي، فَقَالَ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟
قُلْتُ: مَا قَالَ لِيَ شَيْئًا، إِلَّا أَنَّهُ عَرَكَ أُذُنِي، وَضَحِكَ فِي وَجْهِي.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَبْشِرْ، ثُمَّ لَحِقَنِي عُمَرُ رضي الله عنه، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ قَوْلي لِأَبِي
(1) صَدْرَ كل شيء: أوَّلُه. انظر لسان العرب (7/ 299).
(2)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 319 - 320) - دلائل النبوة للبيهقي (4/ 53).
(3)
انظر كتاب السِّيرة النَّبوِيَّة (2/ 255) للدكتور محمَّد أبو شهبة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(4)
يُقالُ: خفَقَ فلانًا خَفْقَة: إذا نامَ نومَةً خَفِيفة. انظر لسان العرب (4/ 157).
(5)
عَرَكَ: دَلك. انظر لسان العرب (9/ 168).
بَكْرٍ رضي الله عنه، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةَ المُنَافِقِينَ (1).
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ. . .} ، {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2).
قَالَ زَيْدٌ رضي الله عنه: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَهَا عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ اللَّه عز وجل قَدْ صَدَّقَكَ"(3).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا الذِي أَوْفَى اللَّهُ لَهُ بِأُذُنِهِ"(4).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: أَيْ أَظْهَرَ صِدْقَهُ فِيمَا أَعْلَمَ بِهِ، وَالمَعْنَى أَوْفَى صِدْقَهُ (5).
(1) أخرج ذلك الترمذي في جامعة - كتاب التفسير - باب ومن سورة المنافقين - رقم الحديث (3600) - وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2)
سورة المنافقون آية (1 - 8).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب اتخذوا أيمانهم جنة - رقم الحديث (4901) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (19285) - (19333).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب وللَّه خزائن السموات والأرض - رقم الحديث (4906).
(5)
انظر فتح الباري (9/ 647).